كتب الدكتور أحمد الشامي:
مقالات
كتب الدكتور أحمد الشامي: "الحرب، كيف بدأت، وأيَّ منعطف حسّاس بلغته"؟
21 تشرين الأول 2023 , 14:15 م


بداية، يجدر التنبه إلى ضرورة توضيح الالتباس المتداول، حين يجري اعتبار اتحاد محور المقاومة يقتضي بالضرورة الفتح التلقائي لساحاته القتالية، فالمحور الذي يضم الجهات التي اتخذت من المقاومة محورَ جهادِها بِبُعدَيْهِ: الأكبرِ والأصغر، قد أثبتت الوقائعُ بأن لكل منها خصوصيةُ ساحتِه الجهادية، مع وجودِ آلِيّاتِ تنسيقٍ وتكامل ٍ،وتمكينٍ بين جبهاتِه أو ساحاتِه.

أمّا لجهةِ تحوُّلِ محورِ المقاومةِ إلى جبهةِ قتالٍ واحدة، فمن خلال خطاب أركانه،يمكن القول بضرورة تحقُّق ِ مُقدِّماتٍ لازمة،منها حصولُ تهديدٍ وجودِيٍّ لِأحدِ أركانِ المحور، والتي قدتتدرّجُ صعوداً نحو إطلاقِ المعركةِ الإقليميةِ الكبرى، التي باتت وعداً قائماً لدى مجتمع المحور. وبالتالي، لا حاجةَ لفتح بقيةِ الجبهاتِ إذا كانت الجبهةُ المفتوحةُ قادرةً على المواجهةِ وَحدَها، كما حصل في لبنانَ عام 2006.

*ماذا جرى؟

◦ قام أحدُ أركانِ المحور (غزّة)، بعمل ٍ مقاومٍ ضِمنَ ساحتِهِ (غلاف غزّة)، ولكنْ يبدو أنّ هذاالعمل قد تدرّج وتوسّع،لِيُشكِّلَ ضربةً كُبرى جداً، فاقت بنتائجها التوقعات، عند العدوِّ كما عندَ الحليف.

◦ وبطبيعةِ التفكير الإسرائيليِّ المتعالي، فقد تسرّع في إعلان قرار القضاء على المقاومةِ في غزّة، مُستعِيناً باتِّحادٍ ودعمٍ عمليٍّ من أركان ِ المِحوَرِ الأمريكيّ، وهذا مالامَسَ الخطَّ الأحمرَ لِمِحْوَرِ المقاومة، الذي بادرَ بدورِهِ إلى إعلانِ اتِّحادِ جبهاتِهِ القتالية.

وقبلَ استكمال ِ الرواية، يجدُرُ التَّنَبُّهُ أيضاً إلى خطإٍ يرتكبُهُ البعضُ عندنا، في الترويجِ لتقييمٍ غيرِ دقيقٍ للخطوةِ التي قامت بها المقاومةُ في غزّة، فهذا لا جدوى منهُ الآنَ على الإطلاق ِ أبداً، بل سيخدِمُ جبهةَ المحورِ الآخر، وقد يندمُ المرَوِّجونَ لذلكَ لاحقاً.

من جهته، سارع الأمريكيُّ إلى الإمساكِ بدَفَّةِ القيادةِ للجبهةِ الإسرائيلية،وحاول استكشافَ حقيقةِ الموقفِ لدى محورِ المقاومة؛ فجاء الردُّ: إنّنا فتحنا جبهاتِ القتال،وإنّ الحدَّ من اتِّساعِ دائرةِ القتال ِ يرتبطُ بتبريدِ الرؤوسِ الحاميةِ في المحورِ الأمريكيّ، من الإسرائيليِّ إلى العديدِ منَ الدولِ العربيةِ التي تدفعُ نحوَ القضاءِ على المقاومةِ في غزّة.

إلى أين تتجه الأمور؟

هنا أنصحُ،من بابِ المحبة، أن لا يسمحَ أحدٌ لِنَفسِهِ أن يَدَّعي معرفتّهُ الدقيقةَ بقراراتِ مِحوَرِ المقاومة، فهذا إساءةٌ لِمُجتَمعِنا لأنه لا يصنعُ رأياً عاماً واعيا، بَلِ التّوَجُّهُ نحوَ تقديمِ تحليل ٍ موضوعيٍّ لما يحصُلُ، وفَتْحُ النقاشِ على الخياراتِ القادمةِ كافّة، ولا حراجةَ من أجل ذلك في الاستعانةِ بطرح ِالتّساؤلاتِ والفرضيات.

يُلاحَظُ أنّ مِحوَرَ المقاومةِ يرفعُ الآنَ من وتيرةِ اتِّساعِ الجبهة، في لبنان، العراق، اليمن، سوريا، والأخبارُ عن نقلٍ لأسلحةٍ استراتيجيةٍ في إيران؛ ويُمكِنُ أنْ يُفهَمَ، في ذلك، السَّعيُ لِتَحقيقِ أهدافٍ تَتَدَرَّجُ وفقَ الآتي:

الأول: النَّفْيُ النِّهائِيُّ عندَ المحورِ المُعادي لِفِكْرَةِ القضاءِ على المقاومةِ في غزّة.

الثاني: منعُ الإسرائيليِّ ومَنْ يتعامَلُ معهُ مِنَ أنظمةٍ "عربية" مِنَ التَّحقيق،ِ عَبْرَ المُفاوضاتِ، مكاسِبَ سياسيةً تُعَوِّضُ ما خسروه في الضربةِ العسكريةِ الأولى وفي عجزِهِم عنِ الاجتياح الميدانِيّ، مثلَ تقسيمِ القطاع، ووضعِهِ تحتَ الوصايةِ الدولية، وغيرِها من الأهداف.

الثالث: سعيُ مِحْوَرِ المقاومة لِتحقيقِ مكاسبَ سياسيةٍ،للقضيةِ الفلسطينية، توازي في أهمِّيَّتِها ما حقَّقَتْهُ الضربةُ والمواجهاتُ الآن.

وخِتاماً، من المُهِمِّ الأخذُ بِعَيْن ِ الِاعتبارِ أنَّ في داخلِ مِحوَرِ المقاومةِ رأيٌ وازِنٌ يقول:

دَعُونا نُكْمِلْ ما بدأهُ الأُخوَةُ في غزّةَ، من تحطيمٍ لِاقْتِدارِ الجيشِ الإسرائيليّ، ونَفْيٍ لِثِقَةِ مُستوطِنيهِ بالآمانِ وبِجدوى البقاء، إلى جانبِ الفرصةِ المتاحة، لإمكانية فَرْضِ تَنازُلاتٍ يُقدِّمُها الأمريكيُّ، لِحَلْحَلَةِ العديدِ مِنَ القيودِ التي يَفْرِضُها على دول ِ المنطقةِ ومُجتمعاتِها.

ويبقى الخيرُ فيما حصل.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري