أعيد هنا نشر مقالة كتبتها في عام ٢٠٢١ في ذكرى استشهاده.
و أضيف عليها.
أن هذه الذكرى تأتي في هذا العام في
ظل مجموعة من التطورات الدولية
و الإقليمية والمحلية سيكون لها انعكاسات كبيرة على مستوى المنطقة والعالم ككل.
نشير إلى اهمها بعجالة.
١_ تراجع الدور الأمريكي على المستوى العالمي كون الولايات المتحدة لم تعد تتحكم في العالم كما تشاء ،كما كانت عليه الأوضاع في الفترة السابقة خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة التي أعقبت انهيار الإتحاد السوفيتي و سيادة القطب الواحد ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية.
٢_استعادة روسيا لدورها العالمي و العودة للمسرح الدولي كلاعب رئيسي في اعقاب الحرب في جورجيا عام ٢٠٠٨ وبعد استعادة جزيرة القرم في عام ٢٠١٤ وتنامي دورها في الشرق الأوسط بعد ارسال القوات الروسية الي سوريا لمحاربة داعش والإرهاب
وتكرس هذا الدور بقوة أكبر بعد العملية الخاصة في أوكرانيا في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو ومن معهم.معلنة من خلال التحالف مع الصين و الشركاء الآخرين نهاية نظام القطب الواحد وبداية عالم متعدد الأقطاب .
٣_تقوية العلاقات الروسية _الصينية وتكريس التحالف الاستراتيجي بينهما في مختلف المجالات.
٤_تزايد النفوذ الصيني عالمياً خاصة على المستوى الاقتصادي بحيث اصبح يتنافس بقوة مع النفوذ الأمريكي و بات يهدده بقوة، و يتفوق عليه في الكثير من مناطق العالم .وهذا ما ظهر جلياً من خلال المشاريع الكبرى والاتفاقات التجارية التى عقدتها مع الكثير من الدول في اسيا و افريقيا وامريكا اللاتينية وغيرها.
٥_ تزايد حدة التناقضات داخل دولة الكيان الصهيوني و وصولها إلى هذا المستوى لأول مرة منذ تاسيس الدولة واشتراك الجيش في عملية الصراع ،حيث باتت هذه الصراعات تهدد وجود الكيان بشكل كبير و تضع علامة استفهام حول مستقبله.خاصة بعد فوز اليمين المتطرف في تشكيل الحكومة بعد الإنتخابات الأخيرة.
وهذا ما نشاهده اليوم في الشارع حيث تعم المظاهرات والاحتجاجات المدن والشوارع ويشارك فيها مئات الآلاف مما رسم علامة استفهام على مستقبل دولة الكيان.
٦_ التطور النوعي في العمل الفلسطيني المقاوم في الفترة الأخيرة وفشل كافة الإجراءات الأمنية ( الإسرائيلية) والتنسيق الأمني في الحد من عمليات المقاومة .حيث باتت تبشر بدخول مرحلة نوعية جديدة.
في ذكرى رحيل القائد الاستثنائي وديع حداد
في مثل هذا اليوم من عام ١٩٧٨ رحل عن عالمنا القائد التاريخي الاستثنائي والمميز، الدكتور وديع حداد.
نعم رحل القائد والثائر المتمرد، رحل فارس الفرسان، رحل من ادخل الرعب في قلوب الاعداء، رحل من ادخل استراتيجية جديدة في مواجهة الاعداء. استراتيجية وراء العدو في كل مكان، رحل من حمل القضية الفلسطينية الى كافة انحاء العالم، رحل من كنا في زمنه نخيف ولا نخاف، واصبحنا اليوم نخاف ولانخيف، رحل صاحب المدرسة الاممية المناضلة.
رحل القائد القومي والعروبي الكبير، احد مؤسسي حركة القوميين العرب مع رفيق دربه وتوأمه الدكتور جورج حبش، وأحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وديع حداد لم يكن قائدا عاديا بل كان قائدا استثنائياً لقضية استثنائية، استثنائياً في تفكيره وتخطيطه وممارسته وتواضعه وإبداعه. وقد تولى عدة مواقع قيادية في حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية.
ولد وديع حداد في مدينة صفد عام ١٩٢٧، هذه المدينة التي عاش فيها واحبها، كما احب كل فلسطين، وهو من قال لو عرض عليّ إستعادة فلسطين دون صفد لما قبلت، ولوعرض استعادة فلسطين دون بيتنا في صفد لما قبلت ايضا، اريد واعمل لاستعادة فلسطين كل فلسطين ولن اتخلى عن حبة تراب منها.
ابعد وديع مع عائلته بعد قيام دولة العدو الى لبنان وفيها درس الطب في الجامعة الامريكية وتخرج منها،
افتتح عيادة لمعالجة المرضى مع رفيقه الحكيم في منطقة الاغوار في الاردن، سميت بعيادة الفقراء، وكانت تقدم العلاج والأدوية مجانا، وكان يستفيد من هذه العيادة في اقامة العلاقات مع الجماهير والشباب وتجنيدهم لصالح العمل الوطني الفلسطيني.
هو صاحب شعار وراء العدو في كل مكان، والعمليات الخاصة التي قام بالتخطيط لها وتنفيذها في الخارج، ومنها عمليات اختطاف الطائرات، وعملية اوبك، والكورال سي وغيرها، وعملية مطار اللد الشهيرة مع الجيش الاحمر الياباني وعملية سينما حين التي نفذها مظفر الايراني الجنسية. الي جانب تزويد الداخل بالسلاح.
في عمليات خطف الطائرات كان وديع يريد ان يبرز القضية الفلسطينية عالمياً وامام الراي العام العالمي وتعريفه بها، وليس هذا فحسب، بل كان يريد من هذه العمليات تحرير الاسري من سجون العدو بعد ان تزايدت اعدادهم وكان يؤمن انه لايمكن تحريرهم الا بالقوة.
ونقول بكل ثقة لوكتب لوديع ان يعيش لفترة اطول لما بقي السجناء يقبعون في سجون العدو حتى الان،
ومن المعروف ان اول عملية تبادل للاسرى بين دولة العدو مع المقاومة تمت مع الجبهة الشعبية اثر اختطاف اول طائرة في عام ١٩٦٨وتحويلها الى مطار الجزائر.
تعرض وديع لعدة محاولات اغتيال فاشلة كان ابرزها عملية قصف بيته بواسطة الصواريخ في بيروت
الا ان إسرائيل نجحت في اغتياله حسب اعتراف الموساد بالتعاون مع المخابرات الامريكية واجهزة مخابرات عربية عن طريق السم.
اختلف وديع مع قيادة الجبهة الشعبية عندما قررت وقف العمليات الخارجية في مطلع السبعينات كونها ادت الغرض منها، الا ان وديع لم يقتنع بذلك واستمر في تنفيذها مما ادي الى اتخاذ قرار بفصله من الجبهة، والحقيقة ان القرار كانت تكمن وراءه اسباب أخرى غير معلنة لا داعي للحديث فيها من خلال هذه المقالة.
المهم ان ردة فعل وديع على قرار فصله أنه كان يقول (نعم انا عضو في الجبهة الشعبية بمرتبة مفصول)، وقد اعيد الاعتبار له في المؤتمر الرابع للجبهة الشعبية الذي عقد في بيروت عام ١٩٨١.
نعم لقد ظلم وديع حداد بهذا القرار وكان مجحفا بحقه وظلمت الجبهة ايضا وكما قال الشاعر المظلوم طرفة بن العبد (وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـد).
لم يكن وديع محبا للظور ولا للكلام، وانما كان يعمل بصمت وإتقان، اعماله كانت تتكلم نيابة عنه حيث كان يرتعد منه العالم ويصغي اليه دون ان يتكلم بكلمة واحدة.
نعم ما أعظمك يا وديع، وما احوجنا اليك في هذه المرحلة التي تحولت المقاومة من ثورة الى ثروة وساد الفساد ونهج المساومة والتنازل واصبحت الخيانة فيه وجهة نظر ونقول لك، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
تعرفت على وديع حداد شخصيا عن قرب وقابلته عدة مرات، ودعاني الى بيته مع عائلتي لتناول الطعام في بيته، وهذا ما قلّ ان يحصل، وقد لمست منه التواضع الكبير الذي يتمتع به وحب النكته والروح المرحة، كان قاسيا الى درجة الحزم ومتواضعا لطيفا ودودا الى درجة ان من يقابله ويتعرف عليه بشعر ان له من اسمه نصيب.
كان انسانا بامتياز رغم الصورة التي تحيط به
زرته مرات عديدة في مقر عمله في بغداد، وكانت اخر مرة قبل استشهاده باقل من شهرين. ولم يخطر في بالي ان هذا اللقاء سيكون الاخير. كان كثير العمل، لا يكاد يهدأ او يستريح واذا ماشعر بالتعب كان يغفو لعدة دقائق على كرسيه الذي يجلس عليه ثم ما يلبث بعدها ان ينهض لمتابعة عمله.
كان عمليا وعلميا. عبقريا، وطاقة لامثيل لها، دقيقا لايقبل الفشل.
وكان ذو حس إنساني حتى مع أعدائه، وهو من كان يصدر اوامره لمنفذي العمليات، خاصة الطائرات المخطوفة، لا تقتلوا المدنيين حافظوا عليهم ولا تطلقوا الرصاص الا دفاعا عن النفس، نحن نريد عملية التبادل والافراج عن اسرانا.
وكان دائما يردد جملته الشهيرة (في العمل الثوري لايوجد مستحيل وكلمة مستحيل لا توجد الا في قاموس الاغبياء)ز
كان يقول للرفيقة ليلى خالد، اطال الله في عمرها وشافاها، تلميذته ورفيقة دربه كما روت في احد مقابلاتها، لا اريد ان اموت على السرير اريد ان اموت في ساحات المواجهة والقتال وبالرصاص واذا مرضت ساقول لك متى تطلقي عليّ الرصاص.
ونحن نكتب عن وديع لابد من الكتابة عن الدروس المستخلصة من تجربة الراحل الكبير، ونلخص بعضها بمايلي:
١- التاكيد على ان جبهة الاعداء جبهة واحدة ولا يمكن فصل احداهما عن الاخرى، الإمبريالية والصهيونية و(اسرائيل) والرجعية العربية، يشكلون جسدا واحدا وعندما تضرب اي منها تصيب الاخرين.
٢- التاكيد على الأهمية الكبرى لتشكيل جبهة اممية من مناضلي واحرار العالم للوقوف في وجه معسكر الاعداء، وهذا ماعمل على تحقيقه من خلال اقامة اوثق العلاقات معها وتقديم الدعم والتدريب وتنفيذ العمل المشترك. لقد شكل وديع تجربه اممية مقاتلة جمعت المناضلين من كل انحاء العالم لضرب واستهداف مصالح الاعداء، وهذه التجربة تستحق التوقف امامها ودراستها.
٣- اكدت تجربة وديع ان العدو لايفهم الا لغة القوة، ولايحترم الا القوي، وهذا ماحصل عندما كانت الكثير من الدول الغربية تتسابق لارسال الرسائل وعبر الوسطاء كي لا يضرب مصالحها وتستجيب لشروطه في الكثير من الحالات.
٤- اقام وديع حداد العلاقات مع الحلفاء على قاعدة الندية، وخدمة فلسطين اولا، وهذا ما أكدته التجربة مع العراق والجزائر واليمن ومع الاتحاد السوفيتي والمانيا الديمقراطية وغيرها من دول العالم. لم يكن تابعا لاحد وكان ياخذ قراره بشكل مستقل كان يحترمه الجميع ويتمنون أن يقيموا العلاقة معه لدرجة ان اندروبوف، رئيس الاتحاد السوفييتي سابقا، طلب اللقاء به وارسل له طائرة خاصة.
٥- تميّز وديع بدقة التخطيط ووضع الاحتمالات والإجابة عليها، ولم يترك اي مسالة مهما كانت صغيرة إلا واجاب عليها بشكل علمي، وبعد دراسة عميقة، بعيدا عن الارتجال والعاطفة، وهذا سبب نجاحه.
في ذكرى رحيلك ابا هاني ،ننحني اجلالا واحتراما لعظمتك ونضالاتك وللمدرسة في التي أسستها
نذكرك في هذه الايام التي تتسابق فيها الخيول المهزومة، وهي في الواقع بغال مسرجة على أنها خيول، بعد ان غادرت الساحة الخيول الاصيلة.
ونقول لك في يوم ذكراك اصبحنا الان نعيش في عصر اوسلو ومانتج عنه حيث اصبح الشعار ملاحقة المقاومين في كل مكان بدلا من وراء العدو في كل مكان
لوكان وديع حيا لمابقي اسرانا في السجون طوال هذه الاعوام، ولما بقي المناضل العروبي الاممي جورج عبدالله في السجون الفرنسية وكما حررت جورج حبش من سجنه لكنت حررت جورج عبدالله من سجنه ايضا. اقول ذلك وانا اعرف انك كنت اول من نفذ عملية لتحرير الأسرى من سجون العدو وانت من كنت تحرر الاسري في السجون الغربية باتصال هاتفي
نعم لقد رحل القائد والمعلم والثائر الاممي الذي استحق لقب جيفارا العرب والعالم
نعم رحل وديع حداد ولا ندري ماذا نكتب عنه ومن اين نبدا، هل نبدا من طفولته وايام النكبة وهجرته مع عائلته ام من ايام دراسة الطب ونشاطه السياسي، ام ايام تاسيس حركة القوميين العرب، وايام عيادة الفقراء، ام ايام سجن الجفر وتاسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد ذلك، ام عن المجال الخارجي والعمليات الخاصة ام عن وديع المقاوم الذي شغل العالم في حياته وبعد رحيله.
نعم ابا هاني كنت ثورة تجسدت في رجل وكنت رجلا بحجم القضية
كنت تؤمن ايمانا مطلقا بان المقاومة والعنف الثوري هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين. وكنت تقول من يعرف طريقا اخر يؤدي الى التحرير ليخبرنا عنه او يخرس للأبد
ستبقى خالد فينا، تسكن في قلوبنا وتنير لنا الطريق كما الشمس والقمر والنجوم من اجل تحرير فلسطين كل فلسطين
نم قرير العين سنواصل المسير رغم كل الصعوبات
قضيتنا ستنتصر وتعود فلسطين حرة عربية مستقلة
سلام لك يوم ولدت ويوم رحلت ويوم تبعث حيا
طارق ناصر ابوبسام
براغ، 28 آذار، 2021