رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية ( 13 )\ نبيل أحمد صافية
مقالات
رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية ( 13 )\ نبيل أحمد صافية
نبيل أحمد صافية
2 نيسان 2022 , 09:58 ص


سنتابع البحث في الجزء الثّالث عشر لنكون مع الفقرة الحادية والعشرين ، وهي تشير لفصل الدّين عن الدّولة ، وأترك الحديث عن الفقرة العشرين لختام البحث في القسم الخاص بالجبهة .

وكنت قد أشرت في بحثي ضمن الفقرة الحادية والعشرين لفصل الدّين عن الدّولة ، وممّا لاشكّ فيه أنّ سورية في دستورها المعتمد منذ عام 2012م قد عملت على الدّعوة إلى الدّولة العلمانيّة ، والابتعاد عن التّسييس الدّينيّ ، وكذا الحال في قانون الأحزاب الذي ينظّم عمل الأحزاب السّياسيّة عام 2011م ، وجاءت المادة الثّامنة من الدّستور في الفقرة الرّابعة لتدعو إلى شروط تأسيس الأحزاب بحيث :

" لا يجوز مباشرة أيّ نشاط سياسيّ أو قيام أحزاب أو تجمّعات سياسيّة على أساس دينيّ أو قَبَلي أو مناطقيّ أو طائفيّ أو مِهْنِيّ .... " .

وبذلك فإنّ الدّولة لا ترخّص لأحزاب دينيّة سياسيّة وفق ما تضمّنته الفقرة ( د ) من المادة الخامسة في قانون الأحزاب رقم مئة الصّادر عام 2011م ، ونصّت الفقرة على ما يلي :

" عدم قيام الحزب على أساس دينيّ أو مذهبيّ أو قبليّ أو مناطقيّ أو على أساس التّمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون ".

ومن المعلوم أيضاً أنّ الأحزاب عادة هي التي تشكّل الحكومات في الدّول بصورة عامة ، وكذا الحال في سورية ، والغريب اللافت أنّ الحكومات السّوريّة التي يشكّلها حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ أسهمت في الوقت نفسه بوجود وزارة أوقاف ضمن الحكومة السّوريّة ، أي قامت على أساس دينيّ ، فكان التّناقض واضحاً في سورية عندما يتمّ تشكيل الحكومات السّوريّة ، وقد تمّ الأمر بالجمع بين أمرين متناقضين : بين أن تمنع الدّولة تشكيل أحزاب تقوم على أسس دينيّة وبين تشكيل الحكومة وهي تتضمّن مرجعيّة دينيّة وفق الأسس الدّينيّة ، وهنا يتبادر السّؤال الآتي :

كيف للدّولة السّوريّة أن تُضمِّن حكومتها وزارة خاصة بالأوقاف ، وهي تعكس توجّهاً دينيّاً ، وفي الوقت نفسه تمنع تشكيل أحزاب تقوم على أسس دينيّة ؟!، وقد دعت تلك الوزارة إلى بناء المساجد وسوى ذلك من دور العبادة ممّا له علاقة بالدّين ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم ، وكذلك الجماعات الإسلاميّة كالقبيسيّات ، وإضافة لذلك كان الإسلام مصدر التّشريع السّوريّ في الفقرة الثّانية من المادة الثّالثة للدّستور ، وكان قانون الأحوال الشّخصيّة الذي ما زال ضمن محور الشّريعة الإسلاميّة ، وكذا الحال في وزارة التّربية وما قدّمته في مناهجها ، وهنا يتبادر السّؤال عن القائمين على تأليف مناهجها وتوجّههم الدّينيّ ، وهذا ما أشرت له في الإعلام السّوريّ عن التّربية وفي مقالات متعدّدة وقدّمته لمقام رئاسة الوزراء والمكتب الخاص بالسّيّد الرّئيس _ كما أشرت إلى ذلك قبلاً في الجزء الثّاني من البحث الحالي _ وانطلاقاً ممّا سبق :

فإنّ الشّعب لا يعارض أن تقوم الدّولة بتنظيم عمل وزاراتها بما يخدم الشّأن العام ومفهوم المواطنة في سورية ، ولكنّ يدعو أن يكون ذلك العمل موافقاً الدّستور ومواده وليكون ما تقوم به الحكومات تطبيقاً لمواده عموماً _ كما أشرت في البحث الحالي _ ودون أن يعطي الفرصة لأيّة وزارة لتتحوّل إلى السّيطرة على مفاصل الدّولة ومؤسّساتها المختلفة ، وهذا ما كان في قانون لتنظيم عمل وزارة الأوقاف الذي أسهم بتدخّلها في مفاصل الدّولة ، وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق نشرته بتاريخ 1/10/2018م ، وهو بعنوان : " رأي في مشروع قانون لتنظيم عمل وزارة الأوقاف في سورية "، وقد بيّنتُ فيه المخالفات التي تضمّنتها مواد المشروع لما ورد في مواد الدّستور المعتمد في سورية ، إضافة إلى أنّ الدّستور خصّ الدّولة في مختلف مؤسّساتها بالإشراف والمراقبة وأن تكفل حرّيّة الإبداع العلميّ والأدبيّ والفنّيّ والثّقافيّ وفق ما جاء في المادة الحادية والثّلاثين من الدّستور ، وليس وزارة الأوقاف ، ولم يشر لوزارة الأوقاف صراحة أو تضميناً ، كما أنّ القانون قد خالف الدّستور أيضاً عندما أشار إلى أنّ أعضاء الفريق الشّبابيّ الدّينيّ و الدّاعيات يأخذون الرّواتب المعفاة من الضّرائب ، وهذا ما يخالف الفقرتين الأولى والثّانية من المادة الثّامنة عشرة من الدّستور ، وكذلك نتساءل عن انتشار الكتب الدّينيّة في المراكز الثّقافيّة ، وهي كتب تحمل طابعاً دينيّاً موجَّهاً أو تحريضيَّاً ، والأمثلة عليها كثيرة جدّاً ، وبالتّالي تؤسّس لتوجّه دينيّ معيّن في الحكومة السّوريّة ، وكنت قبلاً قد تطرّقت بتاريخ 31/12/2017 لذلك في مقال بعنوان : " هل وزيرا الأوقاف والثّقافة سبب فساد الثّقافة "، وإذا كان عمل السّيّدين الوزيرين ينصبّ في التّمايز الثّقافيّ والمعرفيّ والفكريّ وبناء فكر دينيّ بعيد عن التّطرّف وزرع ثقافة بعيدة عن إثارة النّزاعات السّياسيّة ، فكيف اقتحمت كتب تحريضيّة وطائفيّة مكتبة الأسد ومعرض الكتاب العربيّ لتتصدّر دور النّشر وتأخذ مكانها من صور السّيّدين الوزيرين عندما تمّ التقاط صور لهما أمام دار بيسان اللبنانيّة بجوار تلك الكتب ؟!، ونتساءل أيضاً :

لماذا لم تتضمّن تلك المراكز كتباً تنمّي القدرات الإبداعيّة والتّفكير الابتكاريّ والمهاريّ والتّعليميّ والثّقافي المميّز تنفيذاً للمادة الحادية والثّلاثين من الدّستور ؟!، ولربّما لم يلمح السّيّدان الوزيران عناوين الكتب التي تصوّرا أمامها ، وذكرت في المقال السّابق ما يلي :

" لوحظ عندها أنّ عدداً من الكتب التي كانت موجودة في تلك الدّار تثير نوازع طائفيّة أو نزاعات سياسيّة عرقيّة ، أذكر منها على سبيل المثال : ( الأكراد من العشيرة إلى الدّولة ) للمؤلّف موسى مخول ، وكتاب ( العلويّون من الوجود في التّاريخ إلى التّاريخ مع مدخل إلى التّعريف بالإسلام والفرق الإسلاميّة ) للمؤلّف السّابق نفسه ، فكيف اقتحمت تلك الكتب مكتبة الأسد والمعرض لتتصدّر دور النّشر وتأخذ مكانها من صور السّيّدين الوزيرين ؟! " ، وقد تضمّن المعرض أيضاً كتباً أخرى جعلت من شعراء المقاومة إرهابيين ، فكيف تمّ ذلك ؟!، وهذا ما سألته للسّيّد وزير الثّقافة قبلاً ..

ولنتذكّر هنا اللقاء الذي جرى للسّيّد الرّئيس بشّار الأسد بالسّادة علماء الإسلام والدّعاة الذي تمّ بتاريخ 23/4/2014م ، فقد كان مختلفاً عمّا سبقه من لقاءات بما تضمّنه من تميّز في الطّرح ، فقد قدّم السّيّد الرّئيس بشّار الأسد في كلمته أمام السّادة علماء الإسلام والدّعاة خطاباً متميّزاً بل وربّما فريداً من نوعه ، ذلك أنّه تناول قضايا دينيّة متعدّدة أثّرت في نشوء الأزمة بأشكال مختلفة ، وكان لها تداعياتها على المستوى الشّعبيّ والاجتماعيّ بصورة عامّة ، فمنذ بداية الأزمة عمل السّيّد الرّئيس على الإشارة إلى المسألة الدّينيّة ودورها في الأزمة من حيث العوامل القريبة والبعيدة التي أدّت إلى حدوثها ، لكنّ تلك الكلمة قد وضعت أسساً شفّافة واستراتيجيّات مهمّة للمرحلة القادمة إن كان على المستوى السّوريّ أو العربيّ والإسلاميّ عموماً ، ذلك أنّ السّيّد الرّئيس كان ينادي بالوسطيّة والاعتدال ومحاربة الطّائفيّة ودعا إلى استعمال العقل في الحوار ، وأكّد أنّ الطّائفيّة تشكّل خطراً على المجتمع السّوريّ ، وأنّ الأزمة رسّخت مبدأ الاعتدال الذي عدّه سيادة الرّئيس طريقة تفكير شاملة ، ومن هنا كانت دعوته إلى نشر الإسلام الوسطيّ المعتدل والتّسلّح بالفكر العلميّ و التّحليل ، وقد فرّق سيادته أثناءها بين الإسلام السّياسيّ والسّياسة الإسلاميّة ودعا السّيّد الرّئيس في كلمته للرّبط بين العروبة والإسلام ، حتّى لا نقع في أزمة أخرى أشمل وهي أزمة صراع الهويّة أو أزمة المواطنة أو أزمة الأخلاق وأزمة انحراف عن الإيمان ، وأشار سيادته إلى بروز فقه الأزمة الذي يواجه فقه الفتنة .

ويحقّ لنا أن نتساءل أخيراً :

هل تريد وزارة الأوقاف في سورية أن تنهج النّهج السّعوديّ في طرائق التّفكير الجمعيّ والجماعيّ لتضع لنا مشروع قانون يساير النّظام السّعوديّ ويطبّق أفكاره كما فعلت وزارة التّربية عندما جعلت إيران دولة احتلال في مناهجها وأبرزت النّوازع الطّائفيّة لإثارتها في المناهج وبناء تفكير ثوريّ جمعيّ لدى أبنائنا الطّلّاب ، وغير ذلك كثير في المناهج العربيّة السّوريّة التي أشرت إليها عبر الإعلام الرّسميّ السّوريّ ووزارة التّربية وما قدّمته للمكتب الخاص بالسّيّد الرّئيس ، ونحن نرفض بناء تفكير أجيالنا إن كان وفق النّهج السّعوديّ أو الإيرانيّ أو أيّ نهج يخالف الدّستور الذي اعتمده الشّعب العربيّ السّوريّ ، وإذا كانت سورية دولة علمانيّة ولا يتدخّل الدّين في السّياسة وفق توجّهها الظّاهريّ ، فيغدو سؤالنا محقّاً :

لماذا توجد وزارة أوقاف في الحكومة السّوريّة ويتعزّز دورها ، وتنفّذ سياسة دينيّة معيّنة ؟!، وهل ستشهد سورية لاحقاً مؤسّسة توازي المؤسّسة الشّرعيّة في المملكة العربيّة السّعوديّة ( الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ) ؟!..

أضع كلّ ما أشرت له بين يدي سيّد الوطن رعاه الله وحماه سيادة الرّئيس الدّكتور بشّار حافظ الأسد رئيس الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ، وفقه الله .

بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : نبيل أحمد صافية

وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية