الحل والفيل الابيض.
فلسطين
الحل والفيل الابيض.
م. زياد أبو الرجا
19 تشرين الأول 2023 , 16:29 م

                           

      اعتقد قدماء الفلاسفة والكيميائيون بوجود مادة سحرية تشفي جميع العلل والامراض.ويمكن بواسطتها تحويل المعادن الرخيصة الى الذهب. انتشرت هذه العقائد بين الناس وادت الى حمى البحث عن الذهب. شرع السحرة والمشعوذون باستغلال هذه الظاهرة ، وادعوا ان باستطاعتهم تعليم النخب الشابة كيفية تحويل المعادن الرخيصة الى ذهب خالص مقابل رسوم مالية تدفع لهم.

كانت اول محاضرة يلقيها المشعوذ الدجال على طلابه عنوانها الفيل الابيض. فيقول: يا ابنائي ان اردتم النجاح في تجاربكم المعملية لتحويل المعادن الرخيصة الى ذهب فعليكم ان لا تفكروا بالفيل الابيض واياكم الانشغال به اثناء عملكم لانه  سيفسد جهدكم وسعيكم.تمر الايام والاشهر وكل واحد منهم منهمك في عمله ولكن تفكيره منصب على سر الفيل الابيض وعلاقته بعملهم.في النهاية يفشلون ، ويخاطبون  المشعوذ الدجال قائلين: يا سيدنا لو لم تحذرنا من الفيل الابيض لنجحنا في عملنا. كان ذلك في زمن السحر والشعوذة واستحضار الارواح.في عصر العلم والمعرفة لا مكان لمثل هذه الشعوذات لاسقاطها على السياسة وادارة الصراعات.-- من الناحية العلمية يمكن بالنووي تحويل الحديد الى ذهب لكن الكلفة اعلى بعشرات المرات من سعر الذهب.--

ما انفك العقل العربي يتعامل في الصراع مع قاعدة العالم الاستعماري على ارض فلسطين بنفس الطريقة التي تعامل فيها السحرة والمشعوذون .في خضم النضال الدامي نراه يجري خلف ما يطرح من حلول باستبدال الفيل الابيض بحل الدولتين، والدعوة الى مؤتمرات اقليمية تضع حدا للصراع وتخفف من حدته .عندما ترتخي الكف الممسكة بمقبض السيف وتعود الى وضعها في اليد خمسة (( قالت العرب: اصابع كف المرء في العد خمسة لكنها على مقبض السيف واحد.))

هذه الصولة جاء طوفان الاقصى بتداعياته ونتائجه المدمرة على الكيان عسكريا وامنيا وسياسيا ومجتمعيا.هرعت دول الاطلسي دون استثناء لتكفكف دموع الكيان وتواسيه في مصابه القاتل وصاروا بواكي له اما فلسطين فلا بواكي لها.قدم الاطلسي الدعم المادي والعسكري والمعنوي بدءأً بحشد الاساطيل وانتهاءاً  بباخرة الخضار والفواكه القادمة من هضبة الاناضول.

اثبتت الاحداث التاريخية منذ نشأة الكيان  ان الاطلسي يقف معه موحدا في جبهة واحدة حين يتعرض للمخاطر ويجد الجد. في الوقت الذي تضع فيه الحرب اوزارها تلجأ الدول العربية للمهادنة والتطبيع، وتنشط دبلوماسيتها  بطرح المشاريع الاقتصادية والتنموية  بحيث تشكل الاقطار العربية دور الروافد التي يجب ان تصب كلها في خزان الكيان.فكل خطوط السكك الحديدية والاوتوسترادات يجب ان تتجه الى حيفا وكل انابيب النفط العربية يجب ان تصب في خزانات مينائها ومصفاتها.كل الرحلات الجوية يجب ان تحط في مطارات الكيان.لا بأس ان يفجر ميناء بيروت ويمنع اعادة بناءه، ولاضير في ان تغلق قناة السويس لصالح القناة التي تربط البحر الاحمر بعسقلان.لكن حين تقع واقعة طوفان الاقصى والتي ليس لوقعتها كاذبة. واذا ما تقدم المارد الفلسطيني وزلزل الارض تحت اقدام الكيان ورجها رجاً يهرع السحرة والمشعوذون العرب الى كبير السحرة الامركي فيصيغ لهم بيانات الادانة المخففةوالملتبسة لمجازر الكيان وبيانات التضامن الخجولة والمفرغة من اي مضمون وعنوان.ويعودون الى استحضار الفيل الابيض(( حل الدولتين)) والسلام العادل والدائم.

نحن الان في منزلة بين المنزلتين.اما الاستمرار الممنهج بالحشد والتعبئة والقتال على جبهتي الجنوب والشمال.مع اطالة امد المعركة الحالية وتحويلها الى حرب استنزاف ضد العدو والتي يتكفل استمرارها على هذا النحو الى استنهاض الجماهير العربية والاسلامية ومحبي السلام من اتباع نبي السلام واميره عيسى عليه السلام في العالم الغربي .وهذا يعري عدم اخلاقية وانسانية وديموقراطية انظمته السياسية .كما يكشف زور وعمالة المنظمات التي مولها واوكل لها مهمة شيطنة الدول التي تعادي الاستعمارمثل ال N.G.O  واخواتها. كما انها توفر السند المعنوي والرافد البشري لجبهة المقاومة والمقاومين .وبالتالي الوصول الى النهاية المنطقية والنتيجة الحتمية للصراع مجسدة انتزاع الحق لاصحابه الشرعين مرة والى الابد .اما المنزلة الثانيةوالتي نخشاها ولا نود اطلاقا الانزلاق نحوها هي الانزلاق الى ما يسمى التهدئة وادخال المساعدات الانسانية والمواد الغذائية والدوائية والوقود الخ.مقابل اطلاق سراح اسرى العدو الصهيوني(( الرهائن حسب تعبير الخليفة اردوغان)) والحديث فيما بعد وليس بالتزامن مع اطلاق سراح الاسرى والموقوفين الفلسطينيين وعدم تدنيس ساحات المسرى.وعلينا ان لا نستقبل اي وسيط مما يسمى بوسطاء السلام على غرار الوسيط الامركي فيليب حبيب خلال الاجتياح الصهيوني للبنان وحصار بيروت عام ١٩٨٢والتي ادت الى رحيل المقاتلين الفلسطينيين الى المنافي وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا.عبثا تحاول السلطة/ الجيتو البحث عن تهدئة لان ما يجري عصف بوجودها وهي خارج الحدث.والمعركة تديرها قوى المقاومة المتجذرة التي لن تسمح بالسبي او التهجير بعد اليوم. ولا يمكن باي حال من الاحوال ان تلدغ من ذات الجحر مرتين.

ان الناطق الرسمي باسم كتائب القسام قدم مبادرة لما يسمى دعاة السلام. مبادرة عنوانه ا( الاسرى والمسرى)) هذه المبادرة البسيطة في كلماتها البليغة في معناها تدل على الحنكة والدهاء السياسي للمقاومة ومرونتها.في ذات الوقت تضع الكيان في مازق لانها تعرف جيدا انه لا يوجد في الكيان اي مسؤول يجرؤ على على الخوض في هذه المسألة مع اي مسؤول اخر لان مصيره سيكون نفس المصير الذي لقيه اسحاق رابين.

ان استمرار القصف الهمجي والاجرامي لقطاع غزة والتهديد بالتهجير القسري والتطهير العرقي يتزامن الان مع تلك المشاريع المشبوهة من اجل ما يسمى بالتهدئة والعودة الى محادثات السلام قديمها الذي فشل وحديثها الذي ستفشله المقاومة .ليس امام جمهورها العظيم المتنامي الا النزول في منزلة واحدة فقط وهي الاستمرار في معركة طوفان الاقصى بحكمة وحنكة واقتدار . انها حرب استنزاف عسكرية واقتصادية وامنية ومعنوية للعدو، والتي ستتوج بحرب اقليمية ستغير خارطة الاقليم .نحن لسنا وحدنا في هذه المواجهة وهذا الميدان.فالدب الروسي والتنين الصيني يراقبان.وصمتهم ليس بصمت الحملان.وما يجري بلاد الاوكران اسطع برهان.

كل الرصاص بوجه الوطن العربي

وما زال لم يفهم الاغبياء

بان الرصاص طريق الخلاص

خطب الذل باعت دماءك

كلا

فانت المحال الذي لا يباع

وانت السماء

وانت القصاص

*الشعر لمظفر النواب

م/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري