رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية ( 5 )
مقالات
رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية ( 5 )
نبيل أحمد صافية
22 آذار 2022 , 21:02 م

كنتُ في الجزء الرّابع من البحث أمام بعض الرّؤى والفِكَر لتطوير عمل منظومة الجبهة الوطنيّة التّقدميّة وتفعيلها بما يخدم الإصلاح السّياسيّ الذي دعا إليه سيادة الرّئيس الدّكتور بشار الأسد وفق ما تمّ تقديمه لمقام سيادة اللواء محمّد الشّعّار نائب رئيس الجبهة الوطنيّة التّقدميّة ، واكتفيت في الجزء الرّابع بالإشارة لجانبين اثنين ، أوّلهما : تغيير مصطلح قانون الوَحدة الوطنيّة تَبعاً لما يتركه من آثار سلبيّة واستبداله بمصطلح أكثر شموليّة بعيداً عن التّقسيم ، وثانيهما : تعديل قانون الانتخابات المعمول به حاليّاً الذي يعطي حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ الأغلبيّة النّيابيّة قبل الانتخابات التّشريعيّة ، وكذا الحال في تغيير حجم الدّوائر الانتخابيّة وطريقة الاقتراع والتّصويت .. وسنكون في الجزء الخامس من البحث لمتابعة الرّؤى التّطويريّة لمنظومة الجبهة الوطنيّة التّقدميّة ، ونتناول فيه جانباً واحداً فقط نظراً لأهمّيّته ، وهو :

تفعيل المادة الثّامنة في مختلف فقراتها من الدّستور بصورة حقيقيّة فاعلة ، وإن كنت قد أشرت في الجزء الثّالث من البحث للتّعدّدية السّياسيّة وربطها بالمواطنة ضمن إطار الحديث عن قانون الأحزاب ، والإحساس بالمواطنة هو شعور ينمو مع الفرد عبر المعرفة ومخاطبة الإنسان ووجدانه وتنمية إحساسه بالافتخار بوطنه وحضارته ، وممّا لاشكّ فيه أنّ مفهوم المواطنة لا يحمل في طيّاته معنى الانتماء لأيديولوجيّة سياسيّة محدّدة أو تكتّل سياسيّ واحد محدّد ، فالوطن للجميع ولكلّ أبنائه دون استثناء ، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال تهميش أحد من أبناء الوطن الواحد كونهم يحملون اسم الوطن ، وإلّا يعدّ ذلك خروجاً على قيم الوطن وأهدافه ورؤاه ، وأستطيع القول : تسقط عن ذلك الإنسان الذي ينفي صفة المواطنة عن غيره بأنّه استئثار وإقصاء وهذا غير مشروع في مفهوم المواطنة ولا تنطبق عليه ، وربّما تنطبق عليه مقولة ممارسة الإرهاب الفكريّ والإيديولوجي ، وتَبَعاً لما سبق فإنّ التّعدّدية السّياسيّة هي سمة أساسيّة وملازمة لصفة المواطنة وتتماشى معها ولا تحيد عنها ، ومن المعلوم أن سوريّة تعيش حاليّاً عصر التّعدّديّة السّياسيّة بوجه جديد ورؤى متباينة بين حزب وآخر ، ولكلّ حزب أهدافُه وتطلّعاته ومبادئه ، وهي منتشرة فوق ثرى وطننا الحبيب ، وقد تمّ ترخيصها في ضوء قانون الأحزاب رقم مئة لعام 2011 الذي أصدره السّيّد الرّئيس بشّار الأسد رئيس الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ، بعد أن تمّ حذف المادة الثّامنة من الدّستور ، وإن بقيت على الأرض دون حذف وفاعليّتها موجودة بقوّة والأمثلة على ذلك كثيرة جدّاً في ضوء الواقع الحالي الذي يشهده أيّ مواطن في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ، فبعض المسؤولين السّياسيين أو الإداريين مازالوا يدّعون ويعتبرون أنّ وزاراتٍ في الدّولة هي حكر على هذا الحزب أو ذاك كما فعل الحزب الحاكم في مجال وزارة التّربية أو الثّقافة وغيرهما في تسلّم أي منصب أو سواه ، وبعضهم خصّ حزبه فقط بالمواطنة ونفاها عن غيره ، وكلّ هذا يتنافى مع ما جاء في المنطلقات النّظريّة والقوانين الخاصة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وما جاء في مواد الدّستور وخصوصاً المادة الثّامنة التي تمّ تعديلها وتضمّنت الإشارة للتّعدّدية السّياسيّة والمادة السّابعة وغيرها من القانون الأساسيّ للعاملين في الدّولة لعام 2004م ، ومن المعلوم أنّ القوانين السّوريّة وقرارات حزب البعث تشير إلى الكفاءة والشّهادة العلميّة والنّزاهة في التّكليف ، ولا تشير إلى أيّ انتماء حزبيّ محصور لجهة حزبيّة معيّنة أيّ حزب ، وسؤالنا : هل هذا من صلب المواطنة والتّعدّدية السّياسيّة واستراتيجيّاتها أو يتماشى مع سياسة الإقصاء وإلغاء الآخر ؟ .

وبالتّالي فإنّ تخصيص الوزارات بحزب معيّن يتعارض مع مفهوم المواطنة والتّعدّدية السّياسيّة ، وبصورة عامة تعمل مختلف الأحزاب السّياسيّة المرخّصة في ضوء قانون الأحزاب لخدمة سورية ومواطنيها ويتجلّى ذلك في النّاحية السّياسيّة ، وهي تسعى للعمل وفق مبدأ التّشاركيّة والتّعدّديّة السّياسيّة ، إنّ من يحمل فكراً يقصي فيه غيره يؤدّي إلى تقسيم سورية ، لأنّ سورية لكلّ السّوريين ، وهذا ما أكّده السّيّد الرّئيس في قوله :

" الوطن لجميع أبنائه الذي ينتمون إليه بصدق " ، ودعا إلى ضرورة المشاركة بما يعزّز التّعاون والانسجام ، لأنّ تلك النّظرة الحزبيّة التي تؤسّس للون واحد دون سواه لا تنسجم وتطلّعات السّيّد الرّئيس لأنّها تحمل فكراً تقسيميّاً هدّاماً علينا محاربته ومحاربة كلّ من يدعو إليه ، واستناداً لذلك قال السّيّد الرّئيس :

" توسيع الحوار بين مختلف أطياف المجتمع حول التّحدّيّات التي تواجهه يخلق التّعاون ويعزّز الانسجام بين مختلف مكوّنات هذا المجتمع ، فإذاً نحن نتحدّث عن الشّراكة بين الجميع في الدّولة وفي المجتمع ، وهذه الشّراكة هي التّعبير الحقيقيّ عن واحد من أهمّ أوجه الممارسة الدّيمقراطيّة ، وهي أداة ترتقي بالفكر الدّيمقراطيّ الذي لا يمكن أن يُبنى إلّا على الحوار الشّامل والمستمرّ والمستند إلى المؤسّسات " .

فمؤسّسات الدّولة يبنيها الحوار لا التّناحر ، وتؤسّسها الوحدة الوطنيّة لا الوحدة الحزبيّة أو التّطلّع بلون واحد لتشكيل بنية واحدة همّها الظّاهريّ بناء وطن ، ولكن أين بناء الوطن إذا كان ذلك الوطن مقسّماً سياسيّاً تحت ذريعة وحدة الوطن ، والوطن من وجهة نظر السّيّد الرّئيس لا يحمل فكراً تقسيميّاً تخريبيّاً هدّاماً بل يحمل رؤى واحدة هدفها بناء وحدة سورية أرضاً وشعباً ، وليس تمزيقها وتقطيعها تَبَعاً لنوازع طائفيّة أو سياسيّة أو عرقيّة _ كما يسعى كثيرون لذلك _ وهذا ما تحاربه الأحزاب الوطنيّة ومختلف شرائح المجتمع السّوريّ .. ولذا كان الحوار هو المشروع الأساسيّ الذي على سورية أن تعمل له دون إقصاء أو تأطير عملها بشكل واحد واتّجاه واحد ضمن اتّجاه التّشاركيّة والتّنوّع ، لأنّ الوطن يبنيه كلّ أبنائه رغم التّحديّات التي تعصف بالوطن ، ولذا جاء قول السّيّد الرّئيس :

" الوطن اليوم بحاجة إلى كلّ أبنائه ، لأنّ التّحدّيات أمامنا كبيرة ، وفي مقدّمتها إعادة إصلاح النّفوس المريضة ، وتطهيرها من الحقد والجهل وزرع القيم والأخلاق فيها ، تنقيتها من شوائب الانهزاميّة وتشريبها بالمفاهيم الوطنيّة ، كلّ ذلك بحاجة إلى حوار وطني شامل والأهمّ ناضج " ، وقد أشرت لما سبق في مقالات عديدة منشورة ، منها : " الوطن في عيون السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد " بتاريخ 14/3/2019 ، وبحث بعنوان : " ماذا يأمل الشّعب العربيّ السّوريّ من السّيّد الرّئيس بعد أداء القسم "، منشور عبر سلسلة بتاريخ 3/7/2021 م .

وإذا أرادت سورية أن تعيد بناء ذاتها حقّاً فعليها أن تعمل هي ذاتها من أجل تضافر الجهود بين مختلف أبنائها وليس الإقصاء لأحد على خلفية الاقتصار على فئة حزبيّة محدّدة ذات اللون الواحد والطّابع الواحد لتغدو وفق مبدأ التّشاركيّة بعيداً عن الإقصاء لأحد في مختلف المجالات السّياسيّة والاقتصاديّة والتّربويّة والخدميّة وتغيير كثير من قوانين الدّولة لتتماشى مع الواقع السّياسيّ الجديد لسورية ، ولا بدّ من إعادة بناء الإنسان من النّاحية الأخلاقيّة ، ووضع خطط استراتيجيّة تؤدّي لبناء المجتمع ، وأن تعيد للمجتمع تماسكه ووحدته بعيداً عن حالات التّنافر التي أضحت سمة مميّزة له في ظلّ الأزمة ، ولابدّ من إعادة هيكلة الدّولة من جديد ، ولا بدّ من تطوير الأهداف التّعليميّة والتّربويّة لتكون منسجمة مع الواقع الرّاهن بحيث تغطّي الجوانب السّياسيّة الرّاهنة والتّعريف بالمفاهيم والمصطلحات التي باتت منتشرة ومطروقة أيضاً في الشّارع السّوريّ والمنطقة عموماً كالقتل والإرهاب الذي بات سمة أساسية في الشّارع السّوريّ ولم يكن يألفه شارعنا والتّربية تنهج نحو الخراب وتؤسّس له ، وكثيرون يخرّبون باسم الوطن وحمى الله جيشنا من دنسهم وسؤالنا الٱن :

أين حساب مخرّبي العقول والنّهج الفكريّ والتّربويّ والعقائديّ لأبنائنا في سورية ؟.

بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : نبيل أحمد صافية

وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية

المصدر: موقع إضاءات الإخباري