م. ميشيل كلاغاصي
13/1/2024
مالذي انتظره العالم كي يتحرك بشكلٍ جدي وفعال, والعدوان الأمريكي – الإسرائيلي – الغربي على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة, يسجل مئة يوم حتى الاّن, ألم يكتفي حلف الإجرام بإغتيال وقتل وإزهاق أرواح أكثر من 30 ألف فلسطيني جلهم من النساء والأطفال والمدنيين، عبرعدوانٍ صارخ الهمجية يندى له جنبين الإنسانية الصامتة, ومن يفكرون بالإفلات من العقاب, ألم ير العالم كيف أصبح أهالي غزة بلا مأوى وبدون طعام ودواء ومياه صالحة للإستهلاك البشري, ألا يعرفون أنه فصل الشتاء وكيف للبشر أن تبقى بدون مأوى ودفء ومدارس ومشافي وبنى تحتية, لماذا فشل المجتمع الدولي ومؤسساته الدولية في وقف هذه الوحشية والإبادة الجماعية, ولماذا الولايات المتحدة استخدمت حق الفيتو لمنع قرار الأمم المتحدة الذي دعا إلى هدنة إنسانية في غزة.
وحدها جنوب أفريقيا، الدولة التي انبرت وتولت قضية الإبادة الجماعية التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها قادة الكيان الإسرائيلي في غزة, على الرغم من أنها ليست دولةً عربية أو إسلامية, وطرقت أبواب محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023, لإدانة ومقاضاة الكيان الإسرائيلي نتيجة إنتهاكه اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948, ولإنتزاع حكمٍ وقرارٍ المحكمة بوقف عدوان القوات الإسرائيلية في قطاع غزة بشكلٍ فوري.
وعلى مدى يومي 11 و12 يناير/كانون الثاني, فتحت محكمة العدل الدولية أبوابها وجلساتها في لاهاي, من خلال أشهر مواجهة متوقعة بين جنوب أفريقيا و"إسرائيل" التي تواجه تهم إرتكابها جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة, وسط إدعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأقواته تتصرف بـ "أخلاقية لا مثيل لها" في حملتها العسكرية داخل غزة.
ومع ذلك , حاولت "إسرائيل" عبر فريق دفاعها الإعتراض على عنوان الدعوى "الإبادة الجماعية, وحاول البريطاني, وهو محامي دفاع الكيان الإسرائيلي في لاهاي, تهديد المحكمة والقضاة وأعاد تذكيرهم بأن القوى الغربية ووعد بلفور هما من يدعمان "إسرائيل", وأن مقاضاتها تعني الضرر بمصالح الغرب, كما حاول إتهام مصر بإغلاق معبر رفح ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة, ولم يوفر أي اتهامات وأكاذيب لجعل المحكمة ترفض الدعوى.
وكانت جنوب أفريقيا قد قدمت للمحكمة ملفاً قانونياً شاملاً يتألف من 84 صفحة، بعد أن تمت صياغته بإحكام, حمل ما يكفي من الإثباتات على قيام حكومة الكيان والقوات الإسرائيلية بأفعال وممارساتٍ إجرامية "تحمل طابع الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة", وبحسب الفريق القانوني الممثل لجنوب أفريقيا , فإن الملف متماسك وقوي وجاهز للرد على كل ما يمكن أن تتذرع به "إسرائيل" لنفي أو تبرير أو تفنيد أفعالها بعيداً عما تتهم به, وبما يشمل قتل الفلسطينيين بشكل فردي وجماعي, والحاق الضرر الجسدي والنفسي بالمدنيين, وممارسة الإضطهاد الجماعي والتجويع وحرمان الفلسطينيين من الخدمات الحيوية الأساسية, ناهيك عن التخطيط والتصريح العلني المسبق وقبل إرتكاب الأفعال الجرمية.
وعلى الرغم من كون "إسرائيل" ليست من الدول المشاركة في هذه المحكمة, لكنها قررت المثول أمامها بإعتبارها من الأطراف الموقعة على اتفاقية الإبادة الجماعية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1948، وخشيتها في الوقت ذاته من صدور حكم غيابي بحقها, وسط ثقتها بحلفائها الغربيين, بأنهم لن يقدموا للمحكمة أي دعم يذكر, ووسط معارضة أمريكية قوية لهذه القضية برمتها, وتأكيد المتحدث بإسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، بإنها "بلا قيمة" و"لا أساس لها على الإطلاق", ويبقى السؤال عن دعم باقي دول العالم , وتحديداً دعم الدول العربية والإسلامية ودول العالم الحر.
فقد أعلنت منظمة التعاون الإسلامي والتي تضم 57 دولة عن دعمها ملف جنوب أفريقيا، كذلك فعلت فلسطين وسورية والجزائر وبنغلاديش وباكستان والبرازيل وبوليفيا وكوبا وكولومبيا وفلسطين والعراق وإيران وتركيا وهندوراس والأردن ومصر وليبيا وناميبيا وماليزيا وغيرها... في حين تجاهلت بعض الدول العربية القيام بإجراءاتٍ واضحة وفاعلة لدعم ملف جنوب أفريقيا, ولوقف العدوان, في الوقت الذي التق وصافح فيه ساستها الأيادي الإسرائيلية الملطخة بدماء الفلسطينيين, تحت عناوين مختلفة, لكن هذه الدول بدت عاجزة عن إقناع الشارع العربي بأنها معنية بمأساة القطاع والضفة الحالية, والقضية الفلسطينية برمتها, على حساب التطبيع والعلاقات الثنائية مع العدو الإسرائيلي, وبقيت أعينها على مكاسبها ومشاريعها الإقتصادية القادمة بالإشتراك والتعاون مع سلطات الكيان تحت عناوين سلام المتخاذلين, والتطبيع المجاني المشبوه , والإزدهار الاقتصادي المشكوك فيه.
بات من المؤكد أن الصمت الرسمي العربي ساهم بتشجيع العدو الإسرائيلي على التفكير بتوسيع العدوان, وقيامه بتنفيذ عملياتٍ عسكرية في سورية ولبنان وتهديد العراق واليمن وإيران, كذلك ساعدها على تجاهل قرار الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار الذي أيدته 150 دولة في العالم.
يدرك الفلسطينيون وكذلك المقاومة الفلسطينية مسبقاً بأنهم لن يكونوا وحدهم في ساحة المواجهة مع العدو الإسرائيلي اليوم كما في السابق وفي المعارك والحروب القادمة, وأن عدداً من الدول العربية المقاومة المعروفة بتمسكها بتحرير فلسطين وكافة الأراضي العربية التي استباحها واحتلها العدو الإسرائيلي, لم تتوقف عن دعم المقاومة الفلسطينية , وبأنها لن تتخلَّ عنهم بقادتها وجيوشها الوطنية وحكوماتها وشعوبها, وكذلك أحزاب وحركات وفصائل المقاومة من اليمن مروراً بلبنان وسورية ووصولاً إلى العراق, ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد , فجمهورية إيران الإسلامية كانت وستبقى على عهدها في دعم القضية الفلسطينية حتى التحرير الكامل, وبدعم محور المقاومة مجتمعاً.
قد لا يكون هناك قرار سريع حول تجريم "إسرائيل" وإدانة الكيان وقادته السياسيين والعسكريين بجريمة الإبادة الجماعية, لكن هي البداية لمسار كسر شوكة الكيان الغاصب وغطرسته, وإدانته بأفعاله ومحاسبته على جرائمه التي يرتكبها منذ عقود طويلة, ويبقى التعويل على إصدار قرارٍ فوري بوقف العدوان الهمجي على قطاع غزة والضفة الغربية, ووقفٍ كامل للمخططات الخبيثة, بدءاً من مخطط قناة بن غوريون, مروراً بالسيطرة ونهب احتياطيات الغاز في غزة, ناهيك عن مخططات التهجير والتسفير القسري لملايين الفلسطينيين, بالتأكيد هي مخططاتٌ لم تكن لتجرؤ حكومة العدو على التفكير بها لولا كونها مخططات مشتركة يقف ورائها مثلث الشراكة المتوحشة للولايات المتحدة و"إسرائيل" وغالبية العواصم الغربية, وللأسف بعض العواصم العربية أيضاً.
م. ميشيل كلاغاصي
13/1/2024