* في خمسينيات القرن الماضي رعت امريكا والكيان الصهيوني الحركة الانفصالية الكردية في شمال العراق بقيادة مصطفى البرزاني ولجأت الى العنف المسلح لاستنزاف الجيش العراقي واضعاف الدولة العراقية بهدف ارغامها على الانخراط في الاحلاف الاقليمية التي خلقتها امركا لمواجهة المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي ابان الحرب الباردة. اما كرد ايران الشاهنشاهية وكرد تركيا الاطلسية فلم تمتد اليهم يد العون الصهيوامركية لنيل استقلالهم.

* عندما انطلق حزب العمال الكردستاني معلنا الكفاح المسلح كرافعة لكفاحه الجماهيري في تركيا التي على ارضها اكبر جغرافيا وديموغرافيا كردية للحصول على الاستقلال الوطني، وكان من الطبيعي ان تحاربه الدولة التركية  واصطفت معه حركات التحرر والاحزاب الثورية ولقي بعض التأييد من دول اقليمية ، الا ان امريكا والكيان الصهيوني كانا من الد اعداء حزب العمال الكردستاني ودعمت الدولة التركية في كل المجالات وخاصة الاستخبارية حيث تم القبض على اوجلان زعيم الحزب وتسليمه لتركيا.

* في الوقت الذي طرح فيه برنارد ليفي الصهيوني الفرنسي  مشروع عرابه برنارد لويس الصهيوني الانجليزي الاصل ذو الجنسية الامركية  القائم على(( تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ )) في الوطن العربي والاقليم لخلق كيانات عرقية  ودينية ومذهبية تكون حصيلته اضافة عشرين كيانا على خارطة الوطن العربي وحده. هذا المشروع الشيطاني الجهنمي  كتبت امركا سينورياته في اقبية وكالة المخابرات المركزية الامركية والصهيونية وقام المخرج الامركي باختيار لاعبي الادوار والكومبارس من دول اقليمية وحركات دينية ومنظمات ارهابية واحزاب عرقية عنصرية وقوى قومية ويسارية قصيرة الوعي. شكل مجموع هذه القوى كرة النار التي قذفتها امركا بوجه الانظمة العربية لتحقيق هدفين استراتجيين الاول اسقاط الانظمة الموالية لها والتي عاثت فسادا واكل الدهر عليها وشرب واستبدالها بانظمة تلبس لبوس الدين الاسلامي والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والاصلاح (( الاخوان المسلمين)) مثال ذلك تونس ومصر.

اما الهدف الاستراتيجي الثاني هو القضاء على الدولة واقامة كيانات عرفية ومذهبية ومثال ذلك ليبيا  والمحاولة المستمرة حتى اللحظة  للقضاء على الدولة السورية وليس النظام فيها.

بعد ان صمدت الدولة السورية في وجه اعتى موجة ارهاب دولي  مدعوما من الناتو وعلى راسه امركا ودول الجوار بلا استثناء قامت امركا بزج تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسورية(( داعش)) (( I.S.I.S.)) الذي جوهره وعماده تنظيم القاعدة الارهابي.ليعطي امركا المبرر السياسي والمسوغ الاخلاق لاعادة احتلال العراق تحت مسمى التحالف الدولي لمحاربة داعش والتدخل المباشر في سورية.

ان تنظيم داعش صناعة امركية بامتياز ولا يختلف في هذا اثنان او ينتطح فيه عنزان. حيث اعلنت هيلاري كلينتون كتابة وتصريحا وغرزت المخرز في عيون من يشكك في هذه الحقيقة. لقد اعادت امركا احتلال العراق وشيدت المعسكرات لتمركز قواتها البرية واقامت القواعد الجوية لطائراتها الحربية وهيأت الدعم اللوجستي المطلوب للبقاء طويلا في العراق والشام.

لو كانت امركا جادة في محاربة داعش كما تدعي لتوجب عليها ان تنسق مع الدولة السورية والقوات الروسية. إن في ذلك مشروعية واخلاقية وتساوقا مع القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة، والدبلوماسية النظيفة  واقل كلفة في العديد والعتاد والاموال.

* منذ اعلان التحالف الدولي قامت امركا بتبني المشروع الانفصالي لكرد سورية  بقيادة " قسد" الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني الذي يناضل من اجل استقلال كردستان وهذا من حقه، لكن لا يوجد ارض كردية داخل الجغرافيا السورية، فالاكراد ضيوف على سورية.السؤال الجوهري والمنطقي الذي يطرح نفسه بقوة، متى كانت امركا مساندة لكفاح الشعوب من اجل التحرر والاستقلال؟ لا يمكن لذي عقل سليم وتفكير قويم ان يستوعب انحياز امركا للاكراد هو لخيرهم وخير شعوب المنطقة.

* كانت الاستراتيجية الامركية قبل الازمة الاوكرانية تقوم على تامين الحماية للكيان الصهيوني من خلال مشروع تفتيت الوطن العربي الى كيانات عرقية وطائفية ومن ثم التوجه شرقا لملاقاة الصين ونقلت قيادتها المركزية الى الباسيفك كاولوية امنية واقتصادية وجيو  بوليتيكية. الا ان فشل اسقاط الدولة السورية  ونجاح ايران من الافلات من عقوبات مجلس الامن ورسوخ النظام وثباته رغم الموجات التخريبية التي غذتها ورعتها امركا بالاضافة الى التمركز الروسي في شرق المتوسط على الساحل السوري جوا وبرا وبحرا كل هذه العوامل اجبرت امركا على تغيير وتعديل اولوياتها فقامت بالغاء مغادرتها لغرب اسيا بخطوات  عملية لا تدع مجالا للشك  على تمركزها وتشبتها بالاقليم  حيث وضعت قيادة جيش الكيان تحت مظلة القيادة المركزية وزادت من تواجدها العسكري في العراق المحتل وشرق الفرات السوري وتوسيع قاعدتها في اربيل ومحطة تجسسها المشتركة مع الكيان هناك للاشراف على عمليات التخريب داخل ايران. كما قامت بانقلاب عسكري على حكومة عمران خان التي رفضت طلبا امركيا بالسماح للعصابات والمنظمات الارهابية التابعة لامركا بالتمركز والانطلاق من بلوشستان ضد ايران وقطع الطريق الصيني المتمثل " بالحزام والطريق."

* نلاحظ هذه الايام تواتر الاخبار المؤكدة عن التحشيد الامركي في شرق الفرات ونوعية الاسلحة التي تتكون من مدفعية بعيدة المدى وصواريخ ارض ارض وارض جو بالاضافة الى الاجهزة الالكترونية المتطورة المستخدمة في التوجيه والتشويش كما قامت بنقل طائرات F- 22  الى قواعدها الجوية في العراق ودول الاقليم بالاضافة الى سلاح الجو الصهيوني. لا يمكن اعتبار كل هذا الحشد لحماية القوات الامركية في شرق الفرات والتنف. ان امركا اخذت تدرب ابناء العشائر العربية في شرق سورية ومنطقة التنف والسويداء حيث يقول بعض المحللين السياسيين  ان امركا تستعد لمواجهة فصائل المقاومةالتي ترعاها ايران وسورية وحزب الله لارغامها على الخروج من سورية. هذا ما يبدو على السطح. لكن ما يعتمل في القاع مخالف تماما لهذه المقاربة.

ان ما يجري في شرق الفرات يتعدى الجغرافيا العراقية والسورية الى تركيا التي تخضع لتجاذبات الغرب ومكانتها في الناتو  كثاني اكبر قوة عسكرية بعد امركا التي تقدم لها الجزرة التي لا يمكن ان تنالها وهي الانضمام للاتحاد الاوروبي الذي لن ولم يقبل ان يضع في حضنه وعقر داره مئة مليون مسلم. في الوقت ذاته فان تركيا اردوغان عينها على الشرق الاسيوي حيث اقتصاد الاصول الذي تمثله منظومة شنغهاي ومجموعة البريكس والامتداد الثقافي التركي في بلدانه. لقد قدمت روسيا الكثير من الجزر لتركيا من صفقة صواريخ الS- 400 الى بناء محطة توليد الطاقة النووية  والسياحة والغاز كما قدمت لها دفعة على الحساب من الجغرافيا السورية في عمليتي غصن الزيتون ونبع السلام(( مال عمك ما يهمك)).

* امريكا تقدم الحماية لقسد، وتركيا تصنفها منظمة ارهابية وكلما تقدمت لضربها تمنعها امريكا وتقف في وجهها. ان ما يلوح في الافق وما يجري في العمق هو ان امركا بعد ان اخذت من تركيا ما تريده في مؤتمر الناتو وموقفها من اوكرانيا وقبله فشل معارضي اردوغان من الوصول الى السلطة في الانتخابات الاخيرة  وبقاء اردوغان ومعه تركيا واقفين على خط الاعراف الفاصل بين جحيم الغرب الاستعماري ونعيم الشرق الاستثماري ذو المردود العالي. هذا الموقف الذي لا يرضي امركا التي لا تقبل الا بفلسفة وسياسة اما معي او ضدي ومن اجل حسم الموقف مرة والى الابد سوف تقوم امركا بتعريض تركيا الى ما يمكن ان نسميه (( الربيع التركي)) الذي شمله مشروع برنارد ليفي التفتيتي وسيكون كرد تركيا المحرك الرئيسى وراس السهم والحربة فيه والقادر على دفع فاتورة الدم بلا حدود يحذوهم الامل بالاستقلال وقيام كيانهم القومي، ستقدم امركا المال والسلاح اللازم وستقاتل حتى اخر كردي كما في اوكرانيا من اجل ذلك. ان كيانا كرديا يمتد من شرق تركيا الى البحر الابيض المتوسط ويفصل الجنوب التركي عن الشمال السوري العراقي شيشكل السد المنيع امام مشروع الصين " الحزام والطريق" ويبقيها في غرب اسيا الى امد طويل.

لا يضير امريكا ان تسوق تركيا الى عشرية دموية تطيح بدولتها واقتصادها وتقسيم جغرافيتها  وتيتم بسطاء المسلمين الذين علقوا عليها امال بعث الخلافة الاسلامية. ان هذا الغرب المتوحش  وخاصة قواه النيولبرالية التي لا دين لها ولا اخلاق سوى استعباد البشرية بدءا بشعوبها وانتهاءا بشعوب العالم. هذا الغرب الذي سقط اخلاقيا وسياسيا وانسانيا في اوكرانيا لن ولم يتخلى عن قاعدته المتقدمة في الاقليم الكيان الصهيوني على ارض فلسطين، علينا ان لا نقع تحت اوهام تاكل الكيان ووهن جيشه فالغرب على استعداد ان ينزل بجيوشه(( كاكبر حملة صليبية))  يعرفها التاريخ دفاعا عن قاعدته اليهودية الوجه الاستعمارية القلب والقالب.

فيا محور المقاومة لا تخدعوا بالسراب ولا باوهام الخراب التي ستحل بالمعبد والهيكل الصهيوني

يا مستضعفي المسلمين والعالم

خلاصكم في منازلة اعداءكم

وما غزي قوم في عقر دارهم الا وذلو

فلا تكونوا منهم

وكما يقول المثل الفلسطيني

)) الفيلة لللي بفيلها))

فهل نحن مدركون؟

م/ زياد ابو الرجا