كتب الأستاذ حليم خاتون: أربعة خطوات ضرورية، لكن غير كافية
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: أربعة خطوات ضرورية، لكن غير كافية
حليم خاتون
14 أيار 2022 , 16:54 م


منذ كنا صغارا ونحن نسمع المثل الذي يقول ما معناه أن تفاحة مهترئة في الصندوق، كافية لإصابة كل صندوق التفاح بالإهتراء.

صندوق السلطة في لبنان بكل أطرافها الرسمية وغير الرسمية، المدنية وغير المدنية، الأهلية وغير الأهلية، الموالية وغير الموالية، المعارضة وغير المعارضة، الشعبية وغير الشعبية ، بما في ذلك كل الجمعيات والفئات...

كل هؤلاء... موجودون داخل صندوق السلطة...

في صندوق السلطة في لبنان قسم لا يستهان به من شعب هذا البلد، تحت صيغة الزبائنية السياسية...

ناهيك عن الأحزاب والحركات والتيارات العلنية والسرية...

في هذا الصندوق، ليس هناك تفاحة مهترئة واحدة فقط...

تفوح رائحة العفن القوية لأن نسبة التعفن تتجاوز اكيد ال ٩٠٪، دون أي ضرورة للتدقيق...

في لبنان... المتهم بالفساد مذنب حتى إثبات العكس...

الكل يتهم الكل...

المضحك أن معظم الفاسدين يدعون العفة...

ربما، وحده وليد جنبلاط من اعترف بجزء ضئيل من جبل الجليد الذي ارتكبه هو وحزبه الاشتراكي جداً في بلدِِ، الرئيس فيه، والوزير والنائب والمدير العام والقاضي ومعظم الشعب هم جميعا لصوص بهذا القدر أو ذاك..

لأنه لا ضرورة لتناول كل الأحزاب الأخرى لمدى ما ارتكبته من موبقات، سواء من الحريرية السياسية أو الأحزاب المسيحية التي كانت لفترة خارج السلطة، دون أن تكون بعيدة عن موائد الفساد والمحاصصة...

لا الوطني الحر، ولا القوات، ولا طبعا الكتائب، بعيدون عن ولائم اللئام تلك...

وحده حزب الله، لا يزال يقف خلف أسوار العفة، مع شكوك كثيرة بدأت تدك هذه الأسوار...

يتحدى حزب الله الجميع بإظهار ولو دليل واحد على عملية فساد واحدة هو مسؤول عنها...

بالفعل، كل ما استطاع الناس إيجاده لم يكن أكثر من تحالفات سيئة الذكر، أو حماية لنظام عفن من السقوط...

حزب الله لا يعتبر هذا الذنب العظيم ذنباً، بل ضرورة لا بد منها...

حزب الله له من المبررات ما يمكن قبوله، وما لا يمكن قبوله...

محاولة تبرئة أو تجريم الحزب دون توقف صارت تبعث على الملل...

وحده التاريخ سوف يحكم يوماً..

أمس، ظهر السيد يحمل أربعة مشاريع، هي بالتأكيد ضرورية للبلد... لكن...

لا تملك هذه المشاريع صفة الأولوية، ولا صفة الكفاية...

أربعة مشاريع مهمة لبناء اقتصاد... ربما...

لكن لبنان يحتاج اليوم إلى أكثر من هذا بكثير...

مداواة مريض السرطان بحبات الأسبرين لم ولا ولن تنفع...

لا ضرورة لحزب الله أن يثبت أنه الحزب الاقوى شعبيا وجماهيريا...

حشد الناس يكون ضروريا يوم يقرر الحزب الانتقال الى جوهر المشكلة وليس الاكتفاء بالقشور...

لكي لا يستمر الكلام بالعموميات،

واستناداً إلى تجارب تاريخية عاصرها لبنان في المئة سنة الأخيرة...

يمكن القول إن لبنان يحتاج إلى

عملية جراحية معقدة جدا يجب أن تبدأ بمعالجة ورم سرطاني متقدم جداً، جدا..

ما طرحه السيد نصرالله أمس هو عملية لإزالة المياه الزرقاء من عيني مريض السرطان هذا...

أية عملية لأي عضو في جسد المريض، سوف تستدعي انتشارا اسرع للورم السرطاني...

مشكلة لبنان ليست في نفق بالتأكيد...

القطاع الزراعي والصناعة الغذائية مهمان جدان لاقتصاد أي بلد...

لكن قبل هذا وذاك، يجب أن نعمل على أن يكون هناك بلد من أجل هذه الزراعة وتلك الصناعة...

العلاقات مع سورية والتكامل الاقتصادي مع توأم لبنان، يفترض أن يكون لبنان دولة، وكذلك سوريا...

ليس كاتب هذه السطور أكثر ذكاء من قيادة حزب الله ولا هو يعرف ما لا تعرفه هذه القيادة...

في الدورة السابقة للانتخابات، تحدث السيد نصرالله عن محاربة الفساد، قبل أن يقر بالعجز بعد أقل من سنتين فيضيع حزب الله وتضيع الناس في زواريب الدولة العميقة التي لا يجرؤ أحد على المواجهة معها...

نفس الأمر يحصل اليوم...

بعد فترة من الوقت، سوف يضيع الحزب وتضيع الناس في زواريب لعبة تخمينات لا تنتهي...

فيما مضى، رفع السيد نصرالله شعار بناء دولة قوية عادلة...

أكثر ما عدا ذلك هو كلام بكلام...

المطلوب من الحزب ليس جلب بواخر مازوت، ولا بنزين ولا حتى قمح...

قائمة احتياجات الناس كبيرة جداً، واكبر من مجرد عملية إزالة المياه الزرقاء من عيني مريض السرطان...

يا سيد...

المطلوب هو البدء من الأساس...

بناء دولة قوية عادلة...

هل انت مستعد لهذا...؟

إذا كان الأمر بالإيجاب، وهو يجب أن يكون...

فإن وضع المنطقة ووضع لبنان من داخل هذا الإقليم المضطرب، يفرض إقامة دولة مقاومة... واقتصاد مقاوم...

ياسيد انت تعرف هذا...

قيادة حزب الله يجب أن تعرف هذا وإلا تكون غير جديرة بالوجود في قيادة مقاومة هي العمود الفقري لكل مقاومات المنطقة...

بناء دولة قوية عادلة في لبنان غير مسموح به أميركيا وإسرائيليا وتركيا وسعوديا واماراتيا... الخ

يا سيد، واجه شعبك بأن بناء دولة قوية عادلة يعني محاربة الإمبريالية، بل محاربة معظم العالم...

يا سيد، قل الحقيقة لشعبك لأن هذا وحده الكفيل بالانتصار الكبير...

اقرب النماذج التاريخية لبناء الدولة القوية العادلة كان مع مصر الناصرية من الناحية القومية، وإيران الإسلامية من الناحية الدينية...

التجربتان خاضتا أوضاعا بالغة الصعوبة...

أمامنا تجربتان تقولان أن بناء الدولة أكثر صعوبة من التحرير...

في التحرير، تقاتل المقاومة ضد المحتل وعملائه...

في بناء الدولة تقاتل حركات التحرير ضد الإمبريالية والعملاء والدول المجاورة التي لا تسمح لك أن تكون دولة ذات شأن...

في التحرير يكون العملاء بضعة أفراد أو مجموعات أو حتى أحزاب هامشية باعت نفسها للشيطان...

في بناء الدولة، يكون كل الفاسدين وقسم كبير من الشعب المرتبط بهذا الفساد (الزبائنية الحزبية والسلطوية) في المواجهة ضدك...

في لبنان يفوق عدد الفاسدين من السلطة والشعب على حد سواء، نسبة الثلاثة أرباع...

تحقيق النفق إذا تحقق، هو خطوة مستقبلية تتحقق قبل الأوان ويجب أن لا تكون وعدا انتخابيا يصور للناس حلاوة الحياة القادمة فيما الحقيقة هي أن بناء دولة المقاومة واقتصاد المقاومة، هو عذاب سوف نقوم به من أجل الأجيال القادمة...

بعد الحرب العالمية الثانية بنى الشعب الألماني دولة شبه قوية وشبه عادلة...

عشرون عاما مرت قبل أن يبدأ الشعب الألماني الاستفادة مما بناه...

ملايين الألمان ماتوا أثناء عملية البناء هذه...

ربما تذمر البعض...

لكن الشعب الألماني يستطيع الفخر أنه بنى المانيا من تحت الصفر...

عمل الاميركيون والبريطانيون على تدمير كل شيء في ألمانيا...

حرص "اليهود" على أن لا تقوم قائمة لهذا البلد...

لكن وجود الاتحاد السوفياتي، أجبر هذه الأطراف الثلاث على السماح بإعادة البناء في غرب البلاد، فيما عمل السوفيات على الأمر عينه في شرق البلاد... في منافسة إعلامية بين النظام الرأسمالي والآخر الإشتراكي...

لكن الذي كان يبني، كان الشعب الألماني نفسه...

ما سوف نواجهه، هو وضع مشابه... بل هو وضع أكثر صعوبة...

إذا كنت انت لن تبدأ يا سيد مع كل الرصيد الشعبي والجماهير ي الذي تملك، فلن يبدأ أحد في الزمن المنظور...

لذلك الشعار الاكثر جدارة بالرفع هو وجوب بناء دولة قوية عادلة

في غير هذه الحالة، نكون انهزمنا، حتى قبل أن نهزم...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري