مع الاحتمالات الكبيرة لعودة “الحرب الباردة” في ظل الصراع الغربي بقيادة الولايات المتحدة من جانب، وروسيا من جانب آخر، وما يميز هذه الحرب التي تعتمد بشكل كبير على تجنيد الجواسيس بكافة أشكالهم، نرجع للوراء لنستذكر المحاولات الغريبة التي لجأت إليها المخابرات الأمريكية للتجسس على عدوها اللدود “الاتحاد السوفيتي”.
وخلال فترة الحرب الباردة لجأت المخابرات الأمريكية “CIA”، إلى العديد من الأساليب من أجل جمع المعلومات عن الاتحاد السوفييتي، وجرّبت جميع طرق التجسس؛ مثل أجهزة التنصت والمراقبة، أو تجنيد العملاء والجواسيس، حتى أنها مزجت ذات مرة بين الاثنين، ودمجت أجهزة التنصت والمراقبة داخل جسم الجاسوس.
وفي تقرير نشرته صحيفة “تلغراف” البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001، اعتقدت المخابرات الأمريكية أنّ السوفييت لن يشكوا أبداً في كون القط جاسوساً أمريكياً؛ لذلك يمكن للقط المزود بأجهزة تسجيل أو إرسال صوتي، الاقتراب من الأهداف دون عوائق والتنصت عليهم.
ونقلت الصحيفة عن المساعد الخاص السابق لمدير “CIA” “فيكتور ماركيتي” قوله: إن المشروع كان فاشلاً، وشنيعاً في ذلك الوقت، موضحاً أنهم “شقوا القطة، ووضعوا البطاريات والأسلاك داخلها، لقد ارتكبوا بشاعة”.
وبحسب “ماركيتي” كان على الفريق القائم على المشروع أن يقوم أولاً بتدريب القطة على إتباع الأوامر، وهو أمر صعب للغاية؛ حيث إن القطة كانت تشعر بالملل بسرعة ولا تطيع الأوامر بسهولة، كما أنها كانت تترك مهمتها أثناء التدريب، إما للنوم أو لتناول الطعام متى ما شعرت بالحاجة لذلك.
وكشف أنه بعد شهور من التدريب المضني، واجه عملاء المخابرات الامريكية مشكلة ثانية، وهي طريقة إخفاء أجهزة التجسس حتى لا يتمّ اكتشافها، فكان الحلّ هو زرعها داخل جسم القط الجاسوس بعملية جراحية، وكانت هذه مشكلة جديدة.
وأشار إلى أن أجهزة التجسس في ذلك الوقت، لم تكن كما هي في وقتنا الحالي صغيرة الحجم أو تستخدم رقاقات متناهية الصغر، لافتاً إلى أنه كان على وكالة المخابرات الأمريكية اكتشاف طريقة تزويد القطة، بميكروفون وهوائي وجهاز إرسال وبطارية تزود تلك الأجهزة بالطاقة، وكان يجب ألا تؤثّر تلك الأجهزة داخل جسم القطة، على أي من حركاتها الطبيعية؛ خشيةَ أن تلفت القطة الجاسوس الانتباه إليها.
وأوضح أنه كان يجب الأخذ بالحسبان، ألا تسبّب أجهزة التجسس تلك أيّ تهيّج، يدفع القطة لمحاولة إخراج الجهاز عن طريق فركه أو خدشه أو لعقه، بالإضافة إلى أن المعدات أيضاً تحتاج إلى تحمّل درجة الحرارة الداخلية للقطة والرطوبة وغيرها.
وأكد “ماركيتي” على أنه في النهاية قامت وكالة المخابرات الأمريكية، ببناء جهاز إرسال يبلغ طوله (2 سم) وضعته تحت الجلد وأسفل جمجمة القط، وكان العثور على مكان للميكروفون يستطيع أن يلتقط الصوت بشكل واضح أمراً صعباً في البداية.
وتابع “مراكيتي” أنه وقع الاختيار على قناة الأذن ليوضَع فيها الميكروفون، مشيراً إلى أن الهوائي كان مصنوعاً من سلك ناعم على العمود الفقري وصولاً إلى الذيل.
وأوضح أنّ أكثر ما سبّب المشاكل كانت هي البطاريات؛ نظراً لأنّ حجم القطّ جعله يقتصر على استخدام أصغر البطاريات فقط، وقيّد مقدار الوقت الذي يمكن للقط أن يسجله.
وكشف أنه بعد 5 سنوات من التدريب والتحضير وصناعة الأجهزة وتجربتها وزراعتها داخل القطة، والتأكّد من أنها تعمل بشكل جيد، وصلت تكلفة العملية برمتها إلى حوالي 20 مليون دولار، لكنّ الأسوأ لم يأت بعد.
وواصل “مراكيتي” حديثه للصحيفة آنذاك، أنه بعد كل تلك السنوات من التدريب داخل المختبر والملايين التي صرفت على الخطة، وتطوير الأجهزة، حان وقت تجربتها في الميدان.
وقال: إن عملاء المخابرات الأمريكية انطلقوا حينها إلى حديقة عامة في شاحنة صغيرة، فتحوا الباب وأعطوا القط الجاسوس مهمته الأولى، التسلل إلى رجلَين يجلسان على مقعد قريب والتنصت على محادثتهما.
وروى “ماركيتي” أنّ ما حدث لم يكن أحدٌ يتخيله، قائلاً: “لقد أخرجوها من الشاحنة، ومباشرة جاءت سيارة أجرة ودهستها، وها هم جالسون في الشاحنة، ينظرون إلى 5 سنوات من الجهد و20 مليوناً من التكاليف ميتة!”
وأشار إلى أنّ القطة التي أطلق عليها اسم “فرانكنشتاين” لم تفقد آخر تسعة أرواح لها فحسب، بل قُتل المشروع كله.
ولفت إلى أنه على الرغم من ذلك، فإنّ وثائق وكالة المخابرات الأمريكية التي رُفعت عنها السرية، ورغم فشل المهمة، جاء في التقرير النهائي :”إنه إنجاز علمي رائع، لمعرفة أنه يمكن بالفعل تدريب القطط لمهام مماثلة”.
وأكد على أنهم أشادوا بعلماء وكالة المخابرات لعملهم “الرائد”، لكن في النهاية خلصت وكالة المخابرات الأمريكية إلى أنه بالنظر إلى “العوامل البيئية والأمنية في استخدام هذه التقنية في بيئة خارجية لن يكون ذلك عملياً”.