كتب الأستاذ حليم خاتون: ثلاثة عشر عام من الغضب.
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: ثلاثة عشر عام من الغضب.
حليم خاتون
29 كانون الثاني 2023 , 10:36 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

غضِب ابن بيت المقدس...

غضِب ابن الثلاثة عشر عام...

حمل سلاحاً فردياً نادر الوجود في أيدي فلسطينيي الداخل...

تملكه الغضب حتى قبل أن يولد...

غضَبُ الشعوب لا يموت...

غضب الشعوب ينتقل بالوراثة من جيل إلى جيل...

ثلاثة عشر عام من كظم الغيظ على كل الظلم الذي يراه ويعيش فيه هو وكل من حوله في تلك الأرض السليبة...

غداً، سوف تخرج القصص التي تروي كيف اورث البطل سلاحه إلى بطل في بلاد تعطش لقطعة سلاح لم تأت حرة، لا قبل النكبة، ولا بعدها...

هل تذكرون تلك الحاجّة العجوز تصرخ في غزة قبل أعوام:

"ما بِدنا رجال... عندْنا رجال...

بِدنا سلاح..."

لم يسمعها ملك أو حاكم عربي...

لم يكن بين هؤلاء معتصم بالله...

جاء سلاح قدر المستطاع... لكن من إيران...

كان طفلاً قبل طفولته التي فاقت أشباه الرجال رجولة حين كررت عليه جدته نفس القصة التي كانت تربي فيه ذلك الرجل الرجل...

قد يكون سمع كما جميع اطفال بلاد الشام، قصص الشاطر حسن، أو الزير أو الجن أو الغولة...

لكن القصص التي كانت تربي في قبضته قبل صدره، ذلك الغضب، وتلك البطولة، كانت قصص فلسطين الجمال...

قبل النكبة... وقبل الخيانة...

من المؤكد أن جدته حدثته عن البيارات... عن برتقال يافا... عن مطار القدس وشوارعها الفرحة... عن حلاوة العيش في فلسطين قبل أن تبدأ موجات الهجرة إليها من كل أصقاع الأرض منذ أواخر القرن التاسع عشر...

ما يعرفه ابن الثلاثة عشر ربيعاً ربما لم يعرفه أجداده...

لم يعرفوا أن السلطان عبد الحميد العثماني رفض بيع فلسطين مقابل سداد كل ديون السلطنة العثمانية...

قال لا لروتشيلد...

خجل السلطان أن يرتبط اسمه بخيانة الأقصى...

صحيح أن موجات هجرة اليهود إلى فلسطين بدأت حتى زمن هذه الدولة العثمانية؛ إلا أن ما فعله السلطان التركي يومها، لا يفعله سلاطين الخليج وملوكها وامراؤها اليوم...

خجلُ السلطان لم يمتد ليصل إلى تلك الجيَف من ملوك وحكام العرب...

حتى جيش الإنقاذ المزيف الذي أتى إلى فلسطين من البلاد "الشقيقة" كان وبالا على فلسطين أكثر منه جيش إنقاذ...

مساكين أهل فلسطين؛ مساكين هؤلاء الجنود والمتطوعين العرب...

بذلوا الغالي والنفيس في سبيل القدس ونصرة الشعب الفلسطيني الشقيق قبل أن يتبين أن الكلمة الأخيرة في إدارة المعارك كان في أيدي ملوك ورؤساء من الدمى في يد البريطاني والفرنسي...

كم سمع قصصا عن بطولات أجداده وبطولات المتطوعين العرب التي كانت تذهب سدى في وقف لإطلاق النار أو هدنة حين يكون النصر في المعارك إلى جانب هؤلاء أو حاجة لعصابات الصهاينة لإعادة ترتيب الصفوف واستعادة الأنفاس...

كم من القصص سمع عن معركة القسطل مثلاً أو عن تحرير تلة بكثير من الدماء الزكية، وتسليمها لجيش الإنقاذ الذي ينسحب منها بناء لأوامر غريبة عجيبة، فتعود إليها عصابات الصهاينة بعد أن تكون زادت عديدها وسلاحها...

قد لا تكون جدته هي من روت له كيف كان السلاح والمستوطنون الصهاينة يتدفقون من الغرب الأميركي والأوروبي ومن الشرق المتمثل بدول حلف وارسو السوفياتي...

لكل دولة اطماعها في جسد الوطن العربي الكبير وقلب تلك العروبة النابض في بلاد الشام... كان الهدف قلب هذا القلب النابض، فلسطين...

حتى في الأمم المتحدة جاء قرار تقسيم فلسطين بين صاحب الدار واللص بدعم أميركي سوفياتي متتالي بعد أن تراجع دور بريطانيا وفرنسا إلى الصف الثاني...

ما استطاعت ذاكرة ابن الثلاثة عشر ربيعاً اختزانه، مر أمام عينيه لحظات الغضب فخرج إلى الشارع يطلق النار على كل كلب من كلاب الإستيطان يصادف مروره...

ربما خطط بطفولة بريئة ليوم يخرج فيه ويستشهد طمعا بالانضمام إلى قوافل الابطال الذين سبقوه...

ربما كانت صورة المهندس يحي عياش أو عز الدين القسام أو غيفارا غزة في خياله...

ربما بكل بساطة، كانت كلمات جدته ترن في أذنه عن حكايات ابطال فلسطين المجهولين وعن الفدائيين العرب الذين سقطوا...

ربما كانت أغنيات فلسطين المذبوحة تتمازج مع اناشيد الثورة التي لم تتم...

ربما تساءل ابن الثلاثة عشر ربيعاً لماذا لا تتدخل الأمم المتحدة لفرض هدنة أو وقف إطلاق نار في أوكرانيا كما كان يجري الأمر في فلسطين...

بدا له أن كل الأمم تملك قرارها إلا "ولاد العرب"...

غضب واستل سلاحه وخرج متمردا على كل تلك الهدنات وعلى كل وقف لإطلاق النار...

اقسم ربما على الالتحاق بعم أو خال أو جار سبقه إلى الشهادة...

أراد إثبات حقه بقوة سلاح فردي بسيط لأن الأسلحة المكدسة في المسودعات العربية تصدأ ولا تنطلق إلا لقتل أبناء العرب...

أراد أن يثبت لجماعات التكفير أنه يفهم استراتيجية الصراع أكثر بكثير من ابي محمد الجولاني أو ابي بكر البغدادي أو غيره من الأبوات...

أراد أن يثبت لكل ملوك العرب أنه وحده ملك الساحات...

أراد أن يقول للأبواق التي تغني فلسطين ليل نهار ولا تفعل شيئاً أن طفلاً فعل ما عجزت عنه ابواقهم وسلاحهم المكدس...

لقد وصل الأمر أن يطبق ابن ثلاثة عشر ربيعاً أهم استراتيجية غفل عنها أشباه الرجال:

"إذا الشعب يوما أراد الحياة...

لا بد للقيد أن ينكسر".

غيفارا جديد، سقط في فلسطين...

"يا ميت خُسارة عالرجال"...

"ما هم أن نموت في...

دوي صرخات الحرب...

ما هم... ما هم...

إذا وجدنا غيرنا...

من يحمل السلاح...

يواصل الكفاح...

ويقود الثورة للنصر..."

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري