ماذا لو كانت آلاءُ قدوم دنماركيةً أو يابانيةً\ محمد أبوعريضة
مقالات
ماذا لو كانت آلاءُ قدوم دنماركيةً أو يابانيةً\ محمد أبوعريضة
6 آب 2022 , 18:05 م


وأنا أتفرسُ في وجهِ الطفلةِ آلاء قدوم، التي هرستْ روحَها أمسُ في غزةَ قذائفُ جيشِ الاحتلال "الدفاعي"، يخطرُ على بالي سؤالٌ، صحيحٌ أنه سؤالٌ مكررٌ ممجوج، لكن؛ ينبغي علينا طرحَه والإجابةَ عنه، كلما فقدنا طفلًا جديدًا على مذبحِ معركةِ الحريةِ والتحرير.

السؤالُ هو: ماذا لو كانت آلاء صهيونيةً أو فرنسيةً أو دنماركيةً أو أمريكيةً أو حتى يابانية، وكان قاتلُها عربيًا أو مسلمًا أو من الدولِ "المتخلفة"؟

ماذا سيفعلُ العالمُ "المتحضر"؟

وماذا ستقولُ المنظماتُ الدولية؟

وماذا ستقولُ الصحافة الغربيةُ "المهنية"؟

أنا لا أطرح هذا السؤالَ لأجيبَ عنه، لأن الإجابةَ عنه معروفة، فلو كانت آلاء من العالمِ الغربي أو من اليابان أو من "إسرائيل" أو كوريا الجنوبية، فإن العالمَ بالتأكيد سيقفُ على قدمً واحدةً انتصارًا للطفلةِ "ابنةِ العالمِ المتحضر" المغدورة، ومنظماتُ حقوقِ الإنسانِ وحمايةِ الطفولةِ وكلُ تلكَ الهيئاتِ "الإنسانيةِ" ستتحرك، وتعقدُ المؤتمراتِ والاجتماعات، وقد يعقدُ مجلسُ الأمنِ اجتماعًا طارئًا، وقد يصدرُ قرارًا بمعاقبةِ مرتكبِ هذه الجريمةِ وفقَ البندِ السابعِ من ميثاقِ الأممِ المتحدة، فتتحركُ الجيوش، وتلقي أطنانًا من الذخائر، فيموتُ أطفالٌ آخرون، ولأنهم ليسوا من العالمِ "المتحضر"، فإنهم بلا ديةٍ، لذا تذهبُ دماؤُهم هدرًا.

وهذا ليس غريبًا على العالمِ الغربي "المتحضرِ الإنساني"، وتاريخُه، خاصةً الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وبريطانيا وفرنسا و"إسرائيل"، في الأعمالِ الإنسانيةِ يشهدُ لها القاصي والداني. ولتاكيدِ هذه الحقيقة الدامغة لنتذكرَ أن أوروبا وأمريكا اختطفتْ خلالَ ثلاثةِ قرونٍ ملايينَ الأفارقة، وساقَتهم كالدوابِ إلى العملِ بـ"السخرة" عبيدًا، وأن أمريكا قتلتْ ربعَ مليونِ إنسان، حينما ألقتْ قنبلتيّن ذرييتيّن على هيروشيما وناجازاكي، بعد انتهاءِ الحربِ العالميةِ الثانية، منهم، وفقَ بعضِ التقديرات، أكثر من مئةِ ألفِ طفل، وقتلتْ الملايينَ في فيتنام وكوريا، وأكثرَ من مليون عراقي، ونصفَ مليون أفغاني، حسب بعضِ التقديرات. أما "إسرائيل" فحدث عن الأطفالِ الذين استشهدوا على أيدي الصهاينةِ ولا حرج.

أتساءلُ: لماذا لم يتحرك الغربُ انتصارًا للطفلةِ آلاء؟

الجوابُ بسيطٌ وواضح، لا يحتاج اجتهاداتٍ كبيرة: الغربُ "الاستعماري" يعتبرُ دولَ العالمِ الثالثِ "المتخلفةِ" منذُ القرنِ السابعِ عشر "كنزًا"، أصحابُه غيرُ قادرينَ على إدارتِه، ففي هذه الدولِ الموادُ الأوليةُ اللازمةُ للصناعاتِ الغربية، وهذه الدولُ أسواقٌ "بكرُ" لمنتجاتِ الغربِ "الاستعماري"، إضافةً إلى متغيراتٍ أخرى، كالجغرافيا السياسيةِ للدولِ ذاتِ المواقعِ المهمة، كالوقوعِ على المضائقِ وخطوطِ النقلِ وغيرها من عناصرِ الأهميةِ النسبيةِ للدول، لكن هذه المتغيراتِ ثانويةُ الأثر، بوصفِها ملحقةٌ بالمتغيريّن الرئيسيّن؛ "الموادُ الأوليةُ والأسواق".

إذًا؛ نحن "كنزٌ"، ولأننا "متخلفون"، كما تنظرُ إلينا الدولُ "الاستعمارية"، فإن هذا "الكنزَ" يصبحُ حقًا مكتسبًا لمن يسيطرُ علينا، والنتيجةُ يصبحُ أناسُنا، بمن فيهم أطفالنُا، ملحقينَ بالمتغيريّن "المواد الأولية والأسواق"، ويجري التعامل معهم على هذا الأساس، أي هم جزءٌ من "بنيةِ نهب"، ويمكن هرسَهم تحتَ الأقدامِ إذا حالوا بين "المستعمرِ" وسرقةِ "الكنز".

نحن يا سادتي بالنسبةِ للغربِ "المستعمرِ" مجردُ "بنيةِ نهبٍ" ليس أكثر، وما الشرعيةُ الدوليةُ والأممُ المتحدةُ والقانونُ الدولي والبنكُ وصندوقُ النقدِ الدولييّن وكلُ الهيئاتِ الشبيهةِ ليست سوى أدواتٍ لإعانةِ "المستعمر" على نهبِ "الكنز".

و"نحن" هنا ليس الدولُ العربيةُ الفقيرةُ فحسب، بل "نحن" تشملُ الدولَ العربيةَ الغنية، التي ذهبَ بعضُها لخيارِ التطبيعِ مع "العدو" الصهيوني. والدولُ العربيةُ الغنيةُ هي الأهمُ بالنسبةِ للغربِ "المستعمر"، فهي – السعودية والخليج وليبيا – هي "بنيةُ النهبِ" الحقيقية، لأنها تعومُ على بحارٍ من الموادِ الأولية. لذا فلا يقولنَّ أحدٌ إن إنسانَ "الأغنياءِ" من العربِ مستثنى من المعادلةِ، التي جرى التعامل فيها مع آلاء قدوم. 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري