نظام عالمي يلفظ انفاسة الاخيرة باقدام اطفال غزة
مقالات
نظام عالمي يلفظ انفاسة الاخيرة باقدام اطفال غزة
د.عامر الربيعي
1 تشرين الثاني 2023 , 13:02 م



اشكالية : 

- ما هو الاكثر جدارة لتكون رمزا ، ان تموت بشرف لاجل قضايا عادلة ، ام تموت ملطخًا بدماء الابرياء المغدورين؟ 

من المؤكد سيكون الجواب لكل انسان وفقا لاصطفافه الايديولوجي بعيدا عن معرفة الحق.  


تاريخيا، مر مفهوم النظام العالمي في ظل الانظمة الراسمالية والاشتراكية بمراحل عدة ، كل مرحلة ذات مميزات معينة ، الى ان وصل الى اطار القطبية الاحادي بنسخة امريكا ، فبعد ان تم الاعلان عن مفهوم النظام العالمي في ويستفاليا ،في القرن السابع عشر على انه نظام فريد،وان مجرد ابتكار دولة مثل امريكا كدولة ناشئة مدفوعة بروح التنافس التجاري ، وحرية الملكية، ونظام اقتصادي قائم على المنافسة الحرة ، ليس هذا فقط ، اصبحت امريكا منبعاللصهيونية بدلا من بريطانيا ، ارض جديدة ، ذات جذور طبقية نبتت من نقيضين [ الاقطاعية والعبودية] تحمل شعار راس المال، يكفي العالم ان يعيش بوئام في ظل تبلورها كقوة ، بعد ان علقوا على راس المال عنوان الحرية !


اثبت اليوم هذا النظام العالمي ذو القطبية الاحادية،والذي تجتمع في ظل سيطرته على الامم من خلال مؤسسات دولية مختلفة تتحرك وفق انساق متعددة تتبلور وفقا للاوضاع الاستثنائية الناتجة عن القضايا القلقة التي اوجدها هذا النظام و بمجملها تصب لصالح هذا القطب . 

تظهر المؤسسات الدولية الامم المتحدة ، ومجلس الامن الدولي ، في ظل امريكا كانها مسلوبة الارادة والهوية والانتماء للانسانية ، تظيف هذه الاشكالية ،و من خلال حيادية المؤسسات الدولية من بعض القضايا ومنها قضية فلسطين،مفهوم السادية والدكتاتورية على نظام القطبية الاحادي. 


على الرغم من تعددالاخفاقات في مختلف الانساق التي تحرك بها نظام القطبية هذا ، بدءا من اخفاقاته في قيادة العالم بسلام ، وصولا الى عدم قدرته على ايجاد الية لتصويب حركة الانظمة الاجتماعية ، اوتفعيل خطط تنموية ترتقي عن طريقها البلاد الفقيرة ،يظاف اليه الخلل الفكري الذي يتحرك فيه مفهوم العدالة والمساواة وتطبيقهما في علاقاتها الخارجية مع دول العالم، اخفاقات ساهمت بشكل فعال على تعقيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمعظم دول العالم من خلال ترسيخ عوامل الفوضى في السيادة على دول العالم . 




يقول مارتن غريفش ( ان النظام العالمي فشل في عشرينيات القرن الماضي في تحقيق السلام الدولي كما فشل في تحويل العلاقات الدولية من عالم نزاعات الى عالم تعاون ).



ولضخ روح الاستمرارية لهذا النظام وادامته ، اعتمد اعادة تقسيم الجيوسياسي للعالم وفقا للمتطلبات المستجدة في التطور الاقتصادي الراسمالي في مرحلة العولمة التي كان مقرر لها ان تنجز تحت غطاء حقوق الانسان وملف الحرب على الارهاب ، فكانت قضايا هذا القطب تتمحور في: ( الحفاظ على موقع القطبية الاحادية في العالم بكل الطرق والوسائل،امن الكيان الصهيوني ،العولمة من خلال حركة راس المال ، وزيادة ادارته لعجلة الاقتصاد من خلال زيادة ملكية راس المال هذا ، والاستيلاء على الثروات لادامة حركة هذا المال ، الدعم للتحالفات العسكرية لادامة هذه القضايا. 

كل ذلك تطلب انساق سياسية متعددة ، مما ادى الى ان يصبح العالم ذو قيادة فوضوية ، خالي من السيادة الاممية المتفقة بما فيه صالح الامم بل تتفق بما فيه صالح النظام الاحادي. 

انما نظام عالمي خطر ومضر بالسلم العالمي، واصبح يشكل عبئا ثقيلا ، يقتل الاطفال ويسرق ثرواتهم ليبقى .


ضحايا هذا النظام ، عديدون ، توزعو بين مختلف القارات ، نراهم صرعى من خلال خطوات. 

بيديه ، قدم نفسه على انه نظام عالمي يمتص دماء البشرية ، واخر ضحاياه اطفال غزة الابية يقتلون كل يوم امام مراى ومسمع من العالم .

لا تستطيع المنظمات الدولية ان تقوم بواجبها لحجم التزاحم لانساق حركت هذه الفوضى الدولية ، ليشهد العالم بشاعة نظام عالمي يلفظ انفاسه الاخيرة بهستيريا المنهزم . متشبثا بارواح اهل غزة الصامدة. 


اليك غزة الحرة ، وليس للعبيد : (تغفو غزة على اجنحة الظلام ، ويهز مهدها نجوم السماء ، تعانق ابناءها وتبعثهم تباعا نحو النور ، نحو الخلود، دون ضجيج ترسانة شياطين الجن والانس).


- اين المواثيق الدولية؟

-اين اتفاقيات حوار الحضارات؟

- اين حظر اسلحة الدمار الشامل؟

- اين حقوق الانسان ؟ اين حقوق غزة؟

- هل انشاء النظام العالمي من قبل الوضعين استراتيجية صالحة؟


انسلاخ النظام العالمي ذو القطبية الاحاديةعن كل تلك القوانين تاريخيا ، اثبت اخفاقه في غزة عدم قدرته على تفعيل المعاهدات والاتفاقيات الدولية الانفة الذكر ، كانت تنشد بناء مجتمع دولي اكثر تقدما وانسانية وقاعدة من الوعي المتجانس بين شعوب العالم ، لكن كل يوم يمر من عمر هذا النظام يجد العالم نفسه امام استغلال بشع للمؤسسات والمنظمات الدولية من قبله ، وابرزها ، على سبيل المثال، الاستغلال البشع للسياسة الخارجية الاميركية لاعلان حقوق الانسان الذي صدر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في العام 1948، وانفراد امريكا بادارة هذا الملف بدلا من الامم المتحدة وجعلت منه اداة فعالة للاستخدام المزدوج ضد من لا يلائم تطلعاتها التوسعية في مرحلة العولمة.


نظام من اللوبيات للشركات والمؤسسات ، يحكم امريكا ، ياخذنا الى بدايات تاريخ امريكا ولوبيات الاقطاعيين الحذرين اللذين مدوا اطماعهم الى بقاع العالم المختلفة ، وللاسترزاق الدائم ، لبس هولاء الاقطاعيين ، الكاوبوي في القرية العالمية ، فاصبحوا يجولون في انحاء هذه القرية بفوضى ، تحت شعارات فضاضة ، يرددها اجلاف برابرة ( الغاية تبرر الوسيلة ، البقاء للاقوى ، الضرب تحت الجدار ، الاحتواء والانخراط ، اكذب اكذب حتى يصدقك الجميع ) ويفرغون هذه الكومة من تحليلات نازية لتنشيء نظام عالمي من مجموعة من المهرجين العالميين الراقصين على عذابات الشعوب . 




لك غزة الحرة , ليرى العالم ابتسامتك الدائمة.

جراح الورد تنزف فوق ثراك غزة 

خذيه يارياح الصبا هونا ، واحضينه هونا ، 

وقدميه قربانا نبيلا يشع شذى عطره الخافقين.




من ابرز هولاء المهرجين ، هنري كسينجر ، تراه مرهقا ، فتارة ثعلبا واخرى مجرما ، يحلل علاقات امريكا الفيدرالية ، مع الاقطاب العالمية الاخرى ، ممن تخافها امريكا على المدى القريب والبعيد ، وتعتبرها تشكل خطرا عليها ، فتراه يقفز مثل حجر الدمنيو ، ليرسم سياسة بلده الفوضوية بخطواته العابثة ، اينما حل مستثمرا مصطلحات الحرب في خلق التوازن بين طرفي النزاع على سبيل المثال: بدل البحث عن حل جذري لامريكا كدولة مسؤولة في العالم في علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي وفق حوار الحضارات، نراه يحصن بلده من خلال اسلحة الدمار الشامل ، فيضع امريكا خلف ندية استخدام الاسلحة النووية كحل رادع لروسيا وفق قاعدة توازن الردع في الاستهداف النووي بين الطرفين ( مفهوم حرب الجميع ضد الجميع فلسفة تقوم عليها حركة المذهب الراسمالي ) ساحة عالمية في ظله ساخنة كل واحد منهم ينتظر ضربة قاتلة من الاخر .


تتفاعل الجغرافية السياسية مع حركة القوة الصاعدة سلبا او ايجابا ، اقطاب عالمية تشهد تعاظما تتناغم مع الاهمية الجيواقتصادية لمناطق اخرى من دول العالم تعتبر ذات اهمية له، والمؤثر في الامن القومي للجميع، وغرب اسيا من اول هذه المناطق . 


ليس بالامر الجديد فشل الاستراتيجية الامريكية في حلها القضايا والمعضلات العالمية :

-منها فيتنام ، لم تستطع امريكا ان تقضي على رجال المقاومة في فيتنام ، في افريقيا ، اسيا ، امريكا اللاتينية،محور المقاومة .

-ولم تستطع ان تجد قاعدة ثابتة لاتفاقات اوسلو وتنفيذ بنود اتفاقيات حل الدولتين بين فلسطين والكيان الصهيونى.

- امام هكذا فشل ، هل تستحق امريكا ان تعطى وسام الشرف في ادارتها للنظام العالمي ؟ 

- لماذا اعطت شعوب العالم هذه الثقة ، لدولة احادية ، قامت على حقيقة ابادة شعب امريكا الاصليين ؟

- امام هكذا حقائق ، ماذا ينتظر العالم من امريكا ، ان تقدم له نظام عالمي اجتماعي ، ام نظام ابادة جماعي ؟ 




لك غزة الحرة ، لانك انتي الحرة فقط.

لنقف عند اعتاب غزة ، 

نسارع الخطى بين سفوحك 

الحزينة.

لنودع ضحكات ملأت ارجاء المكان.

اقمار بريئة ردع وجودها ظلام وفوضى …





نظام دولي يغرق في ظلام غزة،هل استثمرت امريكا ازمة "اسرائيل" مرة اخرى ، ونشّطت مشروع المثلت بين دفتي سوريا العراق بقاعدة التنف ، وبظهرها الاردن . سياسة الردع بالوكالة ، فبعد داعش كاداة لتذليل الصعوبات امام توحيد الساحات لهذا النظام العالمي سابقا، تم استثمار ساحة" اسرائيل "داخليا لاجل هذا الغرض .-كيف تم ذلك ؟

الالتفاف العالمي المفاجيء حول شخصية نتنياهو الغير مرحب بها في معظم الدول ومنها امريكا ، كان يشير الى الاختلاف بين نشاط الحركة الصهيوامبريالي في امريكا وبين جنود هذه الحركة في الكيان الصهيوني ، ومنهم نتنياهو الفاسد ، هذا الاختلاف فرضته الدوافع القطرية الدستوريةالمؤسسة لبلديهما اولها السيادة والتي عن طريقها يحافظ الجميع على هيكليته ثابتة وضمن خطوات نفعية. 


ما حدث في 7/اكتوبر ، قلب الثوابت القُطرية لكيليهما واعادهم الى الواجهة العالمية مجاميع ارهابية بنظر الشرعية الدولية، لتضرب هذه المجاميع تحت الجدار كردة فعل انتقامية تظهرعن طريقها قوة ، وتُسقط اي شرعية قانونية، فتعيد تنشيط الهجرة الاستيطان ، وهو نفس سيناريو رفعته داعش.لذلك نلاحظ ان المثلث الذي تتحرك به العملية الصهيونية في فلسطين اخذت ابعادا جيوسياسية تصاعدية كوجه اخر مبطن من العلمية ، كان ومازال حلم الكيان الصهيونى تسفير الفلسطينين الى اما المناطق الغربية من العراق ( صحراء الانبار ) ، ( صحراء سيناء ) ، ( الاردن ) ، وبما ان مصر والاردن دول مطبعة وملزمة بثوابت لقوانين عسكرية تحكم هذه الاتفاقيات ، فان نظامها الحاكم لا يخطوا اي خطوة فاعلة في احداث تغيير فلسطيني - اسرائيلي ، والملاحظ ان في هذا المثلث اذا ما اضفنا له تمركز القواعد الامريكية من جهة سوريا وخاصة قاعدة التنف يقابلها التنف العراقي تحدث مساحة جغرافية مكونة من اضلاع اربعة ( غزة ، سوريا ، العراق ، سيناء ). 

يدخل ضمن هذه الاضلاع ، اتوماتيكيا غزة كاملة والاردن ، لتتحد مع التنف العراقي - السوري حيث يتموضع في هذه القواعد مقرات تدريب للجماعات المسلحة تكفيرية من جهة ، يقابلها من الجهة الخلفية ( مصر)، سيناء التي تحتوي على خلايا نائمة لتنظيمات تكفيرية. 

وهنا يفسر لماذا غاب اسم الانبار من خارطة العراق ، مع الاشارة الى الزيارة المفاجئة لمحمد الحلبوسي لباريس في عز الازمة في فلسطين.


لنكون امام سيطرة اسرائيلية على كامل الجغرافيا يرافقها اسلحة التكفير والتحالف الدولي ، كل ذلك يدخل في ظل سيطرة خطوط التجارة الامريكي الذي اتخذ شكل صفقة القرن ، والنهوض بما يعرف باحياء العقبة التي ستصبح اسرائيلية ، ومشروع نيوم الذي يراد له ان يكون نهوضا اقتصاديا وتغييرا جيوسياسيا على الكيان، واداة احتكاك سلبية متواصلة بين السعودية ومصر والكيان الصهيوني ، فسيناء من الضفة الاخرى ،ستكون منطقة احتكاك تساعد الكيان في كلا الحالين على تدعيم قضم المزيد من الاراضي العربية ، كحركة النجمة المعقوفة.

هذا الملف بالتحديد فشلت فيه امريكا في العراق وسوريا ضد الجماعات الارهابية ، وفشلها اليوم في قيادة ملف حقوق الانسان سيكون على يد اطفال غزة.


د. عامر الربيعي 

رئيس مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية العربية الأوربية في باريس

المصدر: إضاءات