كتب الأستاذ حليم خاتون:
ما تردده أوساط قيادية في حزب القوات اللبنانية، تقول به أيضاً أوساط قيادية من التيار العوني:
"لا مشكلة مع شخص الوزير سليمان فرنجية... الاختلاف معه في السياسة"، هذا ما يردده الطرفان...
لكل من سمير جعجع وجبران باسيل حسابات ينطلق منها للوقوف ضد الوزير فرنجية...
آخر هذه الحسابات هي المبادئ والسياسة...
سمير جعجع الذي هادن السوريين ومشى باتفاق الطائف ولم يتأخر عن القيام بواجب العزاء في القرداحة في سوريا، لا يستطيع الحديث كثيرا عن مبدئية العداء لسوريا...
كل المسألة، هي في قوة سوريا، وفي لحظة المساومة التاريخية بين سوريا من جهة، والسعودية وأميركا من جهة أخرى...
إذا كان سمير جعجع يستطيع الاختباء وراء ورقة تين بالية ممزقة لا تخفي الكثير، فإن جبران باسيل لا يستطيع حتى إيجاد أي شيء يخفي فيه خوف الرجل من قوة شخصية الوزير فرنجية وجذوره الشمالية حيث منبت المارونية السياسية وبالتالي الخوف من أن يخطف فرنجية كل الوهج ويترك باسيل في العراء في منطقة البترون الشمالية...
الرجلان يخافان ليس على لبنان، ولا على اي اختلاف مبدئي أو سياسي... كل ما في الأمر أن الثلاثة يأتون من نفس العرين الماروني الشمالي وان فرنجية قادر على سحب جزء مهم من شعبية الإثنين إن هو تبوأ رئاسة الجمهورية... وكذلك قائد الجيش، أي يكن هذا القائد...
في لبنان، لا يتمتع معظم السياسيين بأية مبدئية سياسية...
سمير جعجع وجبران باسيل ليسا استثناء عن قواعد الميكيافيلية عند ساسة لبنان...
لكن هذا لا يضع القوات اللبنانية والتيار في نفس الموقع المعارض لمجيء سليمان فرنجية إلى الرئاسة...
كل يعارض من موقع مختلف عن الآخر...
جعجع ينطلق من الموقع السعودي المعادي لمحور الممانعة...
لكن جعجع يفهم جيداً قواعد اللعبة...
اتفاق السعودية وإيران لم يجر في واشنطن...
ضمانة الاتفاق المذكور صينية وليست أميركية...
العداء الأميركي الإسرائيلي لما حصل وصل إلى حد اعتبار فيلتمان أن هذا الذي حصل كان صفعة على وجه الرئيس الأميركي بايدن...
الذي وجه الصفعة لم يكن الصينيون ولا الإيرانيون... هؤلاء أعداء لأميركا ومن الطبيعي أن يوجهوا لها الصفعات...
لكن ألم الصفعة جاء من السعودي الذي يبدو أنه يرد على الكلام الفظ المهين الذي يردده الاميركيون دوما حول أن ملوك وأمراء الخليج لا يستطيعون البقاء في السلطة لولا الحماية الأميركية...
قررت السعودية الرد على الأميركيين والعمل وفق مصالحها، وليس وفق مصالح اسرائيل التي يضعها الاميركيون دوما فوق أي اعتبار آخر...
هنا يقف جعجع بين موقفين:
أميركي وسعودي...
مع من سوف يقف؟
مع السعوديين الذين كادوا يجعلون منه زعيم السنة في لبنان ووريث بيت الحريري؟
ام مع الأميركيين الذين ضحوا به أيام رفيق الحريري ورموا به في السجن إحدى عشرة سنة...؟
ثم إن الأميركيين ليسوا خصوما لسليمان فرنجية وزيارات السفيرة الأمريكية لم تنقطع يوما عن بنشعي...
الاميركيون براغماتيون وليس لهم صاحب...
بينما السعوديون هم أصحاب المال وهم من اعتبر جعجع رجل السعودية في لبنان...
في هذه الحالة مع من يمكن أن يلعب سمير جعجع؟
الوضع مع جبران باسيل يختلف بعض الشيء...
جبران يسعى إلى احتكار كل السياسة وكل المبادئ لصالح شخصه هو...
لكنه براغماتي أكثر من ميكيافيلي...
"إذا لم يكن ما تريد، أرد ما يكون" هذا من أهم نتائج مبدأ ميكيافيلي في "الغاية التي تبرر الوسيلة"...
هل يمشي جبران مع فرنجية ويعود إلى التحالف الوحيد القادر على إيصاله يوما إلى الرئاسة كما أوصل الرئيس ميشال عون...؟
أم يمشي إلى الاخير في معاداة حزب الله طمعا في الخروج من خيمة العقوبات الأميركية...؟
جبران ليس غبيا...
هو أكثر ذكاء من سمير جعجع بكثير...
هو قرأ يوماً أن طريق ميشال عون إلى الرئاسة تمر من حارة حريك...
هو يعرف جيدا أنه إذا مشى مع الأميركيين، سوف يكون عاريا تماماً... حتى من ورقة التين...
لأن جبران ذكي جدا عليه عدم كسر الجرة تماماً خاصة بعد ذهاب السعوديين إلى بكين...
مع حزب الله، لا يوجد شيكات بلا رصيد...
مع حزب الله لا ضرورة حتى لوجود شيكات...
حزب الله يرد دائما الديون باكثر مما تستحق..
هذا ما فعله مع ميشال عون يوم أوصله إلى بعبدا...
حتى إذا لم يمتلك حزب الله أكثرية يمكن أن توصل؛ هو يمتلك دوما فيتو على من لا يريده أن يصل...
إذا كان حزب الله أخطأ مع ميشال سليمان، فإن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين...
جبران ذكي ويعرف جيداً أن غلطة الشاطر بألف...
فهل يستمر في الغلط أم ...؟
هو أيضاً، يستطيع لعب دور مزدوج كما السعودية...
"رجل في البور، ورجل في الفلاحة"...
الأذكى بين سمير جعجع وجبران باسيل هو ذلك الذي يجد تفسيرا ملائما للسير خطوة باتجاه فرنجية...
أذا كانت النصيحة في الماضي بجمل، هي اليوم "ببلاش"...
والنصيحة تشمل الثلاثة:
سليمان فرنجية، سمير جعجع، وجبران باسيل...
قيام تفاوض مباشر أو غير مباشر مع فرنجية لتوقيع تفاهم مع "المردة" حول انتشال البلد من الإنهيار...
هذا ما يجب أن يكون الخطوة الأولى...
رغم كل العصبية المارونية عند الثلاثة، مصلحة المسيحيين هي في قيام نظام علماني بالمطلق في لبنان...
العلمانية هي حصن الأقليات...
هكذا كانت وهكذا سوف تكون...
أكثر الاتراك تشددا في علمانية أتاتورك هم العلويون في تركيا...
العلمانية هي نعش الطائفية السياسية...
العلمانية هي النظام الوحيد القادر على وقف العد فعلاً ومنع عودة السنية السياسية او بروز الشيعية السياسية...
لبنان بحاجة للحفاظ على عرف الرئاسات الثلاث تماما كما أن فرنسا العلمانية ترجح دوما كفة الكاثوليكي في انتخابات الرئاسة... هذا عرف بقوة القانون...
مصلحة الأقليات دوماً هي في انتظام الدولة وقوة أجهزتها الأمنية ومنعتهم العلمانية...
مصلحة الأقليات هي في تفتيت الاكثريات، ومنع الزبائنية...
باختصار، الديموقراطية ضمن حفظ المناصفة عدديا في الحكومة والبرلمان هي ضمانة عدم ديكتاتورية الأكثريات العددية...
ديمقراطية بيضة القران تسمح للأقليات لعب دور أكبر من الواقع العددي...
الدليل ظاهرة التأثير الدرزي في لبنان...
بيضة القبان مع وليد جنبلاط وقيادة التغيير والإصلاح عند الحاجة، كما مع كمال جنبلاط...
المعادون لسليمان فرنجية يخرجون كل يوم للقول إن أميركا تعارض وصول الرجل إلى الرئاسة وان السعوديه وضعت فيتو واضحا جدا ضد الرجل بالإسم...
فقط الاغبياء من الأميركيين أو السعوديين هم من يمكن أن يفعل شيئا من هذا القبيل...
هل يوافقون على سليمان فرنجية ويقبضون الثمن ام يرفضون الرجل ويدفعون الثمن...؟
الدول تتصرف وفق مصالحها؛
تتقدم حينا وتتراجع أحياناً...
حسب الظروف...
المهم أن اتفاق السعودية مع أيران جرى في بكين...
هذا دفعة قوية جدا لسليمان فرنجية ولكنه ليس كارت بلانش...
سليمان فرنجية يحظى بدعم الثنائي الشيعي بالكامل...
عنده من النواب المسيحيين ما يعادل كتلة تتراوح بين ١٢ و١٧ نائبا شاء جعجع وجبران أم لا...
عنده من نواب السنة أكثر من النصف زائدا تعاطفاً شعبيا سنيا يرى فيه ابن العروبة الشمالي الذي رفض التعامل مع اسرائيل، والذي ينظر دوما صوب العالم العربي...
ما يحتاجه سليمان فرنجية هو الخروج ببرنامج واضح يعمل على فرملة الإنهيار على الأقل عبر إقناع الطبقة السياسية والمالية بقوة القانون، على التبرع بنصف ما نهبت في صندوق إنقاذ...
دون اللجوء إلى طريقة محمد بن سلمان وفندق الريتز...
كلام بالحسنى مع إظهار العصا...
المطلوب ليس مستحيلاً...
يحتاج لبنان الى أقل من ثلاثين مليار دولار على ستة سنوات من الفترة الرئاسية من أجل ضمان عشرين ألف دولار سنويا لكل مودع...
هذا، إلى جانب فرض قوانين صارمة أمنيا عبر إعلان حالة طوارئ مالية واقتصادية تطال كل من يضارب على الليرة بعد ضبط وضع المصرف المركزي وتعيين رجل قادر على السحب التدريجي لمعظم ما قام هذا المصرف بطباعته في السنوات السبع الأخيرة...
مطلوب من الوزير فرنجية ليس مجرد الخروج وإعلان ترشحه للرئاسة في مؤتمر صحفي؛ المطلوب هو الخروج ببرنامج واضح يستميل قلوب اللبنانيين فيفرض أمرا واقعا يجعل من كل من يقف في وجهه عدوا للشعب قبل أن يكون عدوا لرئاسة سليمان فرنجية...
لو كان بالإمكان إيجاد رجل ثوري لمرحلة ثورية مع وجود حزب ثوري... ما كان عز على قلب كاتب هذه السطور...
لكن الواقع يفرض التعامل مع الموجود...
على الاقل، فليكن المطلوب هو افضل الموجود، وسليمان فرنجية بالتأكيد افضل من كل الطاقم القديم وافضل بأشواط من بعض الانتهازيين الذين انتحلوا صفة التغيير ولا يتقنون أكثر من لعب دور الكومبارس في مسرحية "الزعيم" أو "شاهد ها شفش حاجة"، لعادل إمام...
حليم خاتون