لامركزية الفوضى هو بالضبط ما تعيشه المجتمعات اللبنانية على اختلافها...
لا يبدو أن هناك ضوابط ولا مكابح...
تشترك في تلك الفوضى كل الشوراع الطائفية...
بالاذن من الكاتب غسان سعود، لا يوجد طائفية بيضاء ولا طائفية سوداء... ولا طائفية رمادية أيضاً...
"ذنب الكلب يظل أعوجا حتى لو وضع في قالب لأربعين سنة..."
فوضى معيشية، فوضى أمنية، فوضى في كل شيء...
هذا هو حال لبنان...
لا ضرورة لكي يتآمر الخليج والاميركيون علينا... نحن "قدها، وقدود"...
ببساطة: "حارة كل مين إيدو إلو"...
السيد الوحيد على تلك المجتمعات هو سياسة الربح الاقصى السريع التي تنفذها مافيا التجار؛ كل التجار؛ في كل المجالات...
في لبنان، الكل تجار...
حتى الفقير يتاجر بفقره...
مافيا الدواء، مافيا المواد الغذائية، مافيا الاستشفاء، مافيا المولدات، مافيا الخدمات، حتى مافيا السياحة(منقوشة الصاج ب5,5 دولار في أحد الأملاك البحرية المصادرة من قبل مافيا الأملاك البحرية)...
يعيش لبنان اليوم على "نظرية البقة" في امتصاص أكبر كمية ممكنة من دماء الزوار والمغتربين...
كل الأسعار تنافس اغلى اسعار العالم...
سرقة وقحة بكل ما في الكلمة من معنى...
لم افهم مثلاً، لماذا قام موظف العاملية بتغيير الاسعار إلى الأعلى في قسم الخضار والفواكه فارتفع سعر كيلو "المقتى" فجأة من ١٣٠الفا إلى ١٣٨ألفا حوالي الساعة العاشرة من يوم السبت ١٩ آب ٢٠٢٣...
لا الدولار تغير... ولا الليرة "زحطت" أكثر...
لا الدنيا امطرت فجأة في آب...
ولا زفة رياض سلامة استوجبت زيادة في استهلاك المقتى...
لم يحصل أي شيء يبرر ذلك...
كيلو المقتى ليس إلا واحدا من آلاف السلع في لبنان الاحتكار...
أسعار جنونية...
تزيد بعض الأسعار لبعض السلع ٢٠ أو ٣٠٪ عن تلك الموجودة في المخازن الأوروبية...
كل لبناني يحتكر ما لديه لكي يستطيع البقاء في سوق التسلط على خلق الله...
كل لبناني يعبد الله في الجامع أو الكنيسة ثم يخرج لسلخ جلود البشر بعد أن يترك تلك الصلاة يتيمة في ذلك المسجد أو في تلك الكنيسة...
حتى سيارة البيكانتو التي يبلغ معدل ايجارها في المانيا ١٧,٩٩ يورو لليوم الواحد، "تتمختر" في بيروت ب ٣٠ دولارا، مع "تربيح" جميلة أيضاً...
أقل معاينة طبية ب ٢٠ دولار، دون أن يمنع ذلك طبيبا آخرا من فرض ٥٠ دولار ثم ٢٠ دولارا عند المراجعة مع نتائج ال MRI...
أما الطبيب البروفيسور فهو اهم من غيره... هو يرضى ب ٧٠ دولارا للكشف دون حتى أن يكشف... يستمع إليك لمدة خمسة دقائق ثم يصف الدواء "المعجزة"...
أسعار إيجارات الشقق عادت إلى الإرتفاع...
ما كان هبط مع الأزمة، عاد للصعود بشكل عشوائي، والمستقبل لا يبشر بالخير...
كل مقيم يسطو في يومه قدر الإمكان، وكأنه لن يستطيع ذلك غداً...
حال الناس هو من حال اهل الحكم... "كلهم لصوص يا بابا"
"إذا كان رب البيت بالطبل ضارب..."
أحد المسؤولين استطاع اخراج ٢٥٠ مليون دولار للاستثمار في ساحل العاج مثلاً يوم ترفض المصارف إعطاء الآخرين أكثر من ٣٠٠ دولار شهرياً...
لا بل وصل الأمر مثلا بمصرف سوسيتيه جنرال في مدينة صور أن يقول لأحد المودعين أن اسمه لا يظهر في ال System...
لم يزر ذلك المودع ذلك المصرف منذ ١٧ اكتوبر ٢٠١٩...
وضع المصرف تلك الأموال في حساب الغائبين القابل للسطو...
كل ما أراده المودع المسكين هو أخذ ٣٠٠ دولار من ودائعه التي تزيد على ٦٠٠ الف دولار...
وعندما عاد ومعه الإثباتات، قيل له أن عليه لقبض ال ٣٠٠ دولار أن يثبت تسديده الضرائب في بلد الاغتراب!!!
في لبنان...
الرئيس حرامي، الوزير لص، النائب محتال، حتى بواب المؤسسة مرتشي...
لكن المصارف تبقى سيدة السطو والسرقة...
في كل بلاد العالم يحاول اللصوص السطو على المصارف...
إلا في لبنان...
عندنا، المصارف هي من يقوم بعملية السطو...
إنه لبنان، بلد العجائب...
ايام الجامعة في موسكو سألتني صديقتي،
" هل فعلاً في لبنان تنتشر محلات البيع في كل مكان؟"
أجبتها،
"بين المحل والمحل، يوجد محل"...
"لكن من يزرع، ومن يصنع؟" سألت باستغراب...
ولا يزال هذا السؤال دون جواب في بلد ملايين تجار النصب في كل شيء...
حتى الفقير في لبنان يتاجر بفقره إما في توسيخ زجاج السيارات بحجة تنظيفها، أو في الاستعطاء في بلد يحتال رئيس حكومته الملياردير لسرقة عدة ملايين من قروض الإسكان...
نظرت إلي ابنتي التي تتعلم الحقوق، وقالت،
" لبنان حلو... بس بلا زبالة وبلا فوضى"
لم تعرف المسكينة أن التخلي عن الزبالة، وفرض النظام سوف يؤدي حتماً إلى التخلص من معظم المعزى والغنم من شعب هذا البلد، ومن كل الطبقة الحاكمة وكل ما يسمى زورا معارضة دون أي استثناء...