كتب الأستاذ حليم خاتون:
فجأة، ومن دون سابق إنذار، وبرعاية صينية، اتفقت إيران والسعودية على إعادة فتح السفارتين بين البلدين اللدودين...
الوضع الدولي معقد إلى درجة أن الدراسة التي نشرها موقع إضاءات فجر أمس العاشر من آذار لمركز فيريل للدراسات في برلين كادت تعلن قيام الحرب الإقليمية الدولية الكبرى بين محور الممانعة بقيادة إيران من جهة، ومحور الشر العربي الصهيوني بدعم أميركي من جهة أخرى...
وكان موقع إضاءات نشر في اليوم السابق مقالة للاستاذ طارق ابو بسام تُظهر أن منطق الأمور يبين بما لا يدع مجالا للشك أن الهجوم الاسرائيلي ضد إيران صار على بعد خطوات... وأن الشيء الوحيد الذي يُبعًد تاريخ بدء الاشتباك هو محاولة اسرائيل تجنب اشتعال كل الجبهات في آن واحد، وهذا أمر شبه مستحيل؛ لذلك سوف يتم اللجوء إلى حرب خاطفة متعددة الرؤوس كما حصل مع العرب سنة ٦٧ بحيث لا تقوم للخصم قائمة ذات وزن بعد الضربة الأولى...
من أجل هذا، لا بد من الهجوم على إيران انطلاقاً من عدة قواعد في عدة بلدان تجاور إيران في الخليج وفي أذربيجان وحتى من مناطق كردية محددة من داخل العراق...
من أجل هذا شملت زيارات المسؤولين الأميركيين بالإضافة إلى الكيان، كل من مصر والأردن والعراق وتركيا والخليج...
كما من غير المستبعد أيضا دخول القواعد الأميركية والاسطول الأميركي في الصراع كجزء من الحرب العالمية الثالثة غير المعلنة التي تدور رحاها اليوم على أرض أوكرانيا...
صحيح أن الإيرانيين نشروا قواعدهم ومفاعلاتهم في كافة أنحاء البلاد وجعلوا قسما كبيرا منها تحت الارض وفي انفاق وقواعد في قلب الجبال، وإن الفشل في النجاح من الضربة الأولى سوف يعني تعرض الكيان لمئات آلاف الصواريخ والمسيرات قبل حتى أن تستطيع الولايات المتحدة فرض وقف لإطلاق النار يجنب تدمير قلب الكيان في غوش دان الذي قد لا يحتاج إلى أكثر من عدة آلاف من الصواريخ الدقيقة لمحو قلب الاقتصاد الاسرائيلي القائم على التقنية عالية الدقة (High-tech) رغم صعوبة هذا الاستهداف لصناعة شبه غير مرئية...
من المؤكد أن اسرائيل لن تجرؤ على مهاجمة إيران إذا لم تحصل على ضوء أخضر أميركي...
هل أعطى الاميركيون هذا الضوء؟
نظرة سريعة إلى الوضع العالمي تظهر أن الأميركيين باتوا على يقين أن روسيا في أوكرانيا لن تتوقف مهما كان الثمن...
كل الحديث الدائر حول هزيمة روسيا ليست أكثر من بروباغاندا غربية تستبق السقوط الكبير للجيش الأوكراني الذي رغم الشجاعة الكبيرة التي أبداها في القتال، لا يمكن إلا وان يكون بين صفوفه قوات خاصة اطلسية تقوم على الأقل بإدارة الجبهات على الخطوط الخلفية...
لكن سقوط باخموت وفقاً لكل التقديرات العسكرية سوف يؤدي إلى شق الجيش الأوكراني إلى قسمين شمالي وجنوبي مما سوف يسهل على إمكانية أعادة اقتحام المدن التي كان الروس انسحبوا منها لعدم الوقوع ضمن طوق...
في هذه الحالة، الجيوش الأوكرانية هي من سوف تتعرض للتطويق من قبل قوات لم تعد تستعمل عتادا سوفياتيا قديما، بل احدث ما خرج ويخرج من مصانع السلاح الذي كان الروس يطورونه في السنوات الخمس عشر الأخيرة بعد إخراج المراقبين الغربيين الذين كان بوريس يلتسين وافق على نشرهم في كافة المؤسسات تحت بند إعادة تأهيل الاقتصاد الروسي الذي كان قائما على نظرية ملكية الدولة لكل وسائل الإنتاج...
في حقيقة الأمر، كان المستشارون الغربيون مجرد أداة تجسس ونهب وتخريب للاقتصاد الروسي باسم الخصخصة...
صحيح أن الروس يستعملون بكفاءة عالية مسيرات شاهد الايرانية التي أنهت أسطورة بيرقدار التركية وهاربر الاسرائيلية على الجبهة في أوكرانيا... إلا أن هذا لم يمنع الروس من ارسال دفعة من قاذفات سوخوي الحديثة مع منظومات دفاع جوي حديثة جداً ومتطورة جداً أيضاً إلى طهران في المقابل...
هل إيران على استعداد؟
يبدو أن الإيرانيين وجهوا رسالة شديدة اللهجة إلى أذربيجان بعد وصول مجموعة من طائرات ف-٣٥ (الشبح) إلى أكثر من قاعدة في أذربيجان ما دفع إقبال علييف إلى الإعلان أن بلاده لن تكون قاعدة لأي هجوم ضد طهران خوفاً من غضب شعبي عارم من شعب يرتبط عاطفيا بإيران...
من تابع الأحداث الأخيرة في الداخل الإيراني يعرف جيدا أنه جرى التركيز على محاولة بث شعور التفرقة والنفور خاصة بين الأكراد والاذريين والبلوش والعرب في محاولة لتفكيك الدولة الإيرانية التي لا يشكل العنصر الفارسي فيها أكثر من سبعين في المئة بين أعراق ومذاهب واديان متفرقة...
لهذا قامت إيران بتوجيه رسالة مع صور تظهر مواقع وجود الرؤوس النووية والأسلحة الكيماوية والبيولوجية في الكيان من أجل ردع الكيان قدر الإمكان خوفا من عنصر المفاجأة...
هل كانت غزة على علم بما يدور؟
هل كان حزب الله في لبنان؟
من المؤكد أن السيد نصرالله الذي تحدث عن تأزم الوضع وتعقده أكثر من مرة كان يتهيأ لهذا الخيار...
من هنا ربما جاء التسريع بطرح ترشيح رئيس تيار المردة للرئاسة...
إذا نجحت الصين في فك الشيفرة السعودية فعلاً هذا سوف يعني فك إمكانية الهجوم على إيران والنجاح بالتالي في فك صاعق التفجير في أكثر من موقع ما سوف يعني تساهلا سعوديا يتم على أثره وصول سليمان فرنجية إلى الرئاسة...
في الحالة المعاكسة، سوف يعرف محور الممانعة أن الخطة الأميركية الاسرائيلية لا تزال على قيد الحياة وان عليه التهيوء لأسوأ السيناريوهات...
هل في كل هذا سذاجة ما؟
ممكن...
هل يمكن الفصل بين ما يحدث في أوكرانيا وما يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط؟
الأرجح لا...
هناك إشارات قد تبدو متناقضة...
من جهة هناك الرسالة الأوروبية لزيلينسكي تدعوه فيها إلى السعي للتفاهم مع روسيا وهو ما يعني الانفراج هناك الذي سوف يترافق مع الانفراج الإيراني السعودي عندنا...
لكن هل يمكن أن يكون الأمر مجرد خدعة لإبطاء الخطط الروسية وإبعاد هجوم الربيع قدر الإمكان بانتظار وصول دبابات ابرامز وليوبارد ٢ الحديثة والمدافع الذكية والذخائر التي بات الجيش الأوكراني يفتقد إليها بعد أكثر من سنة من حرب طاحنة لا يتوانى الروس فيها عن الزج دوما بحيوش طازجة غير متعبة في الوقت الذي لا يستطيع الاكرانيون فعل الشيء نفسه...
لقد خدع الغرب الروس أكثر من مرة...
خدعهم في ليبيا...
خدعهم عبر اتفاقية مينسك التي كانت تبتغي شراء الوقت لأوكرانيا كما صرحت بذلك المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل...
من جهة اخرى، هناك تدفق أسلحة لا يتوقف على أوكرانيا وتمويل لا ينضب فاق في سنة واحدة ١٥٠ مليار دولار دخلت مباشرة في الحرب ومئات المليارات من الدولار يتم صرفها لتهدئة الشعوب الأوروبية التي باتت تعاني من مستويات تضخم تثقل كاهلها وتدفع بها إلى الشوارع في فرنسا وفي ألمانيا حيث باتت النقابات تطالب بزيادة على الأجور بنسبة ١٠,٥٪ على أن لا تقل الزيادة عن ال ٥٠٠ يورو لكل راتب... (يذكًر هذا الأمر بتخبط زيادة الرواتب في لبنان من داخل الإنهيار)...
هناك أيضا الهجمات الاسرائيلية التي لا تتوقف على سوريا والتي باتت تطال القوات الإيرانية بشكل أكثر من السابق..
أخر هذه الهجمات كان على كفر سوسة في الشام وفي حلب...
وإذا صدق الكاتب جوني منير، فإن الكيان قد استهدف لبنان قبل فترة بقذيفة مدفعية لم يتطرق إليها أحد في الإعلام، بالإضافة إلى ما حصل مؤخرا في عيتا...
يضاف إلى كل ذلك، التحرشات الأميركية التي لا تتوقف ضد الصين...
المنطق يقول إن الطرف الغربي يفقد كل يوم يمر شيئا من القوة الكامنة عنده، حتى بات الأمر محيرا في من يستنزف من في أوكرانيا...
في هذا الوقت تُراكم الصين من القوة كل يوم أكثر وفقاً لنظرية "إذا تقاتل نمران، سوف يفوز السعدان"...
تقول مراكز الدراسات في الكيان أن كل يوم يمر يعني صعوبة اكبر في استهداف إيران وإلحاق الهزيمة بها...
لذلك لجأ الغرب إلى حروب غير مباشرة ضد إيران وضد لبنان، وإلى دخول مباشر في سوريا والعراق وحتى اليمن كما تشير آخر الأخبار عن قواعد هناك على نفس نسق ما حصل في مثلث التنف في سوريا...
القائد الذكي سواء في روسيا أو في إيران أو في لبنان، هو الذي يعمل للحرب وكأنها واقعة غداً، ويعمل لبناء الذات وبناء الداخل وكأن هذا الوضع مستمر لفترة طويلة جدا...
من المؤكد أن الروس والايرانيين وحزب الله وسوريا وغزة واليمن والحشد الشعبي لا يتوقفون عن العمل وكان الحرب واقعة غدا لا محالة...
لكن يبقى الوجه الاخر من الحكمة التي تفترض العمل على بناء الدولة الوطنية القوية القادرة على الحفاظ على الجبهة الداخلية كي لا نصل إلى أي تفكك بين قيادة لا تفكر إلا بالستراتيجيا وشعوب تفقد الأمل كل يوم أكثر تحت وطأة البروباغندا والفساد والعجز في كل البلاد على حد سواء...
حليم خاتون