كتب الأستاذ حليم خاتون: الحكم الرشيد ومحاكم روبيسبير
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: الحكم الرشيد ومحاكم روبيسبير
12 آب 2022 , 22:31 م


هل عرفت الإنسانية الحكم الرشيد فعلاً؟

ما هو تعريف الحكم الرشيد؟

في مقابلته مع نانسي على الجديد يتحدث البروفيسور مرقص عن وجوب وجود حكم صلحة أو إصلاح في لغة مفهومة عامة، ولكن تفتقد إلى الكثير الكثير من الضوابط إلى درجة انعدام الواقعية...

هل كان البروفيسور يقصد الحديث عن الحكم الرشيد؟

حتى إذا وجد الحكم الرشيد هذا، إلى أي حد يمكن أن يستمر في داخل مجتمع من البشر، وماذا يحتاج حتى يستمر؟

خلال ١٤٠٠ سنة من الحكم الإسلامي، يتفق كل المسلمون سنة وشيعة وغيرهم على وصف حقبة واحدة فقط بعهد الخلفاء الراشدين...

من اصل ١٤٠٠ سنة، لم يدم عهد هؤلاء الخلفاء الراشدين أكثر من بضع سنوات...

حتى هؤلاء الذين وصفوا بالراشدين، حصلت في عهدهم اضطرابات، ويمكن القول إن بذرة الفساد واستغلال النفوذ ووضع اليد على بيت المال بدأ مع الخليفة الثالث عثمان بن عفان الذي زرع أقاربه وأزلامه حيث يكثر الخراج؛ وبسبب سياسته هذه انقسمت الأمة الإسلامية منذ ذلك الزمن على ذاتها وصار الملك وراثيا مع شورى صورية تقوم على الزبائنية وعلى حد السيف...

لم تكن المجتمعات النصرانية أفضل حالاً، لا في العصور الوسطى مع حروب النهب والسيطرة على المستعمرات، ولا في العصور التي تدعي الديمقراطية...

في الحقبة الأولى عشنا مذابح البروتستانت والكاثوليك التي لا تزال حية حتى اليوم في بريطانيا وبشكل أكثر حياء في أميركا...

أما في الحقبة الثانية فيكفي القول إن الدول المسؤولة عن فظاعات الاستعمارين القديم والجديد، والحربين العالميتين الاولى والثانية هي دول ترفع رايات الصليب وتقتل باسم السيد المسيح الذي أوصى بالمحبة قانونا بين للبشر...

أما الدين التوحيدي الثالث من حيث التعداد السكاني، اليهودية... فقد أنتج دولة الكيان العنصري الاستيطاني في فلسطين حيث يقوم أحد أكثر النظم شبها بالفكر النازي...

في اسرائيل، تعلمت الضحية أساليب الجلاد وراحت تمارس على الفلسطينيين ما مارسته النازية والفاشية في أوروبا على اجداد يهود هذا الكيان...

عودة إلى البروفيسور مرقص...

كل ما قاله دكتور القانون في وصف القوانين اللبنانية جدير بالتذكير...

لكن لبنان بلد عصي على أية حلول تأتي بالقوانين العادية...

قانون "من اين لك هذا"، موجود منذ السبعينيات من القرن الماضي...

هل يستطيع البروفيسور إعطاءنا ولو مرة واحدة سئل فيها أحد من رجالات السلطة عن مصدر ثرواته الخيالية؟

ماذا عن قانون الإثراء غير المشروع، أو قانون المحاسبة، أو قوانين التلزيم والصناديق التي ذهبت جميعها الى غير ما قامت من أجله...

البروفيسور والسيدة نانسي، لفوا العالم وداروا دون أن يقولوا أن المشكلة الأساسية هي في عدم وجود دولة أصلا، حتى يكون هناك دولة قانون...

كل شيء في لبنان غلط بغلط، على وزن "إبنك يا ثريا حمار، هو ذكي، بس حمار"...

نحن بلد الطوائف... نحن اتحاد مزارع طائفية...

يقول البروفيسور مرقص أن الشعب اللبناني خلاق...

البعض يتحدث عن طائر الفينيق الذي ينتفض دوما من بين الركام لإعادة البناء...

لكن بناء ماذا؟

بناء ما تفضلوا هم أنفسهم بتدميره...

الشعب اللبناني رائد فعلاً...

لكن رائد في ماذا؟

يا رواد الطائفية، " طائي فيي، وطائي فيك"...

البروفيسور مرقص ينتمي إلى الطائفة المسيحية المقسومة هذه الأيام إلى جماعة مع الشيعة، وجماعة مع السنة، وجماعة "مش عارفة ربها اللي خلقها، وين"..

ليس في الامر أية مبالغة...

لكن الأغلبية عند الأطراف الثلاثة تريد أن يحل السُنة والشيعة عن سما ربهم... ورغم الكلام المعسول، تريد هذه الأغلبية التقسيم...

زرعوا في عقول المسيحيين أن السنة نهبوا البلد مع رفيق الحريري وفؤاد السنيورة... والشيعة أخذوا مكان الجيش الذي لا يريد اساسا أن يلعب دوره كما يجب في تحرير الأرض والدفاع عنها...

بعدين السُنة أخذوا كهرباء مدعومة ٢١ على ٢٤ طيلة خمسة عقود من الزمن، والشيعة لا يدفعون ثمن الكهرباء التي لا تأتيهم من الأساس... هذا ما يردده سكان الشرقية والغربية معا...

كما مع عادل إمام الذي يدفع فاتورة التلفون رغم أن لا تلفون عنده...

السنة والشيعة فوضويون، لذلك يجب أن يحتفظ المسيحيون بالضرائب لصرفها على مناطقهم حتى لا يقوم علي حسن خليل وفؤاد السنيورة بنهب هذه الأموال...

هكذا يفكر معظم المسيحيون، حتى تفتقت عبقرية نواب التيار العوني عن اقتراح تقسيم بلدية بيروت مع دعم كامل من القوات والكتائب وبقية الشلة...

الموجود عند المسيحيين، موجود عند السنة...

محمد سلام يحذر من المارد السني الذي سوف يخرج ربما من قنديل علاء الدين...

سلام ليس وحده في هذه التفاصيل التي يبرع فيها كل صعلوك لم تلده أمه...

يكفي هنا محمد نمر، فيلسوف العصر، وقاهر الدروع...

كثيرا ما تفرض الجديد علينا الاستماع الى أمثال نمر...

في النهاية، كيف يمكن غربلة الحمير عن البغال في هذا البلد إذا لم يستمع المرء إلى الجميع...

قليل من الليمون الحامض يساعد ضد الغثيان عند الاستماع مثلا إلى ابن المشنوق غير المعروف إلى أية مدرسة "فكرية!!" ينتمي..

ونأتي إلى الشيعة الذين يبكون ١٤٠٠ سنة من الظلم...

أحيانا يبكون الظلم الذي لحق بعلي، وقد لحق بهذا الرجل المثال، ظلم لا يوصف...

يبكون كل سنة استشهاد الحسين، عشرة أيام، ثم الاربعين، ثم يستعيدون كلمات زينب ليقفوا ضد الظلم...

لا شك بأن هذه الجماعة قد تعرضت فعلاً على مدى التاريخ إلى ظلم لا يرحم...

لكن يزيد ومعاوية وابن العاص وابو سفيان موجودون أيضاً داخل الطائفة الشيعية...

اسمحلونا فيها...

لنراجع معا اسماء الزعماء الشيعة الذين كانوا مع بشارة الخوري، أو مع كميل شمعون...

لكن الالعن من هؤلاء كلهم، زعماء الشيعة الذين أتوا يحملون على الإقطاع الشيعي فإذا هم رأس الإقطاع المعاصر...

يسأل المرء نفسه حين يرى الدكتور علي حسن خليل يقود مسيرات عاشورائية؛ يسأل المرء نفسه إذا ما كان الرجل قد تاب فعلا ولم نعرف بهذه التوبة بعد...

إن الله غفور رحيم، وهو يغفر عن الآثام كلها إلا الشرك به...

يعني الرجل توبته مقبولة حتى لو لم يعد إلى اللبنانيين ما ساهم هو وأمثاله في وضع اليد عليه...

ربما تاب الرجل وتاب بقية النواب والوزراء الشيعة عما اقترفت أيمانهم...

من يعرف؟ ربما؟

نأتي الى الاخوان الدروز...

وليد جنبلاط الذي يلف ويدور حول الأرض أكثر من سرعة دوران الأرض حول نفسها، "بالإذن من مفتي السعودية إذا ما وجد نفسه في الصين، لأنه هو ثابت بينما الأرض تسير إلى مستقر لها... وفقا لآخر نظريات دار الإفتاء في جزيرة العرب!!!"...

المهم، وليد بيك الذي يصر الحاج حسين الخليل على تسمية "البيك" أكثر من ألف مرة في الثانية حتى لا ننسى أن حزب الله يحترم البيك ويقدر له الالتفاتة الأخيرة...

فقد وجد الطرفان أن جوقة التقسيم عند المسيحيين زادت قوتها وهذا في غير مصلحة هذا الكيان المسكين لبنان... على الاقل من وجهة نظرهم...

الدروز، كل يوم تتعطل البوصلة عندهم، وكل يوم تتغير وجهة القطب الاقوى في البلد...

وهم كما مع "المينيون"، (les mignons)، يغيرون وجهة السير حسب موازين القوى...

الشعوب على دين ملوكها...

وشعوب المساطيل في لبنان، على دين ملوك الطوائف...

أما دين هؤلاء الملوك فهو كما الليرة اللبنانية أثناء الحرب الأهلية، "بتقطع من هون ، لهونيك"... لا هوية لها...

ملوك المسيحيين والسنة والشيعة والدروز وبقية القطعان اللبنانية، يدينون بالعملة الخضراء، ويركعون أمام العلم الاخضر الذي يرفرف فوق الرياض، ويسجدون على سجادة من عوكر، وكعبتهم في البيت الأبيض...

يقول المثل الشامي، "إن القط، يحب خناقه"...

هكذا بهائم لبنان من حكام ومن شعوب... يكادون يموتون عشقا لاميركا إلى درجة أن لا يروا أن بايدن عجوز احمق، وسفيرته التي يقول البعض أنها من أصول لبنانية، تشبه العجوز في قصة الأميرة النائمة...

وصل الأمر باللبنانيين، أن يجتمعوا لضابط صهيوني قد يكون شارك في اجتياح لبنان أو في قتل أبنائه لمجرد أن اميركا أمرت بهذا...

صديقي العزيز دكتور مرقص...

لبنان لا يستطيع أن يسجل في التاريخ وجود حكم رشيد لا أمل بوجوده يوما في اتحاد المزارع هذا...

ما نحتاجه فعلا هو أن تطبق السماء على الأرض في هذا البلد...

نستيقظ لنجد روبيسبير العظيم قد عاد من الثورة الفرنسية ومعه المقصلة...

تجتمع حيوانات المزارع كلها في كل الساحات كما في قصة "مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل...

يتم إدخال كل الخنازير ( هذا وصف الكاتب في القصة)؛ يتم إدخالهم أمام محاكم بقية الحيوانات...

يتم تجريدهم من كل أملاكهم... ما نهبوا، وما اقتطعوا... ثم يتفضلون إلى المقصلة لتجز رقابا أينعت، وصار واجب قطافها...

هكذا في كل مزرعة حتى تتحرر مزارع الحيوانات من الخنازير التي عاثت فيها فسادا...

من يعرف...

قد ترأف هذه الحيوانات يوما بالبشر وتسمح لهم الدخول الى عالم الحيوان...

حليم خاتون

المصدر: موقع اضاءات الإخباري