كتب الدكتور محمد حمود: لماذا لا يكون كلّ أطفال العرب ريّان؟.
مقالات
كتب الدكتور محمد حمود: لماذا لا يكون كلّ أطفال العرب ريّان؟.
6 شباط 2022 , 13:56 م


من بلدتي العباسيّة،قصّة أولاد وأطفال الحاجة زهرة نصّار قعيق تحت الردم!

ولكي لا يظلّ (ريان) الإنسان والطفل البريء وحيدًا في محور شهامة الإعلام العربيّ والعالميّ المنافق.

تقول القصّة الحقيقية والتي ذكرتها في أحد مؤلّفاتي:

في العام ١٩٧٨ م، في التاسع عشر من شهر آذار، حصلت مجزرة رهيبة في بلدتي العباسية من قضاء صور، قام بهاالجيش الصهيوني،بعدقصف البلدة لسبع ساعات متواصلة، بعشرات الطائرات ومئات القذائف، من البرّ والبحر والجوّ، فدمّر ثمانين بالمئة من بيوتها، وقتل أكثر من مئة.

وحصل أن انهمرَت القذائف الإسرائيلية على منزل الحاج محمّد نصرالله قعيق، حيث كانت فيه عائلة مؤلفة من ستة عشر فردًا، منهم : الحاجة زهرة نصّار قعيق وبناتها وأحفادها، وأربعة عشر فردًا من عائلة قريبة لها.

بعد القصف وانتهاء الغارات، ودخول الصهاينة إلى البلدة ، بدأ مَن تبقّى من الأحياءبالخروج من تحت الركام ولملمَة الجثث وانتشال الجرحى.

كان منزل الحاج محمّد نصرالله فعيق قد دُمّر بطابقيه، على رؤوس قاطنيه والمحتمين بداخله،سمع الناس صراخ الحاجة زهرة، وصراخ بناتها وأحفادها والأطفال،فهم لايزالون على قيدالحياة.

تجمهر بعض الباقين من الأحياء،وبدأوا الحفر، بالمعاول والمجارف وبأيديهم، فما استطاعواإلى الوصول إليهم سبيلا، فقد أطبق السقفان: الأول والثاني عليهم.

كانت أصواتهم تُسمع من تحت الرُّكام، (بكاء، وألم وجراح وأنين)!

مرّ اليوم الأول، وصراخ الأم ليلّا يدوّي في الأرجاء: أنقِذوا أطفالي وأولادي...!

في صباح اليوم الثاني، باشر الأهالي الحفر، فما استطاعوا اليهم سبيلا! كانت الأم وحدها تتكلّم:

أولادي يموتون أمام عينيّ: مات الأول، وماتت الثانية، والثالثة وماتت الرابعة، والخامسة...!سكتت الأصوات، والحاجة زهرة تئنّ وتئنّ!

مرّ اليوم الثاني، توقف العمل ليلًا، والحاجة زهرة وبعض مَن بقي حيًّا يئنون ويصرخون، وبينهم أطفال رُضّع!

وقف ولدها الحاج جعفر على السطح المدمّر يحكيها ويبكيها، وحاول ولدها الحاج نصرالله وبعض الأهالي إزاحة ما استطاعت أيديهم،والحاجة زهرة تقول:

انقذوا أولادي وبناتي والأطفال! لقد كانوا أحياءً، كلَّموني من تحت الركام، أنا أرى حفيدتي الصغيرة مقطوعة الأيدي والأرجل، وهي تبكي وتموت، وابنتي التي يظهر رأسها فقط من تحت الركام تريد شربة ماء.... والأنين في كل مكان! في اليوم الرابع، أتى الصهاينة بالجرافات الكبيرة، وبدأوا بجرف المكان، والكلّ بالانتظار! سكت صوت الحاجة زهرة، بعد ساعات استطاعت الجرافات إزاحة السطح الأول: فماذا وجدوا؟

مجموعة أطفال يحضنون بعضهم البعض، موتى...شهداء! كانوا أحياء وماتوا منذ ساعات! ما زالت أجسامهم دافئة! رفعوا السقف الثاني: جلّ الأطفال والبنات أنصاف جثث! وقد تناوب عليهم الموت، من الشظايا والجوع والعطش والنار! خمسة عشر شهيدًا وشهيدة في مشهد مرعب!

وحده الطفل محمّد كمال كان لا يزال حياً، كان يختبئ أسفل طاولة من حديد فنجا من الموت! وروى بعض ما رأى.

ولكن، أين الحاجة زهرة؟ منذ ساعات كانت تكلّمنا! غاصت الجرافة عميقًا، رفعت رفشها الحديدي الضخم، فإذا بجثة طاهرة معلّقة بين أسنان الجرافة، وهي تمدّ يديها إلى أحد ما من أطفالها وبناتها و قد مُزّقت أجسادهم؛ استشهدوا جميعا، ودفنوا في قبر جَماعيٍّ واحد، في مقبرة البلدة الكبيرة... وفي الطابق السفلي كانت ملحمة الموت الكبرى، مع أربعة عشر طفلا وطفلة وعجوزا، وُجدوا جميعاً

في صور مُرعِبةٍ لا تُوصف...! ليكون العدد في منزل واحد ثلاثين طفلا جلّهم بعمر (ريان). (انتهى).

الطفل (ريان) قصّة مأساوية وعاطفيّة وإنسانيّة تأثّرنا بها، وجلّ الفضائيّات العالمية العوراء الخبيثة تنقل ما تستسيغه، وتنشر حقدًا و تلفِّقُ أخباراً وتخفي الحقائق، لأمورٍ في نفوس أصحابها! حبّذا لو يُدرك مُدّعو العواطف الجياشة والدموع الغزيرة والأدعية والصلوات المباركة وغير المباركة: أنّ أطفالاً في اليمن يُسحقون سحقاً، بما هو أشدّ قسوةً من مشهد ريّان الطفل البريء، وأنّ "إسرائيل" سحقت أجساد أطفال لبنان، وأنّ أمريكا، ودواعش السعودية نثروا أشلاء أطفال العراق، وأنّ سيف البغي"العربيّ" الخبيث، وسيف الظلم الصهيوني،وسيف أمريكا الذي أعمت أصحابه الأطماع، هذه السيوف ما زالت تقتل آلاف الأطفال، وتجعل معاناة الأحياء أشدّ مرارةً من معاناة ريّان الذي نحمد الله على نجاته!

الأمريكان، أمام أطماعهم، لا يقيمون وزناً للإنسان،والصهاينة أعداء البشرية لا يُنتظر منهم الحنان، والعرب مُلكٌ عضوض، بتيجانٍ مُذهّبة، وشعوبٌ مُستَحقرةٌتحت أقدام أصحاب التيجان.

وعالمٌ يبدو أنّه بظلمه سكران.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري