كتب الأستاذ حليم خاتون:
عصر الرابع من آب وقع إنفجار دمر مرفأ بيروت وتسبب بوقوع مئات الضحايا والجرحى...
استقالت حكومة حسان دياب وقرر النظام اللبناني إحالة القضية على المجلس العدلي...
من دون "جميلة" فادي صوان، ولا القاضي الذي خلفه طارق البيطار، عرف الشعب اللبناني أن قضية المرفأ ليست سوى حلقة من حلقات فيلم أميركي طويل يعيشه البلد...
قد تكون إسرائيل وراء ما حدث...
قد تكون أميركا...
قد يكون الإهمال والفساد الذي يتحكم بكل مفصل من مفاصل هذا البلد...
اجتمعت كل الأطراف على تحويل القضية إلى المجلس العدلي...
من أجل حلقة في مسلسل الفيلم الأميركي الطويل هذا، تم تعيين قاضي اول، ثم تبعه قاض آخر لم يكن سوى نسخة طبق الأصل عن كل السلطة القضائية العفنة التي تتحصن خلف سلطتين تنفيذية وتشريعية أكثر عفنا منها...
لا يستطيع أي كان الاعتراض على محاولة التفتيش عمن يعبث بهذا البلد...
لكن هل في نية أي كان من هذه السلطات الثلاث الوصول إلى الحقيقة؟
لا يستطيع أي كان منع تصنيف ما حصل في ذلك الرابع من آب، جريمة ضد الإنسانية...
لكن ما حصل في الرابع من آب ليس سوى حلقة واحدة في هذا الفيلم الأميركي الطويل...
ماذا عن الحلقات الأخرى؟
ماذا عن كل حلقات النهب والسرقة والفساد والخيانة الوطنية والتعامل مع الأعداء...؟
ألا تستحق كل تلك الجرائم الإحالة على المجلس العدلي؟
تم اختطاف وطن بأمه وأبيه، ولم يفكر أحد في جمهورية الطائف العفنة تعيين محقق عدلي كي يعرف الناس ماذا جرى ، ولماذا جرى، وكيف جرى ذبح هذا الوطن...
جرى تقييد البلد بديون فاقت المئة مليار دولار، ولم تتم الإحالة على المجلس العدلي...
تم الإجهاز على اكثر من ٢٥٠ مليار دولار خلال ثلاثة عقود، والقضاء والتشريع يرقصان على ألحان التنفيذية، ولم يجر تحويل القضية على مجلس عدلي...
نهبت المصارف أموال المودعين، وقامت بتهريب أموال أصحاب المصارف وأهل السلطتين المدنية والدينية إلى الخارج، ولم يتم تعيين محقق عدلي...
قامت السلطة التشريعية بالتآمر مع السلطة التنفيذية في تغطية سرقات بعشرات المليارات من الدولار عبر مؤامرات الكهرباء من ناحية، ومؤامرات الدعم الشعبوي العشوائى من ناحية أخرى، ولم يطلب أي نائب أو وزير أو مسؤول حزبي بإحالة القضية على المجلس العدلي...
عملت لجنة المال والموازنة على تمييع قضية الكابيتال كونترول، وقامت بمنع تمرير اي قرار اصلاحي ولو مرحلي، ولم يقم أحد بطلب إحالة القضية على المجلس العدلي...
ثم، وبعد كل ذلك العهر في السلطات الثلاث مجتمعة، يخرج من يتحدث عن وجوب إجراء إصلاح في نظام أكل الدهر عليه وشرب...
بين الممانعة والسياديين، خمرت العجينة حتى فاحت روائح العفن من الجميع...
بضع آلاف من السذج من هذا الشعب، قرروا تغيير الطبقة الحاكمة...
تفتقت عبقرية هؤلاء عن أسماء في كتلة التغيير، لم يتخطى القبضاي فيها مرحلة البامبرس...
لكي تكتمل الصورة، خرجت السلطة القضائية أمس بطرد القاضية غادة عون من سلك القضاء...
لم يقم أي كان بتعيين محقق قضائي للتحقيق في جرائم الفساد والسرقة، وعندما انبرت القاضية غادة عون لهذه المهمة دون حتى تكليف، ثار القضاء للكرامة...
تفنن القضاة في إيجاد الذرائع لطرد غادة عون، لكن أحداً في هذا النظام لم يجد ضرورة للتحقيق في أي من جرائم سرقة الودائع أو هدر المال العام...
لم تجتمع الحكومة استثنائيا، ولا اجتمع البرلمان بشكل طارئ لوضع أي قرار لإنقاذ البلد...
كل الهم هذه الأيام هي في انتخابات رئيس للجمهورية لن يختلف عمن سبقه في الغوص أكثر في قعر جهنم التي رموا بهذا الشعب المسكين في أتونها...
كل المطلوب هو لحظات تأمل وتفكير، يسأل المرء نفسه بعدها:
هل يمكن لهذا النظام الغارق في وحول العفن أن ينتج غير ما أنتجه حتى اليوم؟
المشكلة ليست في غادة عون...
المشكلة ليست في إيجاد رجل شريف يخرج من صلب هذا النظام؛ هذا مستحيل...
نظام عفن لا يمكن أن ينتج سوى أناس من نفس طينة العفن هذا...
مارتا، يا مارتا... تقومين بألف خطوة والمطلوب واحد...
قلب هذا النظام من أساسه، دون ذرف أي دمعة ندم...
هذا النظام ليس سوى جبلة من كل حقارات ما أنتجه العقل الرأسمالي المريض...
كما أن الشجرة الطيبة لا يمكن أن تعطي إلا ثمرا طيباً، كذلك هو نظام العفن