ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن إخوان الإرهاب تلك الجماعة التي تأسست على يد الشاب حسن البنا في نهاية عشرينيات القرن الماضي تحت مسمى (الإخوان المسلمون) باعتبارها جماعة دعوية، سرعان ما تحولت للعمل السياسي، وأسست تنظيماً مسلحاً سرياً، مارس العديد من عمليات الاغتيال، وقد حامت العديد من الشبهات حول البنا وجماعته منذ البداية، حيث اتهم بأنه عميلاً للمخابرات البريطانية، حيث تم اصطياده وهو مدرس ابتدائي بمدينة الإسماعيلية، وكانت في ذلك الوقت مدينة وميناء تحت سيطرة الشركة الفرنسية – البريطانية لقناة السويس، وكانت الشركة تمثل الإمبريالية العالمية في مصر، وقد مولت الإخوان وساعدت البنا في بناء أول مسجد للجماعة واعترف البنا بذلك في كتابه مذكرات الدعوة والداعية بأنه تلقى من البارون دي بنوا مدير شركة قناة السويس مبلغ 500 جنيه كتبرع لبناء المسجد، وكان ذلك هو أول تعاون بين البنا والانجليز محتلي مصر في ذلك الوقت .
ولم يكتفى البنا بمد الجسور مع المستعمر البريطاني بل تواصل بشكل مباشر بعد ذلك مع الملك الفاسد فؤاد ومن بعده ابنه فاروق وكلاء بريطانيا في حكم مصر، وعندما قامت الحرب العالمية الثانية بدأ الإخوان في تشكيل الشبكة الدولية – التي تمددت الآن وأصبحت موجودة في أكثر من ثمانين دولة حول العالم – وقد استطاعت الجماعة من بناء تنظيم حديدي محكم خاصة وأن البنا كان مفتوناً بهتلر وموسوليني، وكان البنا قد وضع قواعد مشروعه على أساس استغلال الدين من أجل الوصول للسلطة، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية التي انتهت على يد مصطفى كمال أتاتورك الذي قام ببناء الجمهورية التركية باعتبارها دولة علمانية حديثة، وهو ما أضر بمصالح بريطانيا التي كانت تريد الحفاظ على دولة الخلافة الضعيفة المتخلفة، لذلك وجدت ضالتها في هذا الشاب المصري البسيط وقامت بدعمه، لكن طموح الشاب مكنه من بناء تنظيمه وإقامة مشروعه، وظل يحلم بوصوله للسلطة، وباءت كل محاولاته بالفشل وقتل قبل تحقيق حلمه، وتولى من بعده تلاميذه السير على نهجه حيث السعي من خلال التنظيم والمشروع للوصول للسلطة .
ومرت الجماعة بمحن كثيرة بعد مقتل البنا لكنها تمكنت من عبور كل المحن بفضل صلابة التنظيم وقوته من ناحية، ومرونة المشروع الانتهازي القائم بالأساس على استغلال الدين من أجل الوصول للسلطة، وظلت الجماعة وبفضل تنظيمها الدولي محتفظة بعلاقات وثيقة مع القوى الإمبريالية العالمية وأجهزة استخباراتها في الخارج، ومهادنة السلطة السياسية وعقد الصفقات معها في الداخل، إلى أن قامت أحداث 25 يناير ٢٠١١ فقامت الجماعة بحشد كل امكاناتها التنظيمية السياسية والمادية والتسليحية والاستخباراتية والخطاب المتمسح بالدين، من أجل تنفيذ مشروع البنا الذى يهدف للوصول للسلطة في مصر، ثم التمدد في باقي الدول لتحقيق حلم الخلافة، ونجحت المؤامرة وتمكنت الجماعة من الوصول للحكم في مصر، وشعروا أن حلم البنا في دولة الخلافة قد أصبح قاب قوسين أو أدنى، حيث المشروع الانتهازي، والتنظيم الحديدي، والسلطة في مصر مركز دولة الخلافة، والبقية تأتي فإحكام السيطرة على مصر سيسهل اكتمال المشروع (الوهم)، وأرسلت الجماعة مندوباً لها للقصر الرئاسي لإدارة شئون البلاد، ولم تكن الجماعة تعتقد أنها سوف تمر بمحنة جديدة بعد الوصول للسلطة، فقد ظنت أنها قد بلعت مصر لكن ما لم تحسب له حساب هو كيف ستقوم بهضمها، فقد أثبت شباب مصر أنه عصي على البلع وأنه شوكة في حلق النظام الانتهازي الإخواني الجديد، وبالفعل وقبل مرور عام على وصول الجماعة للحكم كانت قد استطاعت وبغباء شديد استعداء غالبية الشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية داخل المجتمع المصري، وحاولوا أخونة كل مؤسسات الدولة، وفرض الهيمنة وممارسة الدكتاتورية على كل من يقف في طريقهم، وكما خرج الشباب في 25 يناير فقد قرروا أن يعلنوا حالة التمرد على الإخوان ومندوبهم في القصر الرئاسي وحددوا يوم 30 يونيو ٢٠١٣ لذلك التمرد، حتى يؤكدوا للعالم أجمع أن مصر عصية على البلع، حتى لو ظنوا أنها قد بلعت افتراضياً .
وهنا وضعت الجماعة أمام ثلاثة خيارات صعبة فهل تضحى بالسلطة، أم بالتنظيم، أم بالمشروع ؟ ولأنها جماعة غبية فقد أضاعت الفرصة وقررت بالتالي أن تضحي بالثلاثة معاً في عملية انتحارية لم يسبق لها مثيل في تاريخ التنظيمات السياسية، فالسلطة ضاعت تحت الضغط الشعبي وانحياز الجيش لشعبه كعادته دائما فلم يخضع لأى ابتزاز داخلي أو خارجي، أما التنظيم فقد بدأ في التفكك والانهيار بعد أن قرر قادته مواصلة التحريض على استخدام العنف ضد الشعب المصري ومؤسسات الدولة والمنشآت العسكرية، وأصبح الجميع مطلوباً للمثول أمام القضاء من أجل المحاكمة وكان مصيرهم السجن، خاصة وأن غالبية التهم المنسوبة إليهم ثابتة بالصوت والصورة والأدلة الدامغة، أما مشروع البنا فقد سقط أمام عيون الشعب المصري الذي خدع باسم الدين ووثق في هذه الجماعة التي أراقت دماء أبنائه من أجل السلطة، وحرضت على القتل، ودعت للتدخل الأجنبي بحجة الدفاع عن الشرعية ضد ما أطلقوا عليه الانقلاب العسكري، وبذلك انتهت اسطورة إخوان الإرهاب، وضاعت السلطة والتنظيم ومشروع البنا، وعلى الرغم من مرور عقد كامل من الزمان على ذلك السقوط المدوي إلا أن هناك من لازال يراهن على إحياء هذه الجماعة من جديد، فالانتهازية السياسية تتجلى في أبشع صورها حين يعتقد أحد المرشحين المحتملين للرئاسة بأن دعوته لمصالحة وطنية مع الجماعة الإرهابية يمكن أن تساعده في حصد أصوات الخلايا النائمة لهذه الجماعة داخل المجتمع المصري، متناسياً وبغباء شديد أن الشعب المصري لا يمكن أن يسامح في دماء شهدائه الذين أهدرت دمائهم على أيدي إخوان الإرهاب، وبذلك يكون قد خسر المعركة قبل أن تبدأ، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد