كَتَبَ د. إسماعيل النجار:
مقالات
كَتَبَ د. إسماعيل النجار: "التمييز بين حرية التعبير وخطاب الكراهية، ودور الخطاب الديني والِاستثمار فيه".
د. إسماعيل النجار
20 أيلول 2023 , 20:30 م


الكراهية في أي مجتمع محلي، أو بين أفراد من مجتمعات مختلفة، في الأغلب ما تكون أسبابُها ودوافعُها دينية، ولكن ما هي؟ و كيف نعالِجُها...

الكراهية تعريف بغيض لعلاقة شخص بآخر أو مجموعة أشخاص بعضهم بالبعض، تبدأ من فردٍ في مجتمع ٍ أو في مجموعةٍ صغيرة، ثمّ تنتقل إلى كامل المجتمع الكبير الذي يعيش فيهِ الإنسانُ مع أخيه الإنسان.

الكراهية واحدة بعدة أسباب، فهناك كراهيةٌ دينيةٌ سببُها الخطابُ الدينيُّ التحريضيّ، كفتاوى اِبنِ تَيميَة الذي يُعتَبَرُ رمزاً لنشرِالكراهيةِعلى مستوى العالم.

وهناك كراهيةٌ مذهبيةٌ لصيقةٌ بالخطابِ الدينيِّ تماماً، وهناك كراهيةٌ مناطقية،وكراهيةٌشخصية.

لكنْ، ما نتحدثُ عنه اليوم هو الكراهيةُ بين افرادِ المجتمعِ الوطنيِّ الواحِدِ من كل الأطياف، ومسبِّباتُها.

هذا الأمرُ يبدأُ من خلالِ ممارسةِ نظامٍ سياسيٍّ مُعَيَّنٍ لسياسةِ التمييزِ العنصري، أو الطائفي، أو المذهبي، كما كانَ يحصُلُ في جنوبِ أفريقيا، وكما يحصُلُ اليومَ في فلسطينَ بأيدي الصهاينة، وكمايحصُلُ في دوَلِ الخليج ِ العربيّ، أو كما يحصل في بعضِ البلدان ِ التي تحكُمُها أغلبيةٌ معينَة، وفيها أقلياتٌ مغلوبٌ على أمرِها، هذا الأمرُ أو هذهِ السياسةُ تخلُقُ الكراهيةَ بين أفرادِ المجتمع ِ الواحدِ وبين المجتمعاتِ المتجاورةِ الأُخرىَ.

◦ أيضاً واحدٌ من أسبابِ نشرِ الكراهيةِ في أيِّ دولةٍ كلبنانَ مثلاً، هوَ تَبَنِّي الدولةِ لمناهجَ دراسيةٍ متطرفةٍ، لصالحِ طرفٍ ضدَّ طرفٍ آخر، والتمييزِ بين أفرادِ المجتمع ِ من خلال ِ تصنيفِ الشعبِ، حسب الطوائفِ: فئة أولى، وفئة ثانية، وثالثة، ورابعة، كما هو الحال في مؤسسةِ الجيشِ اللبنانيِّ حالياً،

أو أنَّ هذهِ المناهجَ الدراسيةَ مضامينُها مزورةٌ لجهةِ حقائِقِها التاريخية، كما حصل في لبنان، عندما زوروا التاريخَ، واعتبروا أنَّ بيار الجميل، العميل الصهيوني واحدٌ من رجالاتِ الِاستقلال، معَ العِلمِ بأنَّ نصفَ من سُمُّوا رجالَ اِستِقلال ٍ في لبنان هم عملاءُ للصهاينة!

أيضاً، في الكثير من الأمورِ التي ذُكِرَتْ في كتابِ التاريخ ِ المدرسيِّ هي مُحرَّفةٌ ومزورة، وتجاهلَتْ شخصياتٍ تاريخيةً ودورَها الهامَّ، في حقباتٍ تاريخيةٍ معينة، ومحطاتٍ مفصلية، كالسيد عبدالحسين شرف الدين، وأدهم خنجر، وصادق حمزة، وملحم قاسم المصري، ويوسف حسن حمية، وكثيرين آخرين،مِمّا خلق اعتراضاً وجواً من الكراهيةِ، بين فئاتٍ لبنانية.

أيضاً وأيضاً عندما تتبنَّى الدولةُ مبدأَ صَونِ الحرياتِ العامةِ وحريةِ التعبيرِ عن الرأي، وتسمح بتعدُّدِ وسائل ِ الإعلام، من دون ِ مراقبةٍ أو محاسبة، ويصبحُ المجتمعُ هدفاََ لِبَثِّ السمومِ فيه، تبعاً لسياسةِ الوسيلة الإعلامية،ومصادرِ تمويلِها، أو تنفيذاً لمشاريعَ أجنبية، فتتحوّلُ من وسيلةٍ إعلاميةٍ إلى بوق ٍللمموِّل، أودُكَّان ٍللمموِّلينَ يعرضون،

فيه مشاريعهم.

جميع هذه الأفعالِ تؤدِّي إلى نشرِ الكراهيةِ تجاهَ الآخر،، بأسبابٍ مختلفةٍ ومصطنعة.

في لبنان، لا أحدَ يحاسبُ علىَ الخطابِ الديني ولا أحد يتَنَبَّهُ له، وبعضُ علماءِ الدين ِ من كل الطوائف فاتحينَ على حسابهم، لذلك، فإنَّ لِلتّربيةِ البيتيةِ، لدى العائلة، دوراً مهماً، فإنها إذا اتّخذت طابعَ تنشئةِ الفردِ على أساسِ أنَّ

دينَهُ هو الصحيح، وأنّ مذهبَهُ هوالأصح،ومنطقتَهُ هي الأفضل، ومجتمعَهُ هو الأرقى، فإنَّ ذلك يؤدِّي حُكْماً إلى رفضِهِ للمجتمع ِ الآخرِ والدينِ ِ الآخرِ والمذهبِ الآخر، وكلِّ آخرَ يختلفُ عنه، ويمارسُ التعاليَ عليهِ،وهذايؤسسُ لكراهيةٍ مُتبادلة.

الشذوذ في لبنان حالة موجودة ولكنها مستَتِرَةٌ، ولم تتحوَّلْ إلى ظاهرةٍ مكشوفة، اليوم جاءت أمريكا وأوروبا لتقديم شذوذهم إلى المجتمع اللبناني، وفرضهِ على المجتمع ِ بالقوة، وخلق ِ بلبلةٍ وتحويل ِ الشّاذِّينَ إلى قضيةِ رأي عام، وإلى حالةِ نِزاع ٍ وصُنْع ِ مُعادينَ لهم، لينقسمَ المجتمعُ حولَهم.

إنَّ الحكمةَ تقول:إذا ابْتُلِيتُم بالمعاصي فاستتروا".

ومن هنا نؤكِّدُ أنَّ معالجةَ هذهِ الأمورِ هيَ مسؤوليةٌ جماعية، ومسؤوليةُ الدولةِ أولاً، العملُ لِنَبْذِ الكراهيةِ في أيِّ مجتمع.

كما تقع المسؤوليةُ أيضاً على عاتق الأسرة، من خلالِ التربيةِ الأخلاقيةِ والوطنية، بعيداًعن حساسيات الدين والمذهبِ والمنطقة، أو مستوىَ الطبقةِ الإجتماعيةِ للفرد، خصوصاً وأننا في لبنان ووطنِنا العربيِّ مستهدفونَ بهدفِ التفرقةِ للسيطرةِ علينا.

وتقع على عاتق الدولةأيضاً مسؤوليةُ صياغةِ القوانينِ العادلةِ التي تَفرضُ المساواةَ بين أفرادِ المجتمع، وأن تضع مناهجَ دراسيةً وطنيةً تجمعُ بين المواطنينَ،ولا تُفَرِق بينهم، لأن العدالة لا تتجزَّأ والعدالة تفرضُ التقاربَ والمحبةَ والسلام، وتُبعِدُ الكراهيةَ من بين أفرادِ المجتمع ِ اللبنانيّ.

ومن خلال ِ سَنِّ القوانينِ وتشريعِها وتطبيقِها، يجب أن تُؤخَذَ المحاسبةُ بعينِ الِاعتبارِ، فمُحاسبةِ المخالفينَ ضرورةٌ، ضمنَ قانون عقوباتٍ صارم، إن كان المخالفُ وسائلَ إعلامٍ مرئيّةٍ أو مسموعةٍ،أو صُحفاً مكتوبةً، أو مدارسَ وجامعاتٍ، أو جمعياتٍ أو غيرِها منَ المراكزِ التي تتعاملُ مع أفرادِ المجتمعِ بشكلٍ إفراديٍّ أو جماعي.

إنَّ نبذَ الكراهيةِ بين أبناءِ الوطنِ الواحدِ يبدأُ بإزالةِ الطُّغْمَةِ السياسيّةِ الحاكمةِ بِرمَّتِها، والتي برعَت في ممارسةِ نشرِ الكراهيةِ في خطابِها السياسيِّ والدينيّ، على أعلى مستوى.

ويجب أن تنتهيَ بالعطاءِ المتساوي والضريبةِ العادلةِ والتسامُح،

وإنَّ تشريعَ قانونِ تأسيسِ الأحزابِ والمنظماتِ غير الحكوميةِ يجبُ أن يكونَ حازماً، لجهةِ عدمِ تّبَنّي أيِّ فكرِ دينيِّ، أو تمييزٍ عنصريٍّ متطرف، أو تَبَني أيَّة أفكارٍ أجنبيةٍ،قد تأخذ أبناءَ البلادِ إلى التعاملِ والعمل ِ لمصلحةِ الخارج، لأننا نعيشُ في مجتمعاتٍ كَثُرَت فيها الرِّسالاتُ السماويّةُ، وقَلَّ فيها الدين والمتدينون.

ويبقى أن نسألَ الأُمّمَ المُلتحِدة المُسمّاة"مُتَّحِدة"ومنظماتِها التي تنشطُ في مجالِ مُكافحةِ نشرِ الكراهية: ألم تدخُلْ منظماتُها إلى فلسطينَ وترى الكراهيةَ الصهيونيةَ للعرب؟!!

ألم تسمعْ بما يحصُلُ في السعوديةِ والبحرَيْن ِ ضِدَّ البشرِ، لأنّهم شيعة؟!! أفلا ترىَ أو تسمع عمّا يجري من تمييزٍ عنصري في أمريكا؟!!

كفى نفاقاً، واستخفافاً بعقول العالم، وكفى كذِباً وتمثيلاً بعضنا على البعض،

لقد بلغ السيلُ الزُّبى.

أخيراً وليس آخراً، فإن العودَةَ إلى اللهِ ووصاياهُ تجمعُنا على الحُبِّ والوِئام، وتدفنُ الكراهيةُ وتَئِدُها في مهدِها،،،

فلنعُد إليه عسى أن نفوزَ بِرحمتِه، وذلكَ هو الفوز العظيم.

بيروت في....

20/9/2023

المصدر: موقع إضاءات الإخباري