حوار مع الكاتب السوري الأستاذ امجد اسماعيل الآغا
أجرى الحوار : حسين المير
إشراف : الأستاذة ربى يوسف شاهين
موقع إضاءات .. بيروت
حول كل تطورات ومستجدات المنطقة
من الأزمة السورية والرد الإيراني على الكيان الصهيوني في اربيل العراقية والحرب الروسية الاوكرانية .
يسعدنا ويسرنا أن نلتقي مع الكاتب الأستاذ
أمجد إسماعيل الآغا في موقع إضاءات .. بيروت
بعد الترحيب بكم أستاذ امجد سؤالي الأول لحضرتك
تتعامل الدول المعادية لبعضها وفق إستراتيجيات خاصة وأهمها إعلان العداء وفقاً لوقائع على الأرض ومنها الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تختلف فيها
الصفة حيث أن من تقابلها العداء ليست بدولة بل هي
" كيان صهيوني " فرض على أرض عربية اسمها فلسطين .
في ١٢ / ٣ / ٢٠٢٢ أعلن الحرس الثوري الإيراني مسؤوليته عن الهجوم الصاروخي الذي إستهداف قاعدة للموساد الإسرائيلي في اربيل عاصمة إقليم كردستان العراق .
برأيكم لماذا تم هذا الاستهداف على الأراضي العراقية وفي كردستان العراق وفي هذا التوقيت؟ ما الرسالة التي يوجهها الحرس الثوري الإيراني لإسرائيل وأمريكا؟
اجاب الأستاذ امجد ..
روايات كثيرة واكبت الاستهداف الإيراني لِما أسموه مركز تابع للموساد في كردستان العراق، وبصرف النظر عن حقيقة هذه الروايات ومصداقيتها، وبعيداً عن التدقيق في الرواية الإيرانية، وكذا الروايات المناقضة لها، إلا أن مقاربة طبيعة ونمطية الصراع الإيراني الإسرائيلي وضمنًا الأمريكي، تحكمها محددات جيو استراتيجية، بمعنى أن إيران باتت قوة إقليمية ولها تأثير واضح في مجمل ملفات المنطقة، يقابل هذا الأمر، هواجس إسرائيلية ترتبط بشكل مباشر بالنفوذ الإقليمي لإيران، وضمن ذلك، فان الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وإيران، بات مُنجزاً وواقعياً، لكن ثمة هواجس بين الطرفين تمنع إظهار الاتفاق وإخراجه بالصيغة النهائية، وهذا شرحه يطول.
ما يمكن قوله أن الاستهداف الإيراني وتوقيته، يُظهر بشكل أو بأخر حجم التحديات والإشكاليات التي تغلف ملفات المنطقة، إذ لا يمكن النظر لهذا الاستهداف من زاوية الرد الإيراني على الاستهداف الإسرائيلي لمراكز تابعة لإيران في سوريا وحسب، وإنما ضمن زاوية أوسع، يمكن القول بأن هذا الاستهداف يأتي في إطار الرسائل المتبادلة بين إيران ومحورها من جهة، وبين الولايات المتحدة وحلفاؤها من جهة ثانية، وبين هذا وذاك، ثمة معادلات تُهندس واصطفافات تُرتب، للوصول إلى الشكل النهائي إن صح التعبير للمعادلات الجديدة في المنطقة، والتي ستكون بوابة إما لحالة طويلة من الاستقرار، وإما للمزيد من التوترات والتحديات.
استاذ امجد سؤالي لكم ..
برأيكم هل ما تم طرحه من قبل القيادة الروسية عن أهمية هذا التحرك لوقف ما اسماه الرئيس بوتين بالمجموعات. النازية وتحقيق الضمانات الأمنية لروسيا مع دونباس يستدعي كل هذا الحشد الدولي من قبل الناتو سياسيا وماليا وعسكريا ؟ ومع تزايد حدة التصريحات المتبادلة بين روسيا وأمريكا هل هناك مؤشرات تدل على ان هذه العملية لن تتطور لتصبح حربا عالمية ثالثة خاصة مع انعكاساتها التي بدأت تظهر بدءا من أوكرانيا ومحيطها وانتهاء بالمنطقة ككل؟
أجاب الأستاذ امجد ..
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتخذ مساراً واضحاً لجهة تبنيه خيار الحرب ضد أوكرانيا، الأمر الذي يُمكن وضعه، في إطار تحدٍّ واضح للإرادات الأمريكية والغربية، والذين بدورهم يحاولون تأطير الخيارات الروسية، عبر التلويح بالعقوبات، لزيادة تكلفة أي مغامرة عسكرية، على غرار ما حدث في جورجيا والقرم.
فلاديمير بوتين، وضع الخيار العسكري في قائمة أولوياته، ليس لأن الخيارات الدبلوماسية استُنفذت، وفشلت في تحقيق المصالح الروسية، ليلجأ إلى القوه بهدف انتزاع ما يريد، لكن يبدو أن بوتين دُفع إلى خيار الحرب من قبل الغرب، الذي أغلق باب التسويات مبكراً مع موسكو، وفي ذات الإطار، يُمكن القول بأن الروس والغرب دُفعا معاً بهذا الاتجاه، بعدما رفعا سقف شروطهما. فبالنسبة لموسكو أصبح قرار الحرب أقل ضرراً من قرار التراجع، وأما الغرب فباتت المواجهة أقل ضرراً من تلبية مطالب موسكو غير الواقعية، بحسب توصيفات الساسة الأوربيين.
في ذات السياق، فإنه من المبكر القول، بأن بوتين وقع في المصيدة الأوكرانية، وإن كان قرار الحرب تنطوي في بعض جزئياته بوادر تسرع روسي، لكن في العمق، ومن زاوية الخطوات الاستباقية، فقد شكل قرار الحرب في الجوهر والمضمون، تعطيلاً غربياً أمريكياً للضغوط تجاه موسكو، الأمر الذي سيُعطى بوتين مزيداً من الوقت، من أجل فرض تغيير كبير في الوقائع الميدانية، وربطها بما يريده سياسياً، ولكن بالرغم من غياب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو، لا يبدو بوتين المندفع عسكرياً قادراً على استغلال فرصته وحسم المعركة مبكراً.
في جانب أخر، فان طبيعة العلاقة الروسية الأمريكية لا يمكن أن تصل إلى سياق يُفضي إلى حرب مباشرة بين الطرفين، خاصة أن موسكو وواشنطن تدركان بأن أي تصادم بمعناه العسكري ستكون نتائجه كارثية ليس عليهما فحسب، بل أن هذه النتائج ستطال حلفاء الدولتين، فضلاً عن النتائج التي ستؤطر الجانب الاقتصادي، وبالتالي وضمن نظرة منطقية وواقعية، فان الطرفين يحاولان وضع سيناريوهات تُقرب وجهات النظر، وهنا يمكن القول بان التنسيق الروسي الأمريكي في أفضل حالاته، على الرغم من رفع سقف التصريحات والتصريحات المضادة، وعلى الرغم من فرض العقوبات الأمريكية على روسيا، لكن في العمق، فإن العلاقة بين موسكو وواشنطن تحكمها محددات إستراتيجية.
أستاذ أمجد سؤالي لحضرتك ..
برأيكم إلى متى ستستمر عرقلة الحل السياسي للحرب الإرهابية على سوريا؟ وهل سيتم العمل على إقصاء روسيا من الملف السوري عبر حرمانها من مجلس الأمن بسبب عمليتها في أوكرانيا؟
أجاب الأستاذ امجد ..
إشكاليات وتحديات وتناقضات يصعب فهمها تلك المتعلقة بمسار الحل السياسي في سوريا، إذّ أنّ كل الأطراف الفاعلة والمؤثرة في سوريا تتحدث عن ضرورة استمرار الحرب ضد الإرهاب دون تحديد معالمه، وفي ذات التوقيت الجميع يتحدث ويدعوا إلى ضرورة الحفاظ على السلام، منع تقسيم الجغرافية السورية.
هذا الأمر، يعكس الاستعصاء الحاصل في مسار العملية السياسية في سوريا، والتي تقودها القوى الإقليمية والدولية وإشراف الأمم المتحدة، لكن في عمق هذا المشهد فإن الوقائع تؤكد عدم نضوج الظروف للوصول إلى حل سياسي للأزمة.
ويبدو جليًا أنّ كل الأطراف الفاعلة تنتظر معرفة توجُّهات إدارة بايدن الحقيقية تُجاه سوريا، وبذات الإطار فإن أغلب الفاعلين يحاولون التمسُّك بمكتسباتهم، وبات من الواضح أنّ المقاربات القديمة للحل قد استُنفِدت ولم تعد صالحة.
في جانب موازٍ، وبذات إطار البحث عن حلول سياسية، فإن مسار عمل اللجنة الدستورية بات شائكًا، الأمر الذي عبَّر عنه المبعوث الأممي غير بيدرسون عن عدم إمكانية الاستمرار بعمل اللجنة الدستورية وفق الطريقة التي تدار بها الآن.
وهذا ما يفتح الباب أمام جملة من الاحتمالات: الأول البحث عن بدائل جديدة من منطلق أن اللجنة الدستورية قد استنفدت إمكانية الوصول إلى حل للأزمة السورية؛ والثاني، انسحاب ما يُسمى المعارضة من اللجنة الدستورية أو تجميد مشاركتها فيها؛ والثالث أن يتم إعادة النظر في تركيبة المعارضة باللجنة الدستورية، وهو تحرُّك قائم وتشجعه روسيا.
استاذ امجد سؤالي التالي لكم ..
منذ فترة والجميع يلاحظ توجه سعودي إماراتي باتجاه روسيا والصين والسعودية وجهت دعوة للرئيس الصيني لزيارة المملكة العربية السعودية
هل ترون التوجه السعودي الإماراتي باتجاه الصين موقف جديد أم أنها مناكفة بسبب مواقف بايدن من السعودية .؟؟.
أجاب الأستاذ امجد ..
بداية يمكن القول بأن السعودية وضمناً الإمارات تُعيدان تعريف علاقتهما مع الغرب، وذلك بالانفتاح على الصين، وبينما توجه الولايات المتحدة تركيزها من الشرق الأوسط إلى منطقة المحيطين الهادئ والهندي، مما يمهد لعودة صراع القوى العظمى إلى الواجهة، تبدو السعودية في المقابل أكثر إصراراً على تعزيز علاقاتها المتنوعة بالفعل حتى قبل الانكفاء الأميركي عن المنطقة.
على سبيل المثال، تكشفت في السنوات الماضية مساع سعودية جادة للارتقاء بالعلاقة مع الصين، حتى تشمل ما هو أبعد من التعاون الاقتصادي، فبدأت جامعات ومدارس سعودية إدخال تعليم اللغة الصينية، وشرعت الرياض في تشييد منشأة نووية سلمية لاستخراج اليورانيوم بمساعدة الصين، وأخيراً تناقلت وسائل إعلام أميركية تقارير حول عكوف السعودية على تطوير برنامجها الخاص للصواريخ الباليستية بمساعدة صينية أيضاً، دون أن تعترف الدولتان بذلك.
في العمق، فإن مجمل السياسات الغربية والأمريكية تُجاه المنطقة عموماً، تُشكل حافزاً إضافياً للسعودية والإمارات، للمضي قُدماً في علاقتهما مع الشرق لاسيما الصين، ويبدو واضحاً، أن العلاقات السعودية الإماراتية مع الولايات المتحدة، تمر بفتور كبير، جراء رفض السعودية زيادة إنتاج النفط، لضبط أسواق النفط الخام، والتي تشهد إرتفاعاً كبيراً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتحاول إدارة الرئيس جو بايدن الضغط تحديداً على السعودية من خلال إثارة بعض القضايا الخلافية ذات الصبغة الحقوقية، مع الدفع بحلفائها من الغرب على غرار بريطانيا إلى التحرك وإقناع الرياض بتغيير موقفها، بيد أنه من غير المرجح أن تنجح في ذلك، والأقرب أن هذه السياسة ستكون لها ارتدادات عكسية.
العملاق الآسيوي الصين سيكون المستفيد الأول من الأخطاء الغربية المتراكمة، ولاسيما الأخطاء الأميركية الناجمة عن قلة فهم للديناميكية المتغيرة للبيئة الخليجية، حيث لا تزال الولايات المتحدة تنتهج نفس الأسلوب القديم القائم على الضغط والذي لا يخلو من استعلاء.
استاذ امجد سؤالي الأخير لحضرتك ..
من خلال سماعنا لبعض التصريحات عن تعويل أمريكي على إنكفاء روسي في سورية سببه الحرب الروسية الاوكرانية .
هل ترون إستمرارية للتفاهمات الروسية التركية في إدلب السورية وخصوصاً بعد السعي الأمريكي لتعطيل هذا التفاهم .
وما قراءتكم حول ذلك .؟؟ .
أجاب الأستاذ امجد ..
يبدو واضحاً أن سوريا الموقع والدور الإقليمي المؤثر والفاعل، شكّلت مدخلاً لرسم مشاهد الشرق الأوسط وخطوطه العريضة، حتى أن سوريا باتت ساحة لتنفيس حالات الاحتقان الإقليمي والدولي عبر الوكلاء، وهذا ما يُهدد حقيقةً إمكانية التوصل إلى حل بشأن الحرب على سوريا.
أن الحالة السورية بوصفها السياق الرئيس في بناء المعادلات الإقليمية والدولية، قد باتت ناظمة ووفق الموقع الجيو-استراتيجي لسورية، لكافة حالات الصراع والتنافس على المستوين الإقليمي والدولي، وبالتالي فإن الصراع والتنافس على سورية باعتبارها عاملًا مرجّحًا في توازنات المنطقة، سيكون له الأثر الحاسم في تحديد مآل الأزمات الشرق أوسطية، والمسارات التي يمكن أن تسلكها مستقبلًا.
من هنا. لا يمكن الإنكار بأن العلاقات الثنائية الروسية الأمريكية وكذا الروسية التركية تسعى في مضامينها للابتعاد عن المواجهة العسكرية ضمن أي بقعة جغرافية في سوريا، مع بقاء الحماس السياسي بين الطرفان في مستويات تنافسية. وعليه لا يمكن التنبؤ بمسار المرحلة الحالية، ولا يمكن اكتشاف أي سيناريو في ظل فوضوية التوجهات الأمريكية والتركية في المنطقة.
في هذا الإطار. لم تعد الحرب على سوريا وإرهاصاتها بوابة لتوازنات اقليمية ودولية جديدة فحسب، بل ساهمت تداعيات الحرب على سوريا، برسم منحى جيوسياسي ناظماً للإصطفافات والتحالفات الوليدة في المنطقة، فقد باتت موازين القوى هي العامل الحاسم في تقوية بنية التحالفات، وتوجيه السياسات الخارجية. وبالتالي فإن جوهر الصراع بين روسيا والولايات المتحدة بوصفهما قطبان يوازي كل منهما الأخر سياسياً وعسكرياً، وحتى على مستوى التشبيك الاقتصادي، يقوم على تحديد مناطق النفوذ، ورسم المسارات الجيوستراتيجية المُنظمة لحدود العلاقات والتفاعل السياسي والعسكري فيما بينهم.
يُفهم مما سبق، أن التفاهمات الروسية التركية ومثلها الروسية الأمريكية حيال سوريا، دخلت في نفق اللا سلم واللا حرب، وهذا يبدو واضحاً حيال حالة الجمود في الملف السوري وعموم شمال شرق سوريا، وبالتالي يمكن القول، بأن الملف السوري بات بعيداً عن توصيفات الحل السياسي بكل عناوينه.
في نهاية هذا الحوار المميز والإجابات الرائعة
جزيل الشكر والتقدير للاستاذ امجد اسماعيل الآغا
والشكر موصول للأستاذ شاكر زلوم
موقع إضاءات .. بيروت