كتب د. عصام شعيتو:
يُحكى أنّ ملكاً أرسل حرسه الخاص لإحضار أحد مستشاريه، في ساعة متأخرة من الليل.
ولما جاؤوا بالمستشار، وقد بان عليه الخوف والهلع، ومثل بين يديه، قال له الملك بصوت مرهق: اسمع أيُّها المستشار: لقد اخترتك من بين كل مستشاريَّ، لمعرفتي التامة بأنك أرجحهم عقلاً وأشدّهم ذكاء؛ فقال له المستشار، وهو ينحني إجلالا له: شكرًا يا مولاي، وسأكون، إن شاء الله، عند حسن ظنك.
قال له الملك، بعد أن اتّكأ على عرشه: إعلم أنني لم أنم ليلتي هذه، لأن هنالك سؤالاً يؤرِّقُني، وأريد منك إجابة عنه تستند إلى دليل قاطع.
قال المُستشار: أبشِرْ يا مولاي، سل سؤالك، وسأجيبك عنه، بإذن الله.
فقال الملك: قل لي أيُّها المستشار، أيهما أفضل؛ الحظ أم القداسة؟
قال المستشار، بدون أي مقدمات:
القداسةُ طبعاً يامولاي.
ضحك الملك وقال له:
سأدحضُ رأيَك بالدليل، أو تثبت لي رأيك وبالدليل؛
فوافق المستشار.
وفي صباح اليوم التالي، خرجا إلى أحد الأسواق، ووقف الملك يتأمّل في وجوه رعيته، حتى رأى عتالاً بائساً جداً، فأمر الحرس بجلبه إلى القصر.
ثم إنّ الملك أمر بإطعام العتّال، وبأن ويلبسوه الحرير، ثم جعله وزيراً،وأمر بإدخاله إلى مجلسه.
اندهش المستشار، عندما رأى أن العتّال أصبح وزيراً !
فقال الملك للمستشار: أيهما أفضل الآن؛ الحظ أم القداسة؟
*فطلب المستشار فرصةً قائلاً: أرجو يا مولاي أن تُعطيَني فرصتي، لأثبت لك بأن رأيي هو الأصح!
وأعطى الملك فرصةً للمستشار،فخرج المستشار إلى السوق، ووقف يتأمل، فإذا به يرى حماراً هزيلاً وَسِخاً ومنهكاً من التعب.
فاقترب منه،وبدأ يتحسسه ويتلمسه، والناس ينظرون إليه باستغراب، ثمّ إنّهم تجمهرواحوله،فقال بصوت عالٍ:
أيُّها الناس، أتعلمون أنّ هذا الحمارَ طالما حمل على ظهره أحد أنبياء الله؟
فقد ذُكِرَ وصفه في الكتاب الفلاني، نقلاً عن فلان ابن فلان.
هذا الحمار من أهل الجنة.
وماهي إلّا لحظات، حتى أصبح ظهر الحمار الأجرب مزاراً، ومُلِئَت أذناه أعلوگة (قطع من الذهب والفضّة، تستخدم للزينة) ونذوراً، وبدأ الناس يتبرّكون به؛ هذا يطعمه، وذاك يغسل حافريه، وتلك تأخذ شعرة منه لتتزوج، وتلك تتمسّح بمؤخرّته لتُرزق بطفل.
ثم أسكنوه في بيت نظيف، وعينوا له خدماً، وصار الحمار يسرح ويمرح في أيّ مكان، ويأكل ويشرب من أي بيت يريد، والكل يقدِّسُهُ ويتبَرَّكُ به.
ثم إنّ المستشار عاد إلى الملك، وقال له: الآن يا مولاي، أيُّهما أفضل؟
طأطأ الملك رأسه، فابتسم المستشار، وقال له: أتعلم يا مولاي ما لفرق بين الحظ والقداسة؟
*قال الملك: لا. قل لي مالفرق؟
قال له المستشار: أنت يا مولاي ألبست هذا العتال ثوب العافية والمال والسلطة .... وهذا ثوبٌ زائلٌ، لأنّك تستطيع سلبه إياه ساعة تشاء؛ أما أنا فقد ألبستُ هذا الحمار ثوبَ القداسة، ولَعَمْري أن هذا الثوب لا يمكن أن يسلبه منه أحد، حتى انت يا مولاي!.
فكم حماراً ألبس جهلة العرب، وشياطين الأرض أثواب القداسة، وراحت هذه الحمير تسرحُ الآن وتمرح في كلِّ مكان ٍ ، وعلى كل المستويات، حتى بات يصعب على الجميع نزع القداسة عن هذه الحمير، إلّا إذا ألغيناها من عقولنا ونفوسنا، وهذا ما يتطلّب العون من الله تعالى؛ وليس من أمريكا وإسرائيل.