كتب الأستاذ حليم خاتون: رحم الله كمب ديفيد
منوعات
كتب الأستاذ حليم خاتون: رحم الله كمب ديفيد
4 تشرين الأول 2022 , 23:18 م


لو قدر لفلاديمير بوتين بعث بوريس يلتسين حيا من جديد، لقام بتنفيذ حكم الاعدام به فورا بتهمة الخيانة العظمى حين "أعلن" استقلال روسيا عن الاتحاد السوفياتي، وترك اراضي روسية شاسعة وملايين من الروس خارج الوطن الأم، دون ذكر الجريمة الكبرى التي أدت إلى تدمير وحدة وخلق نزاعات بين جمهوريات كانت حتى الأمس القريب على علاقات اقتصادية وإنسانية جيدة...

لو قدر لفلاديمير بوتين إعادة بعث القيادة البلشفية من جديد، لقام بمحاكمتها بتهمة سلخ مناطق من روسيا وضمها إلى أوكرانيا من أجل مصالح حزبية وعقائدية أريد لها إيجاد واقع غير موجود في ذلك البلد...

لو قدر لفلاديمير بوتين بعث القيصر من جديد، لقام بإعدامه فورا بالرصاص بتهمة الخيانة العظمى لأنه باع كل منطقة آلاسكا مع سكانها الأصليين لأميركا قبل حوالي القرن ونصف القرن بسبعة ملايين من الدولارات، ليتبين لاحقاً أن هذه المنطقة غنية بالغاز والنفط والذهب والغذاء...

لا ضرورة لشعب لبنان إذا كان هناك من شعب لبناني حي فعلا وليس من شاكلة نواب الصدفة، الانتظار لبعث أي كان من أهل هذه السلطة ومحاكمتهم لأنهم تخلوا عن كنوز مستقبلية مدفونة في المنطقة التي تصل، وتتجاوز خط النقطة ٢٩...

إذا كان لا بد، فالمحاكمة يجب أن تجري اليوم وليس في المستقبل...

نواب الصدفة الذين ذهبوا في مظاهرة إلى الناقورة للدفاع عن حقوق لبنان قبل أن توبخهم السفيرة الأميركية وتريهم ماذا هم يساوون في ميزان التمثيل، وفي مشاريع السفارة الأميركية... يسكتون اليوم، في توافق حزبي عام في البلد وكأن الكل قد باع الوطن...

في الكيان سوف يبحث الكنيست مشروع هوكشتاين...

سوف يعرف الجميع هناك ما الذي يجري...

بينما في لبنان، لا يعرف إلا بضعة قيادات وبضعة تقنيين ما الذي يجري... علينا العيش على التسريبات... حتى نفاجئ يوما بالمصائب التي سوف تقع...

ممنوع على الناس أن تعرف لماذا تم التفريط بالحقوق...

يخرج على الجديد الكاتب فيصل عبد الساتر مدافعاً عما يحصل، وهو نفسه يقر بأنه لا يعرف الشيء الكثير...

ليت بعض مثقفي المقاومة يتخلون عن الكلام الذي يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، ويذهبون إلى نقد السلطة بدل مهادنتها لأنها محسوبة زورا على المقاومة...

السيدة نانسي السبع لم تتأخر على الجديد، كما لم يتأخر غيرها عن توجيه التهمة إلى المقاومة في تمرير ترسيم سيء إلى أبعد الحدود... طبعا في ظل جو يدعو إلى الريبة...

الكاتب غسان سعود يصب جام غضبه على الاعلامي والقيادي السابق في حركة امل، محمد عبيد لأنه يسمي الاشياء بأسمائها...

الدفاع عن الرئيس عون هو كل هم بعض المحسوبين على ٨ آذار... كأن الخيانة مقبولة عند طرف، ومرفوضة عند آخر...

الإعلامي حسن الدر يتحدى من ينتقد هذا الترسيم السىء الذكر أن يذهب ليحرر البحر بنفسه...

هذا اسمه خلط... هذا هو إفلاس المنطق بعينه...

العجز لا يبرر التنازل...

بكل أسف المقاومة تغطي عن قصد أو عن غير قصد خطيئة تاريخية سوف تحصل...

طبعا يجب شكر المقاومة لأنها منعت الانبطاح الكامل للسلطة اللبنانية أمام الأميركيين وبالتالي أمام الإسرائيليين...

لكن هذا لا يكفي...

الرؤساء الثلاثة يختبأون خلف عباءة المقاومة في مساومة تبيع مصلحة الوطن في سبيل إنقاذ رؤوسهم...

يتذرع الرئيس عون بأنه لا يستطيع تسمية الأشياء بأسمائها لأنه في موقع الرئاسة (بي الكل!!!)... عذر اقبح من ذنب...

لو كان الذي يمرر الاستسلام الجاري في الترسيم، هو ميشال سليمان أو فؤاد السنيورة، لكان الأمر مفهوماً... هؤلاء اتباع أميركا إلى درجة العمالة...

لكن الذي يغطي ما فعله وما يفعله نجيب ميقاتي هما رئيسان محسوبان على المقاومة...

والانكى، أن ممثلي هذه المقاومة في البرلمان مثل الأطرش بالزفة... ناهيك عن بعض الإعلاميين المحسوبين على المقاومة والذين لا يعرفون غير التطبيل والعزف على عود مدح السلطان... أو المقاومة...

هل سأل أحد نجيب ميقاتي من طلب منه سنة ٢٠١١ إخفاء الدراسة البريطانية التي أعطت لبنان الخط ٢٩... ومحاولة تمرير ال ٢٣ بذرائع بأن مدى قبحها اليوم...

يا جماعة الخط ٢٣، خط اسرائيلي وضعه الاحتلال قبل أن يعرف أن فؤاد السنيورة قد تكرم وتخلى عن مساحات شاسعة تصل إلى قبالة مدينة صيدا حين وقّع على الخط رقم واحد...

هذه السلطة لم تقم فقط بنهب ثروة الوطن على البر...

هذه السلطة تفرط بثروة لبنان البحرية...

هذه السلطة أوصلتنا إلى وضع لكي نقبل بأي شيء يطرحه الاميركيون...

ما فعلته المقاومة هو شيء عظيم بلا شك حين نقلت الحدود البحرية من نقطة السنيورة إلى نقطة هوف ثم إلى الخط ٢٣...

نعم، لقد استطاعت المقاومة تحرير حوالي ٨٦٠ كلم٢ من البحر...

لكن التحرير هذه المرة ليس بلا شروط كما حصل مع تحرير سنة ٢٠٠٠...

هذه المرة سوف نتخلى عن أكثر من ١٤٣٠ كلم٢ هي أقل ما يعطيه قانون البحار للبنان...

من حق المقاومة أن تقول انها غير معنية بالخطوط وان كامل الساحل الفلسطيني من وجهة نظرها مغتصب وليس فقط هذه البقعة حتى النقطة ٢٩...

لكن الذين يوقعون ويقبلون بما يحصل، يرسلون رسائل غير مباشرة أن هذا ما يريده حزب الله... يرتكبون المعصية تحت مظلة حزب الله...

يجري إلباس الحزب خيانة سوف تلحق به اشد التنديد والإدانة في المستقبل...

ممثلو الحزب في البرلمان والحكومة إما صامتون أو يبصمون بالتسعة ونصف لهذه السلطة...

حتى السادات حين وقع كامب ديفيد لم يقبل التخلي عن طابا، وذهب إلى التحكيم الدولي واستعاد هذه المنطقة؛ بينما الشبيبة عندنا على عجلة للتوقيع ولا يريدون الذهاب الى أي تحكيم بحجة أن هذه المحاكم تابعة لأميركا ولن تحكم في صالحنا على حد قول الاستاذ عبد الساتر!!!...

كأن الاستاذ فيصل يقول إن التحكيم سوف يعطي هذا لإسرائيل، تعالوا لا ننتظر التحكيم ونقوم بإعطائها هذا منذ اليوم فقط كي نخرج من الإنهيار الاقتصادي والمالي...

أن تقول هذا الأمر سلطة الفساد والنهب ممكن فهمه، لأن مجيء مليارات الغاز والنفط سوف يبعد عنهم المساءلة والمحاسبة، أما أن تقوله "أبواق" لا تعي ماذا تقول، فهذا قمة الانحطاط الوطني والفكري...

نعم، نحن غاضبون...

لو كان من يبيع الوطن مسنودا من سمير جعجع أو سامي الجميل أو أشرف ريفي، لكان الأمر مفهوماً... أما أن يستند هؤلاء إلى مقاومة هزمت العدو واجبرته على الانسحاب سنة ٢٠٠٠ دون قيد أو شرط، بينما هي تسمح اليوم للسلطة بالخضوع لمفاوضات، الراعي فيها أميركي صهيوني؛ الوسيط أميركي اسرائيلي صهيوني؛ الطرف المقابل هو الكيان الاسرائيلي نفسه... وطرف السلطة عندنا تابع لأميركا التي ترعى إسرائيل..

كل ذلك، ثم يخرج من ينظر لانتصار وهمي هو هزيمة في حقيقة الأمر لحركة التحرر العربية...

يتحمل مسؤولية هذا محور المقاومة المتهاون في لبنان، بالإضافة الى مقاومة غزة التي لا تعرف سوى الصراخ في الهواء...

ربما يجدر بنا شكر نتنياهو لأنه لا يقبل بنصف انتصار ونصف هزيمة لنا... هو يريد كل شيء والذي لا يقاتل من اجل حقوقه "بيستاهل أكثر من هيك"...

حليم خاتون

المصدر: موقبع إضاءات الإخباري