بعد أربعين عاما في سجن صغير بين جدران خلفها جلادون، خرج أطول سجناء العالم مدة في الأسر، إلى وطن معتقل يرزح تحت احتلال استيطاني عنصري لن يحيد أبداََ عن المشروع الصهيوني الممتد من الفرات إلى النيل مع دويلات هشة تدور في فلك هذا الكيان...
كريم يونس كان برفقة حوالي ثمانية آلاف أسير لا يزالون يعانون خلف تلك الجدران...
لكن فلسطين كلها في أسر الاعتقال منذ النكبة...
الفلسطينيون كلهم في الأسر سواء كانوا داخل الخط الأخضر، في الضفة، في غزة، أو حتى في الشتات...
أكيد أن وضع الأسرى يختلف وفقاً لمنطقة الاعتقال، لكن كل هذا لا ينفي أن الجميع يخضعون بشكل أو بآخر لشروط حياة تحت السوط والنار...
حتى غزة التي تعيش جانبا من جوانب ضرورة القتال في سبيل الحرية...
حتى غزة تخضع لشروط عقلية العجز عن المواجهة...
من سخرية القدر أن المرء ينظر بحسرة إلى فصائل غزة وهي تنتقل من خطوط حمراء إلى خطوط حمراء أخرى تستدعي ابتسامة ساخرة ترتسم على وجه بن غفير...
مرة أخرى وأخرى... الكلب الذي لا يستطيع العض هو وحده من يكثر من النباح...
لا عذر لأي فلسطيني أن لا ينظر إلى ما تفعله عرين الأسود... ولا يفعل شيئا...
لا عذر لأي فلسطيني في عدم اكتشاف أي وسيلة قاتلة تصطاد كلبا متوحشا أتى إلى فلسطين من أي زاوية من زوايا الكرة الارضية...
لا عذر لأي فلسطيني في عدم مهاجمة أي هدف لأي دولة تدعم أو تصادق هذا الاحتلال... وفي اي منطقة يمكن منها النيل من هذه الدول، بما في ذلك أنظمة الذل العربية....
لا عذر لأي سوري أن يرى مطار دمشق يقصف مرة تلو الأخرى ويكتفي بالإدانة وكأن القصف يجري في بلاد بعيدة وليس في قلب عاصمة الأمويين...
لا عذر لأي عربي رؤية كل هذا التنمر وكل هذا الإذلال اليومي لكل من يلفظ حرفاً من حروف لغة الضاد، ولا يقوم بالكفر بهذا النظام العالمي فيقوم بما يلزم لتحطيمه حتى ولو عبر إشعال عود ثقاب في أي مصلحة من مصالح القطب الواحد الذي يتبجح بأن أميركا قادرة على فعل ما تريد، في الوقت الذي تريد...
أنظروا إلى أوكرانيا تواجه أقوى دولة نووية على الكرة الأرضية...
أنظروا إلى الأوكرانيين يرفضون التهدئة بمناسبة أعياد الميلاد، ويصرون على الانسحاب الروسي الكامل... بينما نحن نقبل وقف إطلاق النار حين تتعب آلة القتل الاسرائيلية من الفتك بأطفالنا...
ثم يخرج من يقول رداً على الانتقادات إننا قوم مسالمين، لا سلمت لنا حياة إذا نحن ارتضينا العيش الهوان، عبيدا تحت اقدام الأميركيين نتغنى بالسيادة ونُرضع أطفالنا الذل منذ الولادة...
وبدل استغلال حاجة أميركا والكيان للتهدئة بسبب ظروف الحرب في أوكرانيا، يحتفل رئيس لبنان السابق بالتخلي عن ابسط الحقوق الوطنية إكراما لصهر قرر أنه وحده ولا احد غيره يستحق الجلوس على كرسي الفساد الرئاسية...
يستطيع العربان قول ما يشاؤون من أن السلاح المتدفق على أوكرانيا والدعم الذي تحصل عليه قد يصل إلى مئة مليار دولار خلال أقل من عام واحد...
وينسى هؤلاء أن أنظمة الخليج رمت في نار صدام حسين ضد إيران أكثر من سبعين مليار دولار... ثم رمت أكثر من مئة مليار دولار للتخلص من صدام بعد أن ساهمت هي بدفعه إلى الجنون...
هي نفس الأنظمة التي أحرقت مليارات الدولارات لتمزيق ليبيا...
هي نفس الأنظمة التي ضخت في أيدي الإرهاب الدولي أكثر من مئتي مليار دولار من أجل تفتيت سوريا...
السعودية أنفقت على تدمير اليمنى أكثر 250 مليار دولار...
دولة واحدة فقط أحرقت في موقد مونديال كرة القدم ٢٢٠ مليار دولار من أجل مجد خاسر لا يستأهل حتى النفخ فيه لكثرة الثقوب...
لكن كل هؤلاء كوم، ومحمود عباس ومنظومة السلطة في لبنان كوم آخر...
الأول جعل من رام الله كازينو عائم على جماجم الفلسطينيين...
أما السلطة الفاسدة في لبنان فقد استطاعت عبقرية منقطعة النظير سرقة ١٢٠ مليار دولار من أموال المودعين وحوالي ٢٥٠ مليار دولار من الإيرادات العامة وضعتها كلها في خزائن خاضعة لعدو لبنان وعدو العرب وعدو الشعوب المغلوب على أمرها تاركة شعبا من الغنم لا يجد حتى العلف للغذاء ولا حتى ثمن الشمع للنور وطبعا يكتفي بقطع الأشجار للتدفئة اليوم غير عابئ بما سوف تحمله الأيام القادمة...
بئس أمة أخرجت إلى الناس قسم منها يتداوى ببول البعير وقسم آخر وصل إلى قمة الحضارة في ٢٠٣٠ عبر الخمر الحلال! والطرب مع العاهرات حتى يظنن المرء أن الحضارة والتقدم يأتي فقط من بين سيقان الراقصات...
لا دمتم، ولا دامت النعم عليكم وليكن مصيركم هو نفس مصير قوم لوط...
حليم خاتون