كتب الأستاذ حليم خاتون,,
لم يكن لبنان، ولن يكون أبدا دولة بالمعنى الحرفي للكلمة طالما هو محكوم من قبل طبقة طائفية مذهبية، وطالما الدستور والأعراف تكرس التمييز بين اللبنانيين على أسس الدين واللون والعرق والجنس والمُعتقد...
لبنان ما قبل إعلان دولة لبنان الكبير، كما لبنان ما بعد الإعلان هو ارض تقع جغرافياً وسياسياً فوق فوالق زلزالية تتحرك بشكل دائم فتتسبب بهزات أرضية خفيفة متتالية لا تلبث أن تتحول الى هزة كبرى تحدث في فترات متباعدة...
عرفنا من هذه، الزلزال العظيم الذي دمر بيروت أم الشرائع زمن الإمبراطورية الرومانية، كما عرفنا الزلزال الذي ضرب الجبل وبيروت والضواحي في الخمسينيات من القرن الماضي...
في كل الأحوال، تظل فوالق الجغرافيا ارحم بكثير على هذا البلد وعلى أهله من الفوالق الطائفية التي جعلت من هذا البلد ساحة رمال متحركة تبتلع كل من يحاول مجرد بناء دولة قانون على هذه الأرض...
لقد استطاعت هذه الفوالق الطائفية تحويل ثورة الفلاحين في القرن التاسع عشر بقيادة طانيوس شاهين إلى مذابح بين الدروز والمسيحيين وانتهت بقيام نظام المتصرفية الذي كرس نظام الإخوة الأعداء داخل حدود الوطن (الوطن الواحد مع وقف التنفيذ)...
لم يكن إعلان الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير سوى خطوة كبيرة إلى الوراء، بعد خطوات صغيرة جداً من الاستقرار والجمر تحت الرماد، عملت خلالها دولة الانتداب على تكريس نظام وحدة الأضداد المستحيلة...
"تغيير ما في النفوس، قبل تغيير النصوص"، هو الشعار الذي تختبئ خلفه شياطين الشره البشري الذي يريد السطو على كل مقدرات البلد لصالح زمر قليلة ولكن باسم الطائفة التي تستمد شرعية زائفة من الله حيناََ، ومن الروح القدس حينا آخرَ...
كأننا بالبطرك السابق مار نصرالله بطرس صفير، يريد القول إنه يجب إعادة كتابة القوانين الجزائية بانتظار تغيير ميل البشر إلى القتل والسطو الذي عرفته البشرية منذ فجر التاريخ لأنه علينا تغيير ما في النفوس قبل كتابة القوانين الجزائية...
البطريرك صفير رفض في التسعينيات تعيين هيئة برلمانية لإلغاء الطائفية السياسية مختبئاً خلف بريق هذا الشعار الزائف الذي يخفي ما يخفي من نوايا السوء...
كأننا بالبطرك صفير يطلب من الله سحب الوصايا العشر لأنه يجب تغيير ما في النفوس قبل وضع النصوص...
على طريق البطرك، مشى كل ذي شأن في لبنان...
على طريق البطرك، مشت كل الزعامات الطائفية تشكر الرب الذي ألهم البطرك صيغة الحفاظ على الحطب الذي لا ينتظر سوى عود ثقاب...
انضمت الأحزاب العلمانية تحت هذا الشعار، وتوافق جميع هؤلاء على دفن مدنية الدولة تحت شعار الديمقراطية التوافقية القائمة على النفاق المتبادل...
خرجت السيدة مي خريش أول أمس تذكر حزب الله بأحد أهم بنود تفاهم مار مخايل:
التوافق...
أن تنتقد السيدة خريش مشاركة حزب الله في اجتماع حكومة ميقاتي التي تفتقد الشرعية الدستورية شيء، وأن تُعْلٍمنا بأن التيار الوطني الحر كان قد تخلى عن أهم مبدأ لبناء دولة القانون شيء آخر...
على مذبح التوافق، تم التضحية بمدنية الدولة...
على مذبح الطائفية، يتم التضحية كل يوم بالوطن...
نعم، اجتماع حكومة ميقاتي لم يهدف "لشَيْل الزير من البير"...
هي سياسة النكايات التي وقع حزب الله في حبائلها...
لكن..."غلطة الشاطر، بألف"...
حزب الله هو أكثر العارفين بعقم هذا النظام وعقم هذه الطبقة الحاكمة، سواء اجتمعت الحكومة ام لم تجتمع...
قد لا يريد حزب الله الخروج على الناس بهذه الحقائق مرة أخرى بعد أن رأى بأم العين ردة الفعل على دعوة صحيحة مئة في المئة حين دعى السيد نصرالله الى مؤتمر تأسيسي...
خرجت أفاعي الامتيازات الطائفية تعلن الحرب على السيد نصرالله وعلى طرح مؤتمر تأسيسي، لأن بناء دولة في لبنان هو مسمار نعش هذه الأفاعي...
هل أراد حزب الله إرسال رسالة غضب إلى جبران باسيل بسبب تصرفات الاخير المريبة على اكثر من صعيد، خاصة في الخرافات مع الأميركيين؟
ممكن...
لكن ليس هكذا تُورد الإبل...
يتحمل جبران باسيل من الأخطاء والخطايا كمّاََ لا ينتهي؛ كمّاََ يتغذى ويرتوي من نرجسية تحتاج إلى عبقرية أغاثا كريستي في القصص البوليسية وإلى كل قدرات سيغموند فرويد في علم التحليل النفسي لفك طلاسمها...
لكن، وكما دخل حزب الله برجليه إلى وكر الأفاعي في النظام الحاكم في لبنان، ومذ ذاك لا يكف عن تلقي اللدغات...
ها هو يدخل برجليه أيضاً في رمال ميقاتي وباسيل المتحركة...
أن يكون حزب الله قد اختار مرشحه، وأن لا يعلن عن هذا الاختيار بانتظار توافق محلي وتوافق دولي أمر مفهوم لأن الحزب دخل اللعبة اللبنانية وهو يلعب على هذه الطريقة اللبنانية...
لكن إذا كان الحزب مقتنعاً بهذا الخيار، ويريد تحمل تبعاته، عليه أن يكف عن الكلام ولا يسمح لغير هذا الخيار بالنجاح حتى لو استمر الشغور سنوات...
لكن الحزب الذي لم يتحمل مسؤولية فشل عون وباسيل، رغم دعمه لهما؛ عليه غداً أن يتحمل مسؤولية سليمان فرنجية سلباً أن إيجاباً، خاصة وأن الرجل من عظام رقبة المنظومة الحاكمة وإن تميز عن الكثيرين فيها بالصدق والمجاهرة على الأقل...
لن يُصلِح وضع هذا البلد المنهار رئيس بلا برنامج عمل...
كل المرشحين المعلنين وغير المعلنين لا يحملون أي برامج عمل واضحة... لذا من الأفضل استمرار الشغور حتى الوصول الى مؤتمر عام يعيد فيه اللبنانيون صياغة الدستور ويطرح هذا الدستور بندا بندا على الاستفتاء العام المباشر...
هكذا تكون الديموقراطية...
هكذا تبنى الأوطان...
المشكلة في لبنان أعمق من مجرد اسم يتسلى به بضعة نواب وصل بعضهم إلى الندوة ببضعة عشرات أو مئات من الأصوات في أحد أسوأ القوانين الانتخابية على الإطلاق...
حتى العشائر والقبائل في بلاد الماو الماو لديها حكم شورى افضل من قانون الانتخابات اللبناني...
يتغنى الجميع بالطائف، ودستور الطائف...
أين هي الدوائر الانتخابية الكبرى؟
أين هو الأساس النسبي في قانون الانتخاب؟
لقد فصلت الزعامات الطائفية قانوناً غريبا عجيبا يجعل مرشحاً يسقط في الانتخابات وقد حصل على عشرات الآلاف من الأصوات، بينما يخرج علينا مدعٍٍ باسم الأمة وقد فاز بأقل من ١٠٪ من عدد أصوات من سقط...
على هذه المهزلة ومثلها من المهازل، يطلق البعض اسم الديموقراطية التوافقية...
كيف يحق لمارك ضو الحديث باسم الأمة وهو إذا واجه مثلاً رفيق نصرالله أو دريد ناصر الدين أو محمد ابي سمرا أو انطوان حنون، لن يحصل على اكثر من ١٠٪ من الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها أي منهم منفرداً ودون دعم حزبي...
اليوم ديموقراطية توافقية، وغداً ديموقراطية الحكم الذاتي للطوائف قبل تقسيم هذا البلد إلى حارات وإقامة بوابات كما أيام ما قبل الدولة الوطنية...
يصبح لكل حارة زعيم يبيع ويشتري علنا هذه المرة ويأتي غريب ما يسطو على الكرم ونبكي غداً ضياع لبنان، كما نبكي اليوم ضياع فلسطين...
يريدون سلاح حزب الله شرطا لإقامة الدولة...
يبتزون المقاومة ويلتقي على هذا الابتزاز الحلفاء والخصوم لمنع قيام دولة القانون والعدالة...
تخضع المقاومة للإبتزاز بكل أسف بدل رفع العصا وضرب كل تلك الجيَف النتنة...
متى سوف ترى المقاومة أن على هذا الابتزاز أن يتوقف، وأنه يتوجب بناء دولة القانون بدل تجمع المزارع الطائفية القائم...
حزب الله يدعم بشكل لم يعد سرا سليمان فرنجية...
لقد فعلها مع ميشال عون...
ليس المهم دعم الشخص...
المهم أن يكون هذا المدعوم مستعدا لمجابهة الأعاصير من أجل بناء دولة قادرة عادلة لا يمكن أن تكون إلا مدنية...
مع ميشال عون، فشل المشروع لأن ميشال عون تخلى عن أهم المبادئ ودخل السوق عبر مدير أعماله جبران باسيل يبيع ويشتري...
حسناََ، سيدة مي خريش...
أعداء جبران باسيل لا يتوقفون عن بث الشائعات...
لكن ما الذي منع التيار من الضرب على الطاولة وإقامة معامل كهرباء في طرابلس والزهراني بدل اختراع سلعاتا والتمترس خلفها...
لماذا لم يتم البدء فورا بالممكن والانتقال بعدها إلى مشكلة سلعاتا؟
كيف رسى جبران باسيل على بواخر المستقبل وجماعة الحريري، وانفقنا على هذه البواخر كلفة إقامة عشر معامل كهرباء...
لا دكتور ناجي حايك...
سبب فضيحة الكهرباء ليست فقط في الهدر والسرقات الفوضوية...
سبب فضيحة الكهرباء هي في النهب المنظم والسرقة المنظمة التي قامت بها المنظومة الحاكمة والتي دخل معها جبران باسيل شريكاً مضاربا بدل أن يضرب على الطاولة لفرض النظام...
خسائر شركة الكهرباء جاءت من دعم كهرباء لم يصل إلى الأطراف في الجنوب والشمال والبقاع كما تدعي... بل من دعم كهرباء ما كان يجب أن يكون من الأصل... وكهرباء كانت تصل حصرا إلى بيروت الإدارية، رغم أنها مدعومة من أموال كل الشعب اللبناني...
ثم من انقلب على الدكتور شربل نحاس وتآمر عليه وأحرجه بوضع شرط التوقيع على الفساد أو الاستقالة، وتسبب بإخراجه...
السؤال الذي كان يجب طرحه على ناجي حايك هو لماذا تخلى ميشال عون عن العلمانية!!؟؟
تقول السيدة خريش أن باسيل حوّل البترون إلى جنة... ربما!!
وحدهم أهل البترون يستطيعون الحكم...
لكن ما الذي منع جبران باسيل من تحويل لبنان الى جنة بعيدا عن نغمة ما خلونا التي يتسلح بها كل الفاسدين والفاشلين...
سيدة خريش، دكتور حايك، عفوا...
لكنكم تمعنون في ذبح الوطن...
لقد فشلتم، أو أُفشلتم إذا أحببتم هذه الصيغة...
ما الذي يمكن أن يفعله جبران باسيل ولم يفعله يوم كان ميشال عون رئيساً ويوم كانت الحكومات بأيديكم ولكم فيها أكثر مما لغيركم...
ماذا سوف يتغير إذا أتى جبران رئيسا سوى نسخة مشوهة عن حكم ميشال عون الذي دفن آمال اللبنانيين التي علقت عليه بيده هو، لا بيد غيره...
الخلاف مع نبيه بري لم يعد حجة...
ها انتم تنتفضون على نبيه بري بعد ضياع المحصول...
ها انتم تنتفضون على حزب الله لأنه لم يقف إلى جانبكم على حد زعمكم...
ما الذي منعكم من الانتفاض قبل اليوم، وقبل خراب البصرة...
بالله عليكم، كفوا عن هذه الترهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع...
إما أن نريد بناء وطن، وإما البقاء في دولة المزرعة...
ليس المطلوب فقط مناقشة مار مخايل...
ليس المطلوب فقط وضع دستور الطائف على المشرحة...
المطلوب مؤتمر ويستفاليا لبناني في المرحلة الأولى، يصل إلى بناء دولة المواطنة والقانون...
لا دكتور حايك...
في ألمانيا لا يسأل أحد عن دين من أمامه...
لأن المانيا دولة فرضت النصوص فرضاََ حتى تغير ما في النفوس...
وصار اختصار الميثاق ليس بالطوائف، بل بحرمة المس بالذات الإنسانية لأي كان...
La dignité humaine est intouchables...
حليم خاتون