كتب الأستاذ حليم خاتون:
صعب جداً إزالة لبنان عن الخارطة...
لكن تحويله إلى دولة فاشلة يسير على قدم وساق...
نحن اليوم في الثالث عشر من نيسان ٢٠٢٣...
تفصلنا عن ذلك اليوم المشؤوم، ثمانية واربعون عاما "بالكمال والتمام"...
١٣ نيسان ١٩٧٥...
من المفيد جداً الاستماع الى أراء الطرف الآخر بعد كل هذه السنين...
كريم بقرادوني، هو أحد مستشاري بشير الجميل، تماما كما كان ميشال عون أحد جنرالاته...
ربما لم يحمل بقرادوني البندقية كما بشير بالأمس، وسمير جعجع اليوم...
لكنه يبقى الرجل الذي كان في الجهة المقابلة...
أخذتني الحيرة في انتقاء عنوان هذه المقالة التي قد تحاكي بعض الوقائع بوجدانية من انقطع يوما عن الدراسة وحمل البندقية من أجل لبنان والمنطقة والإنسانية...
كان العنوان الآخر ربما أكثر ارتباطاً وأكثر تحديداً لما يحدث اليوم في لبنان والمنطقة:
سمير جعجع ليس اسوأ من محمد بن سلمان، وحزب الله ليس أكثر جذرية من إيران...
عنوان طويل بعض الشيء، لكنه أكثر ارتباطاً بالاحداث...
أعاد الاستاذ كريم بقرادوني تذكير الجميع بما كان هنري كيسنجر ينسجه لهذا البلد...
هي ليست نظرية المؤامرة، بقدر ما هي موقفين لكيسنجر من لبنان...
الموقف الأول هو أن لبنان دولة غير ضرورية، ويمكن الاستغناء عنه، وبالتالي حل مشاكل اسرائيل على حساب هذا البلد...
الموقف الثاني لكيسنجر هو أن المسيحيين ليسوا ضرورة في هذا الشرق، ويمكن شحنهم بالسفن إلى كندا وأستراليا وغيرها...
كان هنري كيسنجر يعرف جيدا أن توطين الفلسطينيين في لبنان سوف يؤدي إلى انهيار النظام العام القائم وتحويل البلد إلى دولة فاشلة...
لكن كل هم هنري كيسنجر كان ينحصر في مصلحة اسرائيل عبر إنهاء قصة حق العودة وربما حتى اكمال عملية الترانسفير لمن بقي من الفلسطينيين في الوطن المحتل إلى لبنان خاصة، وغيره من البلاد العربية...
بعد نصف قرن من الزمن، يجد لبنان نفسه مرة أخرى أمام نفس المعضلة...
هناك اتجاه عام لتحويل لبنان الى دولة فاشلة...
في الغرب عامة، وفي اميركا خصوصاً، هناك من يعتبر أن لبنان قابل للتحول إلى دولة فاشلة وأنه يجب العمل على هذا من أجل مصلحة اسرائيل، خاصة بعد التحول الهائل الذي شكله حزب الله الذي استطاع إفشال معظم المخططات الإمبريالية في المنطقة سواء عبر التدخل العسكري المباشر، أو عبر التعبئة والتدريب والدعم السياسي والمعنوي...
ماذا يحدث في البلد...؟
ماهي قصة الصواريخ ال ٣٤ التي أطلقت على الكيان...؟
الملفت هو عودة بعض اللبنانيين الى نغمة تحريم البندقية الفلسطينية...
صحيح أن عودة فوضى ياسر عرفات وبندقية ثورة للإيجار إلى جنوب لبنان، أمر مرفوض ١٠٠٪...
لكن الطلب إلى حزب الله أن يكون حرس حدود لاسرائيل ويمنع العمليات ضدها من منطلق هذه الحجة أمر آخر تماماً...
مقالتان بين الكثير من المقالات الصحفية، تلفتان النظر من موقعين لا يلتقيان إلا في التحذير من عودة فوضى السلاح...
يقف على رأس الموقف الأول الذي يضم كل المعادين لمنطق الممانعة، الاعلامي داوود رمال الذي وصل الأمر به إلى إدانة إطلاق الصواريخ على الكيان ومحاولة تحريض حركة أمل لمواجهة حزب الله عبر وضع هذا التحذير في يد وضمير الرئيس نبيه بري!!!...
الموقف الثاني أتى مع مقالة الكاتب نبيه البرجي في جريدة الديار عن الفدائيين في احضان الغانيات...
موقف البرجي يرفض أن تشكل هذه الصواريخ عودة لثورة الفنادق الفخمة والمطاعم...
باختصار، الثورة أو السلاح المهزوم سلفا، كما كان وضع منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في السبعينيات وحتى اجتياح ال ٨٢ الذي وصل إلى بيروت وأسقط ثاني عاصمة عربية بعد القدس في يد الاحتلال الكولونيالي الإسرائيلي... هو بالطبع أمر مرفوض...
كما ذكر الاستاذ برجي على لسان المناضلين الفيتكونج أن منظمة التحرير هي مشروع ثورة فاشلة، كذلك كان موقف تشي غيفارا بعد ذهابه إلى الكونغو الديمقراطية لمؤازرة الثورة هناك ثم تركها خائبا وقال كلمته الشهيرة أن رجالا يتواجدون بين أذرع الغانيات والخمر لا يصنعون ثورة...
لكن الموقفين معا، لا يرون أن هناك مستجدا على الساحة اسمه حزب الله...
رغم بعض المآخذ على هذا الحزب التي نكررها دائماً، يبقى هذا الحزب على نسبة ليست قليلة من النقاء الذي للأسف لم يخرج بعد بالكامل من بعض التقاليد العشائرية ووسخ الواقع الرجعي في لبنان...
المفروض أن يكون حزب الله ضمانة عدم عودة ثوار البارات والغواني...
الصواريخ التي أطلقت على فلسطين المحتلة ليست فوضى وليست بلا هدف ولا أثر كما يدعي البعض وعلى رأسهم داوود رمال...
كما أن هذه الصواريخ ليست تبادل خدمات مع نتنياهو كما أوحى نفس الكاتب ومقدمة البرنامج على الجديد، كلارا جحا...
سواء اعجب هذا الاستاذ رمال أم لم بعجبه، كانت هذه الصواريخ جزءا معبرا من زنار النار الذي يحيط بالكيان الغاصب...
يحتار المرء مع أعداء الممانعة هؤلاء...
إذا قام حزب الله بعمل ما يتهمونه بتعريض البلد للخطر...
وإذا التزم الحذر حيال بعض المواقف وتريث بالرد، يتهمونه بالجبن ويزايدون عليه...
المهم، في كل ذلك، التحذير من أمرين:
أولا، عدم تخوين المقاومة والانطلاق دوما من أن هناك قيادة تدرس كل المعطيات قبل اتخاذ المواقف...
في الوقت نفسه، وثانيا، يجب على المقاومة نفسها الحذر من الوقوع في فخ الثورة المهزومة سلفا، حيث بعض ما حدث ويحدث من داخل السلطة على أيدي ممثلي المقاومة لا يحمل خيرا في طريق النضال الطويل والصعب بكل المقاييس...
لولا الوضعية الخاصة للبنان، لكان المرء يجد نفسه يطالب بعض الضباط الأحرار في الجيش اللبناني بالخروج وإعلان البلاغ رقم واحد وفرض حالة الطوارئ واقفال كل المعابر والبدء بوضع اليد على كل من مارس السلطة وكل من عمل مع السلطة بما في ذلك دولة المصارف والمال والأعمال...
لكن وضع لبنان الدقيق يمنع هذا...
لذلك، ومن أجل لبنان في هذه الفترة العصيبة جداً، ربما آن الأوان لفتح قناة اتصال بين القوات اللبنانية ممثلة لفقراء المسيحيين وحزب الله ممثلا لفقراء المسلمين...
موقف قد يحمل شيئا من الطوباوية، لكنه مهم...
صحيح أن للقوات علاقات متينة مع قطاع المصارف في البلد...
لكن الصحيح أيضا ان ممثل حزب الله، كما ممثل القوات في لجنة المال والموازنة، شاركا عبر الإجماع على إفشال خطة الرئيس حسان دياب التي كانت تلحظ أن لا تزيد اسعار الدولار عن الخمسة أو ستة آلاف ليرة وكانت ترمي إلى ضمان أصحاب الودائع حتى مبلغ ٥٠٠ ألف دولار...
الطرفان يتحملان جزءا مهما من المسؤولية سواء في السلطة التنفيذية أو في السلطة التشريعية...
لكن، ورغم أن المرء في كل طرف من الطرفين يجد الكثير من الصعوبة في الكلام مع الطرف الآخر، إلا ان وجود الدولة في لبنان صار في خطر...
الطرفان لا يحملان أي علاجات ثورية للوضع في لبنان؛ ولا يمكن أن يشكلا قوة ثورية بالمعنى السياسي أو الاقتصادي، لكن وجود البلد في خطر...
لبنان لا يمكن أن يختفي عن الخارطة حتى لو سعت اميركا والغرب لذلك... ولكن لبنان يسير بخطى حثيثة صوب وضعية الدولة الفاشلة...
قد يندم كاتب هذه الأسطر أنه ترك النضال يوما وغادر البلد بعد هزيمة مشروع لبنان وطن ديمقراطي علماني وزحطة كامب ديفيد...
في هذا تُرفع القبعة لسمير جعجع الذي ترك دراسة الطب ولم يترك البلد...
لكن البلد صار قاب قوسين أو أدنى من الدولة الفاشلة...
كما رأت إيران وبالمقابل السعودية أن الوقت حان لاتفاقهما من أجل منعة المنطقة أثناء الحروب الدولية الكبرى في أوكرانيا اليوم، وفي تايوان غداً...
كذلك، على حزب الله والقوات أن يجدا طريقة للكلام باسم فقراء البلد الذين باتوا يشكلون أكثر من ثلاثة أرباع شعب لبنان...
على السيد حسن أن يقف في نفس موقف الرئيس الإيراني رئيسي...
كما على سمير جعجع أن يعود إلى مبدأ ال ١٠٤٥٢ كلم٢ الذي حمله بشير الجميل ولو متأخراً...
المطلوب من حزب الله التعامل مع القوات كما تعاملوا مع التيار لأن ميشال عون كان من جماعة بشير الجميل، وجبران باسيل ليس أفضل من من اي من قيادات القوات باستثناء شارل جبور ربما...
على سمير جعجع أن يتخلى عن الأنانية في المرحلة الحاضرة على الأقل، لأن ما يجمع جعجع وباسيل ضد فرنجية ليس أكثر من طموح شخصي وأنانية مفرطة ونرجسية مريضة...
أمنية أي لبناني اليوم هي تخطي كل هؤلاء بما في ذلك سليمان فرنجية...
لأن جميع هؤلاء جزء من تركيبة الوطن المنكوب...
لكن على الأقل...
اتفقوا على الحد الأدنى...
دعوا هذا الشعب يعود إلى القرن الواحد والعشرين بعدما أعادته الطبقة الحاكمة إلى القرون الوسطى في الكهرباء والماء والنهب والفكر المذهبي العشائري...
حليم خاتون