دخلت الحرب على غزة أسبوعها الخامس، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وبالطبع لا يمكن الكتابة بعيداً عن القضية الفلسطينية، وبصفة خاصة عن المقاومة البطلة والشجاعة، وهنا يحضر بطل المقاومة وسيدها سماحة السيد حسن نصر الله الذي انتظر العالم أجمع ما يقرب من شهر حتى يخرج ليعلن موقفه، ومنذ اليوم الأول للإعلان عن خطابه المرتقب والعالم يقف على قدم وساق واحدة في انتظار كلمته، التي أذيعت يوم الجمعة الثالث من نوفمبر ( تشرين أول) حيث ظهر السيد في فيديو عبارة عن ثوان قليلة بني عليها نتائج كبيرة يخطو فيه بضع خطوات خلفه شعار الحزب وراية المقاومة.
حيث انهالت التحليلات والتأويلات عبر كل وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بما فيها وسائل إعلام العدو، الذي استعان بخبراء ومحللين لتحليل حركة السيد وخطواته ونظرته الرامية للأمام، ومن ثم دخوله غرفة مجهولة زارعاً الرعب في أوساط الشارع الإسرائيلي، وقد إعتاد حزب الله على هذا النوع من الحرب النفسية، ولأن السيد يتمتع بمصداقية عالية ليس فقط عند البيئة الحاضنة للمقاومة، ولكن أيضا عند الجمهور الإسرائيلي، حيث تحدث الإعلام العبري في بداية عملية طوفان الأقصى، بأن لحظة ظهور السيد على شاشات التلفزة ستكون بمثابة يوم القيامة عند الإسرائيليين.
وهنا نستطيع أن نعاين حجم التحليلات التي رافقت ظهور سماحة السيد حيث أشارت قناة ١٢ الإسرائيلية إلى أن ظهور السيد وخلفه شعار المقاومة إشارة إلى الشر وبدء الهجوم، كذلك جريدة معاريف التي تحدثت عن الحرب النفسية المكتومة التي يشنها حزب الله وتوصيفها بالرسالة الغامضة، حتى أن هذه المادة انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، واصبحوا يعتمدون عبارة السيد نصر الله قائد الحرب النفسية، وأنه الأكثر تأثيراً بموضوع الحرب النفسية، كذلك جريدة يديعوت أحرنوت وغيرها من المواقع والمنصات.
وجاء خطاب السيد مخالفاً لما اعتقده البعض حيث أنه بداية طالب العالم بتحمل مسؤولياته، والحكومات العربية والإسلامية ببذل كل الجهود لفرض وقف العدوان على غزة قائلا : " لا يكفي التنديد والاستنكار والشجب والرفض اقطعوا العلاقات واسحبو السفراء لا يكفي أن نخطب وفي نفس الوقت نرسل النفط والغاز والمواد الغذائية لإسرائيل".
وأكد السيد على أن المقاومة اللبنانية دخلت المعركة منذ اليوم الثاني للعملية ليحسم بذلك موقف حزب الله من عملية طوفان الأقصى التي " أكد أن قرارها كان فلسطينياً خالصاً ولم يعلم بها أحد من محور المقاومة قبل بدء انطلاقها، وبمجرد العلم بدأت المشاركة من مزارع شبعة وتلال كفر شوبا وامتدت إلى كامل الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة "،
وأكد السيد " أن ما يجري على الحدود اللبنانية مهم جداً وغير مسبوق بالنسبة للكيان، ولم يحصل حتى في حرب تموز، فبعد ساعات على بدء عملية طوفان الأقصى بدأ العدو بسحب قواته النظامية من الحدود، وهو في حالة انهيار معنوي واستدعى الاحتياط من أجل قطاع غزة المحاصر ذات المساحة المحدودة يريد أن يأخذ كل الجيش ويسحبه من شمال فلسطين ويستعيض عنهم ببعض قوات الاحتياط، واستدعاء الاحتياط هي سابقة لدى الاحتلال الإسرائيلي".
وأشار "إن العمليات التي بدأت كانت تتصاعد يوماً بعد يوم وأجبرت العدو على أن يبقي قواته عند الحدود في شمال فلسطين المحتلة بل أن يضيف إليها بعض القوات وخصوصا قوات النخبة، كل هذه القوات كان سينقلها من الضفة إلى قطاع غزة، الذي يحدث الآن غير مسبوق أن تتعرض كل المواقع الإسرائيلية من البحر ومزارع شبعة وصولا لتلال كفر شوبا لعمليات هجومية يومية ومركزة، تستهدف الدبابات والآليات والمسيرات والجنود وتجمعاتهم وتجهيزاتها الفنية التي هي عيونها وآذانها وبمختلف الأسلحة".
ثم أكد "إن المقاومة اللبنانية ومنذ ٨ تشرين الأول تخوض معركة حقيقية لا يشعر بها إلا من هو بالفعل في المناطق الحدودية، من المقاتلين والسكان معركة مختلفة عن كل المعارك التي خاضتها المقاومة سواء قبل ٢٠٠٠ أو في ٢٠٠٦ وما بعدها، معركة مختلفة في ظروفها وحيثياتها في عناوينها وفي أدواتها في استهدافاتها وفي إجراءاتها، ولذلك قدم فيها هذه الكوكبة الكبيرة من الشهداء، ما يجري على جبهتنا مهم جداً ومؤثر جداً قد يبدو للبعض الذي يتوقع ويطالب حزب الله في حرب كاملة وشاملة مع العدو قد يبدو ما يجري متواضعاً ولكن لو نظرنا لما يجري على الحدود بموضوعية سيجده كبير جداً ومهم جداً ومؤثر جداً وطبعا لن يتم الاكتفاء به على كل حال".
وأشار السيد " نتائج ما قمنا به من عمليات يومية أجبرت العدو على أن يبقي قواته عند شمال فلسطين، لا بل أن يضيف إليها بعض قوات النخبة، وهذه القوات كانت ستسخر للهجوم على غزة، والجبهة اللبنانية استطاعت جذبها باتجاه حدودنا، ثلث الجيش الإسرائيلي موجود على الحدود مع لبنان، ونصف القدرات البحرية الإسرائيلية الآن موجودة في البحر المتوسط مقابلنا ومقابل حيفا، وربع القوات الجوية مسخرة باتجاه لبنان، وما يقارب نصف الدفاع الصاروخي (القبة الحديدية والصاروخية ) والباتريوت موجهة باتجاه جبهة لبنان، وقرب الثلث من القوات اللوجستية موجهة باتجاه لبنان، وهذه أرقام صحيحة ودقيقة، نزوح عشرات آلاف من سكان المستعمرات وإخلاء آلاف آخرين في الشمال، ٤٣ مستعمرة تم اخلاؤها ومن هم موجودون الآن في المستعمرات هم جنود وليسوا سكان، وفي الجنوب مقابل غزة ٥٨ مستعمرة تم اخلاؤها هؤلاء الذين تم اخلاؤهم من الشمال والجنوب يشكلون ضغطاً كبيراً على المستوى النفسي والمعنوي والمالي والاقتصادي وهذا يخدم مسألة الضغط والوقت، وهذه العمليات على الحدود أوجدت حالة من الترقب والذعر والخوف لدى قيادة العدو السياسية والعسكرية وأيضا لدى الأميركيين".
وأكد سماحة السيد على " الأبعاد الاستراتيجية لما يجري وانعكاس ذلك على دول الجوار وبخاصة مصر والأردن والمخاطر التي تتهددهما في حالة انتصار العدو" ، وأشاد وبارك " دور مجاهدو اليمن والعراق بالانخراط في المعركة"، وختم بموقف المقاومة المنتظر من الصراع بأنه " خاضع لتطورات الميدان، وأن آفاقه مفتوحة على كافة الخيارات"، وكانت الرسالة الأهم موجهة للعدو الأمريكي الوحيد الذي يملك إيقاف عدوان الآلة العسكرية الصهيونية على غزة " إن حاملات طائراتكم وبوارجكم وتهديداتكم وانذاراتكم لن تخيفنا ولن تغير من موقفنا، فقد أعددنا العدة المناسبة، وكل الخيارات مفتوحة، وكذلك الغموض الإيجابي، والأبواب مفتوحة على كافة الاحتمالات إذا ما اقتضى الأمر، الأمور مرهونة بوقف العدوان على غزة، وغير ذلك فإننا سنكون حاضرين بكل ما نملك".
وقد تباينت ردود الأفعال حول خطاب السيد بين مؤيد ومعارض، وانطلقت أبواق الصهيونية العربية التي تعمل بالوكالة لدى الإسرائيلي، وراح البعض إلى حد التخوين واتهام الحزب بالهروب والاستسلام، بينما رأى البعض بأن الحكم على خطاب السيد لا يؤخذ من خلال العامة فلا تبنى القرارات الكبرى خاصة في إعلان حرب قد تكون شاملة وتعيد رسم خرائط وقد تكون مدمرة من خلال حماسة الناس، وأن قرار الحرب يجب أن يؤخذ حسب المعطيات الملائمة، كما رأى البعض خطاب السيد شفافاً ومتوازناً ومتفهماً، فيما راحت بعض التأويلات إلى أن الخطاب عدل في آخر لحظة لأن هناك شيئا يحضر للمنطقة، وهناك٩ تلمس لبعض المفاوضات من خلال لقاءات بين الوزير الإيراني مع نظيره القطري، ولقاء وزير الخارجية الأميركي مع خمس وزراء عرب، وهذا يتطلب عدم تصعيد الموقف إلى حرب كبرى، أما رأيي الشخصي فأن خطاب السيد أعطى بعض الإشارات والرسائل بالتأكيد فهمها وتلقفها الأميركي والإسرائيلي، وسوف يعمل لها ألف حساب، خاصة وأنهم يعلمون جيداً أن سماحة السيد لا يتحدث باسم المقاومة اللبنانية فحسب، بل هو المتحدث الرسمي باسم محور المقاومة ككل، والذي يمتلك الآن قدرات بإمكانها الإضرار البالغ بالمصالح الأمريكية بالمنطقة، لذلك سيحاول العدو الأمريكي الخروج من هذا المستنقع حتى لا تتدحرج الأمور نحو حرب إقليمية، وسوف يجبر العدو الصهيوني على وقف العدوان على غزة والذهاب لعملية تفاوضية مع المقاومة، التي أعلنت انتصارها منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد