اعلام العدو / يوآف ليمور:
الصيف، بطبيعته، فصل معد للاضطرابات، في الساحة العسكرية أيضاً. والجيوش بطبيعتها تميل للامتناع عن الحروب في الشتاء، ليس بسبب مصاعب موضوعية تتعلق بحالة الطقس فحسب، بل خشية من وحل يصعب الخروج منه.
وعليه، نشهد في كل سنة تهديدات وتحذيرات دائمة من التصعيد وحرب في كل ساحة ممكنة. ومثل تهديد بإضراب في المدارس، باتت كخلفية موسيقية موسمية معروفة في العالم العسكري أيضاً؛ تأتي وتذهب. ورغم ذلك، فإن الوضع هذه السنة مختلف عما قبلها. سلسلة مواضيع وسياقات جعلت الواقع الأمني بعامة، وذاك الذي في الساحة الشمالية بخاصة، متحديا ًعلى نحو خاص. الأسباب معروفة: إحساس الأمن المتزايد لدى إيران عقب تقربها العلني من روسيا والصين، ومن اتفاقها غير الرسمي مع الولايات المتحدة، ومن العلاقات المتجددة التي أقامتها مع الدول السنية الرائدة في الخليج؛ والتقارب بين منظمات الإرهاب المختلفة، بقيادة وإلهام إيراني لدرجة التنسيق العملياتي بين ساحات تتحدى " إسرائيل "؛ إضافة إلى شرخ في المجتمع الإسرائيلي نتيجة لإجراءات التشريع التي تقودها الحكومة، وتهديد متزايد على الجيش الإسرائيلي وعلى قدرته في أداء مهامه.
كل هذه، وبخاصة البند الأخير، يجعل أعداء " إسرائيل "يشعرون بأنها هشة أكثر من ذي قبل. وقد أدى بهم هذا لمحاولة تحديها من عدة جبهات بالتوازي في الفصح الماضي. بعضها كانت معروفة ومريحة نسبياً للتصدي – الضفة، غزة وسوريا والتي " لإسرائيل" فيها تفوق وردع واضحان وغير قابلين للجدال.
150 ألف صاروخ في الترسانة
بخلاف موجة الإرهاب من الضفة أو من معركة أخرى من غزة، فالحرب مع “حزب الله” ستكون أوبيرا مختلفة. مع أكثر من 150 ألف صاروخ ومقذوفة صاروخية، مع مُسيرات وحوامات (بما فيها الهجومية)، ووحدات خاصة للاجتياحات البرية والبحرية، وجملة أسلحة برية وجوية وبحرية، فإن “حزب الله” وان كان لا يساوي في قوته الجيش الإسرائيلي، لكن بوسعه أن يلحق أضراراً مادية ومعنوية جسيمة " بإسرائيل "، بما في ذلك إصابات عديدة في الأرواح.
هذا ميزان علني، معروف للطرفين. منذ حرب لبنان الثانية وحتى هذه السنة، لجم الطرفين تخوف من تدهور إلى معركة واسعة.
تغيير في مفهوم الردع
طرأ في الأشهر الأخيرة تغيير في هذا الوضع الأساس. “حزب الله” غير معني بالحرب، لكنه مستعد للسير شوطاً بعيداً أكثر مما في الماضي كي يتحدى " إسرائيل ". المخرب الذي بعثه في آذار إلى مجدو، كان دليلاً واضحاً على أن اعتبارات حسن نصر الله تغيرت أو تشوشت، وبالتأكيد لم يعد احتراق حرب لبنان الثانية قوياً عليه كما كان في الماضي. وأضيفت إلى هذه أحداث تكتيكية مختلفة، من نصب خيام في “هار دوف”، عبر إقامة سلسلة استحكامات عسكرية مادية على طول الحدود (تحت غطاء مدني) وحتى الاحتكاكات المبادر إليها في عدة نقاط قرب الجدار، والتي لكل منها على حدة ومجتمعة، احتمال تفجر أكثر من ذي قبل.
وإذا لم يكن هذا بكاف، فقد أضيف إليه خطاب تصعيدي من على جانبي الحدود. وزير الدفاع يوآف غالنت من جهة، وحسن نصر الله من جهة أخرى، يضيفان مؤخراً المزيد من التهديدات المتبادلة على الطاولة. كل طرف يهدد بتخريب الطرف الآخر وإعادته إلى العصر الحجري وبالرد/الانتقام على كل أمر محتمل. لقد سبق لـ”حزب الله” أن أوضح بأنه سيحمي رجاله وكل مصلحة ممكنة أخرى في لبنان، بما في ذلك رجال حماس الذين يحتمون بظله، وعلى رأسهم كبير حماس صالح العاروري، الذي أصبح أحد أوجاع الرأس " لإسرائيل " بسبب شبكات الإرهاب التي يشغلها من بعيد في “المناطق” [الضفة الغربية].
في وضع الأمور الحالي، من الصعب رؤية كيف يمكن كبح مسيرة التصعيد هذه. في الماضي، كان في المنطقة غير قليل من المحافل اللاجمة: الولايات المتحدة وفرنسا عرفتا كيف تلجم لبنان، وروسيا عرفت كيف تلجم إيران، والأمم المتحدة أيضاً لعبت دوراً تغيرت أهميته وفقاً لمن يقف على رأسها. أما اليوم، فهي ألجمة ارتخت جداً. الولايات المتحدة تفقد الاهتمام بالمنطقة، وتقربت من إيران وابتعدت عن القدس؛ أما روسيا فتقربت من إيران أيضاً ومشغولة في أوكرانيا، والأمم المتحدة بالتأكيد لن تنقذ " إسرائيل " و”حزب الله من نفسيهما. وبدون تدخل مهم من قوة عظمى أساسه تفعيل روافع تجاه إيران، من الصعب عودة الهدوء إلى الحدود الشمالية.
المعنى، أن كل حدث يتطور على الفور إلى حجوم خطيرة، ويدفع الطرفين للعمل بخلاف مصلحتهما الواضحة – والتدهور في الشمال إلى حرب. فضلاً عن أنها ستكون معركة دامية (وزائدة)، من شأنها أن تمسك "بإسرائيل" وهي في وضعية إشكالية أكثر مما في الماضي، على خلفية الأزمة الداخلية حيث ستكون محال تشكك بدوافع وقرارات الحكومة.
بخلاف التصريحات التصعيدية، فإن حرباً كهذه لن تهزم أي طرف؛ بل ستضر بالطرفين (بلبنان أكثر بكثير) لكن ستنهض "إسرائيل" وحزب الله في نهايتها، فتنفضان الغبار وتعودان إلى نقطة المنطلق. لهذا السبب، يستحق عمل كل شيء لإيقافها، ومنع سقوط ضحاياها وأضرارها، وهذا يتضمن الامتناع عن التصريحات الصاخبة التي تفعل النقيض لنواياها الأصلية. بدلاً من الردع، فإنها تحبس الطرف الآخر في زجاجة قد تنفجر في أي لحظة.
اعلام العدو
إسرائيل اليوم