منذ نشأة المجتمع القبلي في البوادي والمجتمع الزراعي في الارياف فان المجتمعات العربيةوعلى اتساع الرقعة الجغرافية ، لها ما يميزها عن المجتمعات البشرية يعود الى العقل العربي الميال بقوة الى النزاعات التي تفضي الى انقسامات لا يمكن تجاوزها .جاء الاسلام كدين يهدف الى توحيد وتعاضد هذه المجتمعات ورغم اتخاذها الاسلام دينا الا انها لم تتخلى عن نزعاتها وميولها الى الانقسام .في العصر الحديث فشلت الدعوات القومية الى الوحدة العربية واصتدمت بالعقل العربي الماقبل اسلامي.
لا زالت المجتمعات العربية في القرن الحادي والعشرين تتكرر فيها النزاعات الداخلية التي تولد حتما اليًة لانهاء الخلافات التي اذا ما تركت خارج السيطرة فانها تهدد بدمار النسيج الاجتماعي كله.لذلك كانت الوساطة بين المجتمعات العربية هي الاسلوب التقليدي لحل النزاعات والخلافات.ما زالت هي الاسلوب المتبع في العصر الحديث ، حيث الوساطة هي المتبعة في انهاء النزاعات السياسية والعسكرية داخل الدولة الواحدة او بين الدول العربيةايضا تماما مثل حل الخلافات بين المجتمعات القبلية والقروية.ما زال الوسيط يلعب دورا مهما وفعالا وحاسما في اي نزاع بين الطرفين ، الذي يشعر كل منهما ان كرامته وشرفه في خطر وان التنازل قيد انملة سوف يعصف باحترام الذات والكرامة.ان الطرف الذي يتخذ الخطوة الاولى هي مؤشر ودليل على ضعفه وهوانه وبالتالي تنازله عن شرفه وكرامته، وعليه فانه يكاد ان يكون مستحيلا ان يصل الى اتفاق مباشر مع خصمه في اي نزاع او خلاف.وحسب التقاليد العربية فان الذم والتحقير يحفز التصعيد والمبالغة والوقوف وجها لوجه بين الطرفين المتخاصمين سيقود الى تفاقم الخلاف بدل ان يكون خطوة باتجاه الحل.من هنا ياتي دور الوسيط في فض الاشتباك بين الطرفين وجعل الاستمرار في النزاع امرا غير مقبول، واجبارهما على وقف القتال ويقوم الوسيط بفرض قيود على الطرفين ان لم يكن في المطالب والمواقف على الاقل في تصريحاتهما الشفوية.ان الوسيط والوساطة ما زالت هي الثقافة المعتمدة والمعمول بها في المجتمعات القبلية والقروية ، حتى في الحالات التي يتم اللجوء فيها الى الاحكام القضائية للدولة فان دور الوساطة والوسيط يبقى ضروريا لتهدئة الطرف الذي صدر الحكم ضده. ان الدولة العربية لا زالت مقيدة اليدين امام هذه الثقافة الموروثة منذ قرون .
ان ما دفعني لكتابة هذه المقدمة هو ان حركات التحرر الوطني ادارت صراعها مع المحتل والمستعمر الاستيطاني واستمرت به حتى بلغ نهايته المنطقية.ولهذا كانت سني نضالها معدودة. اما في حالتنا الفلسطينية وصراعنا الوجودي مع الكيان الاستيطاني الاجلائي بالاضافة الى الصراع الحضاري مع الامة العربية حيث يشكل الكيان الغدة السرطانية في الجسم العربي وقاعدة متقدمة للاستعمار العالمي .ان النضال ضد هذا الكيان يجب ان يستمر وان نوصله ونحمله الى نهايته المنطقية وذلك بتصفيته والقضاء عليه نهائيا وتحرير فلسطين من البحر الى النهر.ان كل الاخفاقات السياسية في التعاطي مع الكيان وداعميه تعزى كلها الى ثقافة الوساطة والوسيط الموروثة والمتبعة والمعتمدة عربيا - عربيا او عربيا - والكيان وداعميه.ان الكيان واعداء الامة العربية يعرفون جيدا ويعلمون علم اليقين هذه الثقافة ويستغلوها بكفاءة عالية للحصول على ما يريدون من تنازلات وتاريخ الصراع معهم خير دليل على ذلك.من كامب ديفيد واجتياح لبنان واوسلو وما لحقه من التطبيع المجاني.
في المواجهة المحتدمة حاليا مع الكيان التي فجر بركانها عملية طوفان الاقصى وراس حربتها كتائب القسام ومعها سرايا القدس حيث استخدم الجانب الفلسطيني الاسلحة الحربية الحديثة والحرب الالكترونية وطبق احدث التكتيكات العسكرية والاستخباراتية بكفاءة عالية وجسارة وشجاعة وبطولة في الميدان .ان طوفان الاقصى ما زال يستنزف جيش الكيان المهان ويلحق به الخسائر المادية والبشرية .ان غرفة العمليات في غزة لا يهددها جيش الكيان المدحور حتما في الميدان. لكن الخطر كل الخطر يكمن في احتمال استحضار الثقافة التقليدية الموروثة لما يسمى فض الاشتباك والوصول الى هدن مؤقتة وتجزئة الهدف والمطلب الاستراتيجي لعملية طوفان الاقصى الذي اعلنه الناطق الرسمي باسم كتائب القسام ابو عبيدة (( تنظيف السجون من الاسرى وعدم التعرض للمسرى)).ان هذا الهدف يجب ان لا يخضع للتجزئة لان الانزلاق الى التعامل بالقطاعي والمفرق سيؤدي حتما لخسارة كل المكاسب التي تحققت بنضال وكفاح وتضحيات شعبنا في غزة مقاومين ومدنيين .ان مجزرة صبرا وشاتيلا يجب ان تبقى حاضرة في الاذهان والوجدان لان هذا الكيان لا عهد له ولا امان
م/ زياد ابو الرجا.