كتب محمد النوباني,,
القرار الذي اصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الاربعاء بإلزام الدول الاوروبية بشراء النفط والغاز الروسي بالروبل بدل الدولار واليورو يعني تلقائياً واحد من امرين إما رفض البلدان الاوروبية لهذا الإجراء الروسي والعودة إلى إستخدام الحطب او القبول بالتعامل العملة الروسية التي سترتفع قيمتها وستصبح عملة، عالمية، سيتهافت الزبائن على شرائها باليورو والدولار لتسديد ما عليهم من إلتزامات لروسيا وهذا السيناريو الأرجح.
وهذا يعني أن بوتين تمكن بذكائه وحنكتة من الإلتفاف على العقوبات الذي فرضتها واشنطن وحليفاتها الغربيات على روسيا بعد العملية العسكرية الروسية في آوكرانيا وإفراغها من مضمونها ووجه في ذات الوقت ضربة عنيفة للدولار الامريكي الذي تقوم الولايات المتحدة الامريكية من خلاله وبواسطته بأكبر عملية سرقة ونهب مقننة لدول العالم عرفها التاريخ.
بكلمات أكثر وضوحا فإن ما فعله بوتين هو بداية النهاية لعصر الدولار الذي أصبح التعامل به عبئاَ يثقل كاهل الشعوب والحكومات ويغرقهما بالازمات.
ولكي أوضح هذا الأمر فقد كانت واشنطن ملتزمة امام دول العالم بموجب آتفاقية "برتون وودز" الموقعة عام ١٩٤٤ بأنها تمتلك غطاء من الذهب يوازي ما تطبعه وتطرحه من دولارات (اي ان كل من يسلمها ٣٥ دولاراً تسلمه وقية من الذهب "اونصة"). فتهافتت البنوك المركزية في العالم على شراء الدولار وإعتماده في المعاملات التجارية على أمل أن تستبدله ذات يوم بالذهب.
ولكنها ما لبثت أن إكتشفت تحديداً عندما ألغى الرئيس الامريكي الأسبق ريتشارد نيكسون تلك الاتفاقية من جانب واحد في آب أغسطس عام ١٩٧١ انها تعرضت لاكبر عملية نصب واحتيال في التاريخ.
ولكنها لم تكن قادرة على التمرد على هيمنة الدولار لسببين:
الأول لأنها كانت تمتلك في بنوكها المركزية كميات ضخمة من الدولارات كانت ستخسرها كلها في حال لم تقبل بالأمر الواقع.
والثاني:لأن أمريكا استطاعت بعد حرب اكتوبر العربية الاسرائيلية عام ١٩٧٣ وخيانة المقبور أنور السادات لمبادئ ثورة ٢٣ يوليو السيطرة على النفط العربي انتاجاً وتسويقاً وتسعيرا مما مكنها بواسطة النظم الرجعية في الخليج من إعادة الإعتبار للدولار الذي أصبح عملة البيع الرئيسية لهذه المادة الاستراتيجية.
ومنذ ذلك اليوم وحتى قرار بوتين الأخير بيع النفط والغاز لآوروبا بالروبل الروسي والولايات المتحدة الامريكية تقوم بطباعة أوراقها النقدية من مختلف الفئات، دولار ،خمسة دولارات،عشرة دولارات، خمسون دولاراً، مائة دولار، والتي لا تكلفها سوى قيمة الطباعة الزهيدة التي لا تزيد بضعة سينتات وفرضها على شعوب العالم بعشرات اضعاف قيمتها الحقيقية من دون أي غطاء ذهبي او خلافه.
وفي الختام فلكل شيئ بداية ونهاية ولو دامت لغير الامريكان لما وصلت إليهم.