كتب د. محمد صادق الحسيني
لم يكن الطالب لتولي المناصب في اي لحظة من لحظات حياته
لكنه المندفع بعزم راسخ للقيام بواجب بناء الدولة التي حلم بها منذ نعومة اظفاره ويحلم بها اجيال مشاهد العروج الى المثل العليا في مشهدية انتفاضة علماء الفيضية الخمينية الشهيرة...
هكذا هو السيد علي الخامنئي رجل دعوة ومجاهداً وثائراً وجندياً ومسؤولاً حكومياً تدرج في مراحل البناء الثوري والحكومي حتى تولى قيادة رأس الثورة والحكم في دولة الولي الفقيه….
منذ ان امسك بسكان القيادة وهو ينحت بكل ما يملك من ادوات لوحة بناء ما يسميه المشروع الانساني المتكامل او ما بات يصطلح عليه في الفقه السياسي الايراني المعاصر "الحضارة او المدنية الاسلامية المعاصرة" ...
بعد اربعة واربعين ربيعاً عاشها بمرها وحلوها وبكل تعرجاتها وهو الشاهد والشهيد على كثير من فصولها صعوداً أو"تراجعاً "، كما عبر في اخر تصريحات له، اضطربت فيها البلاد بين مد وجزر حتى اطلق هو قبل ٤ سنوات، منشوره الاستراتيجي الاهم والاكثر تحدياً والذي سماه "الخطوة الثانية" في الثورة.
ليقول فيه للجميع ان المحافظة على النصر الذي تراكم درجة فوق اخرى ، لا يمكنه ان يحصل الا بالقطع الكامل مع منظومة الغرب الشيطانية ، وتنظيم تحالفات الامة في العلاقات الدولية ، بشكل ثوري ومرن بما يجعل منها
"جسرا جديداً للنصر "
ولكن هذه المرة دون السماح لاي قوة اجنبية، حتى بالنظر بعيونها الى حدود وسيادة ايران ناهيك عن اجتياحها وتبديل راس القيادة فيها ، كما فعلت في اوج تحولات الحرب العالمية الثانية…
في منشوره الجديد الذي يعمل به حالياً كما يفترض، يلخص فيه خامنئي شروط الصعود الى النصر الحاسم، في سبع فصول ، هي زبدة دروس تجربة الصعود والهبوط التجريبي لثورة ايران الاسلامية التي انطلقت من الصفر وبنت كل انجازاتها بختم ودمغة "صنع في طهران"..
يرى هذا القائد المتطلع لفتح خيار ثالث بين عالم يأفل فيه نجم اقطاب الهيمنة الدوليين التقليديين ، ان الفرصة باتت سانحة للايرانيين الذين خاضوا معه تجربة صمود نادرة ، ان بامكان هذا الخيار القيام بخطوات جديدة واعدة وقادرة على شق طريق الصعود الى النصر، على صعيد المنافسة والحضور الفاعل على المستويين الاقليمي والدولي ..
ويرى ان ما كرسته انجازات سلفه القائد الكبير الامام الخميني الراحل والحرس القديم من كوادر الثورة ، قادرة عمليا اليوم بالاستمرار ،بشرط امساك الشباب بالسلطة من الان فصاعدا لياخذوا بسفينة الثورة وخيارها، لتصبح البديل الناجع والمنقذ لعالم بدأت اقماره التقليدية تأفل ونماذج تنميته القديمة تتكسر وتتهافت امام تحديات الوعي العالمي المتنامي في تبني فكرة رفع علم الروح، مقابل راية المادة و منظومة التدين مقابل تهافت الفكر الايديولوجي الغربي ...
الاكثر تحدياً في هذا المضمار، كما يرى الامام الخامنئي هو ان قطار الخيار الثوري المقاوم ،صار هو القطار الاكثر امناً واماناً والاكثر حصانة في مواجهة موجات الرياح العاتية في الميدان الدولي، بحيث ان لا احد بات باستطاعته، بعد كل الذي حصل ان يوقف هذا القطار في اي محطة من المحطات الثورية ، لشعوب وامم وجماعات عديدة تتمركز في سواحل وشطئان ومضائق وخطوط طول وعرض جغرافية وتاريخية استراتيجية نادرة...
من هنا وحتى يكتب الله امراً كان مفعولا، فان من اهم شروط مواصلة المسيرة التقدمية الصاعدة نحو القمة ، وتجاوز عنق ومنعرج صعود الجبل الشاهق ، يرى الامام الخامنئي ، ان على الجيل الاول من الثورة ان يرمي الحبل المتين الى جيل الشباب تاركاً اياه الامساك برسن التوجيه والادارة وخوض تجربة الصعود الثانية نحو الاعلى باعتباره الضمانة الحقيقية لتواصل الاجيال و الشرط الضامن لاستمرا نجاح التجربة باكملها....
ولعل حجر الزاوية في ما ورد في البيان الاستراتيجي الذي أصدره قائد الثورة الاسلامية، الامام الخامنئي في منشوره الآنف الذكر "الخطوة الثانية للثورة الإسلامية" قبل نحو ٤ سنوات والمعمول به الان هو التالي :
*"تواجه إيران المقتدرة اليوم أيضاً كما في بداية الثورة تحديات يخلقها لها المستكبرون، ولكن بفارق ذي مغزىً كبير. فإذا كان التحدي مع أمريكا في ذلك الحين حول قص اذرع عملاء الأجانب أو إغلاق سفارة الكيان الصهيوني في طهران أو فضح وكر التجسس، فالتحدي اليوم سببه ، هو تواجد إيران المقتدرة على تخوم الكيان الصهيوني وإنهاء النفوذ غير الشرعي لأمريكا في منطقة غرب آسيا ودعم الجمهورية الإسلامية لكفاح المجاهدين الفلسطينيين في قلب الأراضي المحتلة والدفاع عن الراية الخفاقة لحزب الله والمقاومة في كل هذه المنطقة. وإذا كانت مشكلة الغرب في ذلك الحين الحيلولة دون شراء أسلحة بدائية لإيران فإن مشكلته اليوم الحؤول دون نقل الأسلحة الإيرانية المتطورة لقوات المقاومة.
وإذا كانت أمريكا في ذلك الحين تظن أنها ستستطيع بعدد من الإيرانيين البائعين لذممهم وبعدة طائرات ومروحيات التغلب علي النظام الإسلامي وشعب إيران، فإنها اليوم تجد نفسها لمواجهة الجمهورية الإسلامية سياسياً وأمنياً بحاجة إلي تحالف كبير من عشرات الحكومات المعاندة أو المرتعبة، وهي البتة سوف تنهزم في المواجهة رغم ذلك.
إن إيران بفضل الثورة تقف الآن في مكانة سامقة ولائقة بالشعب الإيراني وفي أنظار العالم، وقد تجاوزت الكثير من المنعطفات الصعبة في قضاياها السياسية..."*
هاهي اذن ثورة المستضعفين العالمية والعابرة للامصار والاقطار. ، وبعد اربعة واربعين ربيعاً ايرانياً ، تغسل اقدامها في المياه الساخنة من هرمز الى بابب المندب الى شواطئ البحر المتوسط لتقول للعالم اجمع :
ولى زمن الاسكندر وكسرى والناتو ووارسو
والقوميات المتناحرة
وجاء زمن بدر وخيبر
فهلموا يا شباب العرب والمسلمين على خير العمل
لتحقيق قيامة فلسطينية تختصر انتصار القسط والعدل في العالم على الظلم والطغيان على امتداد التاريخ البشري ...!
وثورة حتى قيام القائم
بعدنا طيبين قولوا الله