لبنان، كالعادة، مقسوم على نفسه...
قسم مع حزب الله "عالعمياني"...
قسم آخر ضد حزب الله حتى لو جاء هذا الحزب بالمعجزات، وقد أتى على الأقل، بمعجزتي التحرير والردع الاستراتيجي...
وقسم قليل جداً بالعدد، كما العقول الجديرة قليل عديدها...
إنها الطائفية... المذهبية...
إنها ثقافة الغنم والقطيع في القسمين الأول والثاني...
في كل الأمور، يختلف هذان القسمان إلى درجة الغثيان...
من يستمع إلى الأبواق التي تمجد الحزب في كل شيء، حتى حين يخطئ هذا الحزب والله وحده من لا يخطئ،... هؤلاء ينفعون القضية في التكتيك، ويلعنون سماء هذه القضية في الاستراتيجيا...
إنهم كما يقرعون طبول حرب التحرير اليوم، سوف يعطون غدا ألف تبرير وتبرير في أعذار هي أقبح من كل التفسيرات الممكنة للردة حين تأتي...
هؤلاء رأينا أمثالهم مع عبد الناصر، مع الأحزاب "التقدمية"...
يكونون اليوم معك، ويصبحون غدا مع الموضة المسبوقة الدفع...
القسم الثاني اسهل في التحديد والتعريف... من اصغر غبي في ١٤ آذار إلى سمير جعجع وسامي الجميل مرورا بالذكاء المفرط عند مي شدياق وفؤاد مخزومي وصالح المشنوق وآخر الأطفال المعجزة، محمد نمر... وغيرهم كثير...
هؤلاء، تلقوا جرعات الغباء مترافقة مع جرعات كره الآخر منذ الطفولة، حتى لو كان هذا الآخر قديسا مطوبا، أو شيخا جليلا...
كما تلقوا جرعات حب المال حبا "جما"...
مع كل موسم، يتلقى هؤلاء جرعات تذكيرية، كي تبقى عقولهم على نفس المستوى من التلف الفكري...
الغباء، بالمناسبة ليس حكرا على ١٤ آذار...
في ٨ آذار من أمثال هؤلاء شتلات لا بأس بها...
كيفما ذهب المرء، يسمع القسم الأول يقسم أغلظ القسم أن السيد لن يسمح باستخراج م٣ واحد من الغاز إلا إذا استخرج لبنان الغاز "عنده!!"
أما القسم الثاني، فهو مع الشيطان... ضد حزب الله...
وبما أن حزب الله يقف اليوم مع الحفاظ على ثروة لبنان، بغض النظر عن الكيفية...
يقف هؤلاء ضد هذه الثروة، ويرجون الولايات المتحدة الأميركية الصديقة!!! للبنان أن تعمل شيئا...
آخر هؤلاء الفطاحل، البطرك الراعي ما غيره...
ولأن هذين القسمين لا يملكان ملكة التفكير والتدبير، يتوجه كاتب هذه الأسطر إلى القسم الثالث المنكوب رغما عنه...
أمس، ذهب الوزير حمية إلى نفق خط سكة الحديد في الناقورة...
وصل الوزير إلى آخر نقطة سمحت له قوات الأمم المتحدة بالوصول إليها...
لم يستطع التقدم مليمترا واحدا باتجاه آخر النفق حيث تقع النقطة ب١، التي تمثل نقطة الحدود بين دولة لبنان الكبير ودولة فلسطين وفقا لاتفاقية ترسيم الحدود بين فرنسا وبريطانيا في سان ريمو سنة ١٩٢٣...
الوزير حمية أعلن أن النفق تابع بالكامل لدولة لبنان الكبير كما نصت الاتفاقية، وهذا يعني تلقائياً أن خط النقطة ٢٩ هي حدود مياه لبنان الإقتصادية...
هذا في البحر، أما في البر، فهذا يعني أن دولة لبنان الكبير قَبِلَ ومنذ ١٩٤٨ بأن تسيطر دولة الكيان الغاصب لفلسطين على أجزاء مهمة من الوطن بحكم القوة والأمر الواقع...
ما قاله الوزير حمية، يعرفه الرؤساء الثلاثة...
لكن الفرق بين الوزير حمية والرؤساء الثلاثة أن الاول حصل على ما يبدو على تفويض من حزب الله للمطالبة بكامل حقوق دولة لبنان الكبير التي نصت عليها اتفاقية سان ريمو؛ بينما لا يريد الرؤساء الثلاثة الاقتراب من وكر الدبابير الأميركي الذي يستطيع تحطيم كل المجد الزائف الذي بنوه على مر السنوات من النهب عبر العقوبات...
أمس، بهذا الإعلان للوزير حمية، ارسل حزب الله رسالة إلى الداخل والخارج معا، بأن الحزب يقف مع الدولة- السلطة، فقط حين تقف هذه السلطة مع الحقوق الكاملة للبنان...
هذا الأمر يعجب القسم الأول دون الابتعاد كثيرا في التحليل...
لكن هذا الأمر لا يعجب القسم الثاني الذي لا يرى في حزب الله سوى عدو للرب الأميركي الذي يعبدون...
يؤمن القسم الأول ان اميركا سوف تتنازل خوفا من حرب يشنها حزب الله...
أهمية هذا القسم أنه سوف يقاتل حتى دون تفكير لاسترجاع هذه الحقوق، رغم كل شيء هذا افضل من لا شيء...
يخاف القسم الثاني أن تخضع اميركا فيصبح حزب الله اكبر مما هو عليه اليوم، وهو اليوم اكبر بكثير من أن يرى حجم الذبابة الذي هم عليه...
أما القسم الثالث، فكل همه هو أن يربح لبنان وتخسر إسرائيل لأن ما بين هذين الكيانين هو تناقض لا ينتهي إلا بانتهاء أحدهما...
يقول البعض أن هناك مفاوضات سرية تجري، مباشرة أو غير مباشرة...لا يهم... المهم انها سرية.
عندما تجري مفاوضات سرية بين طرف عربي واي كان، هذا يعني أن الطرف العربي يقوم بخيانة قضايا الامة... هذا ما عودتنا عليه الأيام السالفة...
لذلك، وحتى لا يبقى مجال للخيانة، إليكم الحقائق كما هي...
هناك أربع نقاط يجري الحديث حولها من أجل الترسيم...
١- النقطة رقم واحد، وهي النقطة التي وضعتها حكومة فؤاد السنيورة السيئة الذكر...
هذه النقطة لا تستند إلى أي منطق تقني في احترام قانون البحار...
يتجنب العميد الياس فرحات وصف فؤاد السنيورة والوفد الذي وضع هذه النقطة بالخيانة، ويفضل صفة الجهل رغم أن ما بين الجهل والجاهلية ألف عيب وعيب...
العميد فرحات حر في الاعتقاد بما يشاء، لكن تاريخ هذا الرجل منذ حركة القوميين العرب إلى المحكمة الدولية الصهيونية إلى دموعه مع كونداليزا رايس في حرب ٢٠٠٦، إلى وضع كل أسس انهيار الاقتصاد اللبناني مرورا ب ٥ أيار مع وليد جنبلاط... كل هذا لا يترك للرجل سوى صفة الخيانة العظمى... ليس من صفة للماء غير وصفه بالماء... كذلك هي الخيانة...
٢- النقطة ٢٣ التي ظهرت منذ البدء في ترسيم بلوكات فلسطين المحتلة من قبل سلطة الاحتلال، قبل أن يعرف الاحتلال أن في لبنان مجموعة من الخونة والاغبياء أعطوا الكيان أكثر بكثير مما يطلب هو...
يجمع الخبراء أن النقطتين واحد و٢٣ لا يملكان أي صفة تحترم قانون البحار في الترسيم البحري...
لسبب لا نزال نجهله، قامت حكومة نجيب ميقاتي أثناء ولاية رجل هواية جمع السيارات، ميشال سليمان، ومع معرفة الرئيس نبيه بري، باخفاء دراسة قامت بها مصلحة التوبوغرافيا في الجيش اللبناني بإشراف مكتب بريطاني مرموق للترسيم البحري؛ أظهرت هذه الدراسة أنه انطلاقاً من اتفاقية سان ريمو لسنة ١٩٢٣، وانطلاقاً من النقطة ب١ على البر، واعتماد الخط الوسطي، تكون حدود لبنان البحرية على النقطة ٢٩...
٣- من خلال عدم معرفة الشعب اللبناني بقضية النقطة ٢٩، ولأن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد الاعتراف بحقوق لبنان البرية التي تستند إلى النقطة ب١ على البر في نهاية نفق سكة الحديد، قام الوسيط الأميركي هوف بالانطلاق من نقطة وهمية في البحر على بعد ثلاثة أميال من شاطئ الناقورة واعطى صخرة غير مأهولة صفة الجزيرة ليصل إلى وضع خط حمل اسمه، أي الخط هوف...
الجدير ذكره هنا أن أي ترسيم لا ينطلق من البر لا صفة قانونية له، وإن محكمة العدل الدولية لا تعترف بالصخور الصغيرة غير المأهولة كجزر، ما يجعل من خط هوف خطا أميركيا يهدف إلى سرقة لبنان واعطاء الكيان ما لا يستحق...
٤- هنا نأتي إلى النقطة المذكورة أعلاه، رقم ٢٩... التي تملك كل الصفة القانونية المطلوبة وكانت حتى الأمس القريب تفتقد فقط إلى القوة التي يمكن أن تفرضها...
مرة أخرى تفتقت العبقرية عند أهل السلطة في لبنان الذين يخافون سيف العقوبات الأميركي فاقترحوا ما اصطلح على تسميته بخط ٢٣+ جيب حقل قانا...
أتفق الرؤساء عون وبري وميقاتي على ما يبدو على هذا الخط العجيب الغريب الذي لا يفوقه عجبا وغرابة إلا نظرية جبران باسيل: قانا مقابل كاريش...
هكذا، وبجرة قلم، قام هؤلاء برمي ١٤٣٠ كلم٢ من المياه الإقليمية مع المنطقة البرية التي رسمتها اتفاقية سان ريمو في حضن العدو الوجودي للبنان...
مرة أخرى، يريد كاتب هذه السطور التذكير بما فعله قيصر روسيا الذي باع آلاسكا للأميركيين قبل حوالي ١٥٠ سنة بسبعة ملايين دولار لسداد ديون الدولة التي تسبب هو بها...
آلاسكا اليوم هي بنك البروتين من الثروة السمكية في أميركا إضافة إلى مناجم الذهب وآبار الغاز والنفط...
ما يريد فعله جهابذة السلطة في لبنان، هو التخلي عن مناطق لا يعرف إلا الله ما يمكن ان تحويه من ثروات، لقاء إذن أميركي غير ملزم بالاستفراد بحقل قانا الذي لا يعرف احد ما يمكن أن يحويه واين تصل حدوده...
كل هم السلطة المذكورة هو الاحتفاظ بما قاموا بنهبه طيلة العقود السابقة وحل الأزمة الاقتصادية من جيب الوطن وجيوب الأجيال القادمة...
هل لهكذا أمر اسم آخر، غير الخيانة...؟
عودة إلى الوزير حمية.
ما فعله الوزير وما قاله أمس، يحمل معنى واحدا لا غير:
إن التهديد الذي أطلقه السيد نصرالله قائم فعلاً، ولا مجال للإلتفاف من حوله...
الموقف الوطني الذي لا لبس فيه هو رفض التخلي عن أي سنتيمتر شمال الخط ٢٩، حتى لو اضطر الأمر إلى قيام الحرب...
يخرج بعض الخونة الذين يتحدثون عن الجوع والانهيار وعدم القدرة على القتال، وكأن هؤلاء أو أمثالهم هم من سوف يقاتل...
الجوع يا سادة وانتم لستم بسادة، هو الدافع لكي يقاتل لبنان من أجل كل حقوقه حتى لا نقع في محظور ما فعله قيصر روسيا كما أسلفنا أعلاه...
الجوع يا كلاب هو ان يقاتل الشعب من أجل حقوقه لا أن يساوم عليها...
بعد الذي قاله السيد نصرالله، لا مجال إلا الذهاب الى الأخير...
أي تراجع من أي كان لا يمكن وضعه إلا في خانة الخيانة...
في العالم يوجد عدة نقاط غاز...
أبرزها في روسيا...
في الشرق الأوسط...
وفي خليج غينيا في إفريقيا...
أميركا والغرب ومعهم اعداء الأمة قد خسروا غاز روسيا...
علينا العمل لمنع غاز الشرق الأوسط من الوصول إليهم وقد ربحنا نصف الحرب في سوريا والعراق وقوة اليمن الكامنة تعد بالكثير...
أما غاز خليج غينيا البعيد فهو ذو كلفة عالية إضافة إلى أن الشعوب الأفريقية لا بد أن تنهض يوما وبوادر هذا النهوض ظهرت في مالي...
تذكروا أن خسارة اميركا والغرب، هي خسارة للكيان الغاصب...
أما الحديث عن ضمانات اميركية برفع اليد عن لبنان، والسماح للشركات بالتنقيب والاستخراج؛ هذا سمك في البحر لا يمكن القبول به... وإذا أراد هذا الغرب تسوية معقولة، فهناك حل واحد يمكن أن يكون مقبولا...
كاريش، يبقى حقلا مشتركا بين لبنان وفلسطين والاستثمار هناك رهن مفاوضات غير مباشرة يدخل فيها الطرف الفلسطيني كصاحب حق في كاريش وفي الحقول الأخرى...
أما السماح باستمرار تدفق الغاز من الآبار الأخرى، فهو مرهون بالشراء المسبق لغاز لبنان ونفطه على أن يبدأ هذا الشراء منذ أيلول المقبل، ويوضع هذا في صندوق مستقل لا سلطة لرياض سلامة أو السلطة الحالية عليه...
هذا البيع المسبق الدفع هو الضمانة الوحيدة أن الاميركيين لن بضغطوا على الشركات لعدم التنقيب والاستخراج طالما أن الدفع جار...
أية ضمانات أخرى لا تنفع ولا تعني شيئا لأن اميركا هي إسرائيل... وإسرائيل هي اميركا...
وكلاب الأولى هم فعلاً كلاب الثانية والعكس صحيح...
يبقى فقط أن يبقى حزب الله على مواقفه الوطنية ويقلع عن المراهنة على أناس لم يجلبوا لهذا الوطن سوى البلاء والقلة...