كتب الأستاذ سامح عسكر: موضوع تجنيس بعض المشاهير لا يستحق هذه الضجة..
مقالات
كتب الأستاذ سامح عسكر: موضوع تجنيس بعض المشاهير لا يستحق هذه الضجة..
سامح عسكر
28 كانون الثاني 2024 , 19:22 م


كثير من المشاهير والمؤثرين من جنسيات شامية وسودانية وباكستانية ومغاربية وجزائرية..وغيرهم تجنسوا بالجنسية المصرية، لكن لم ينقطع الحبل الواصل بينهم وبين بلادهم أو تخلوا عن جنسيتهم الأصلية..

الجزئية التي أغضبت بعض المصريين من ذلك هي (الجنسية السعودية تحديدا) ومصدر هذا الغضب تصورهم الدوني والمتعالي للعرب عموما، فلم يدركوا التطور المعرفي والحضاري الذي يحدث حاليا في المجتمع العربي، ولا في النهضة الفنية الشاملة التي بالمناسبة لم تبدأ منذ سنوات فقط بل هي قديمة وكثير من السعوديين عملوا بالفن المصري..لكنهم كانوا مُطاردين بفعل التشدد الديني السائد..

الجنسيات المزدوجة لها وجه إيجابي في التقريب الثقافي والتبادل المعرفي بين الشعوب

فمثلا عندما تجنّس الشاميون بالجنسية المصرية في القرن العشرين وتسابقوا في ذلك حتى اليوم اقترب المصريون ثقافيا من الشام، وحصل تزاوج معرفي رأيناه في أعمال فنية وفكرية مشتركة، ونهضة أدبية وشعرية وفلسفية سارت بالتوازي بين مصر ولبنان مثلا..وجهود الفلاسفة والمفكرين بمصر والشام ثابتة في هضم الحداثة وتقريبها معرفيا للمجتمع..

أرى نفس الشئ بين مصر والعرب عموما..

التجنيس المزدوج سيساهم في النهوض بالبلدين وتبادل الخبرات والتجارب، وهذا الأمر شائع في المجتمعات الغربية بالمناسبة، تجد الأمريكي معه جنسيات أخرى أوروبية وإسرائيلية هي التي خلقت هذا التزاوج والتقارب المعرفي بينه وبين الأوروبيين والإسرائيليين..

بروس لي مثلا وهو النجم الأشهر في الفنون القتالية كان صينيا من هونج كونج، حصل على الجنسية الأمريكية وبسببه حصل تبادل معرفي وتزاوج بين الصينيين والأمريكيين شهدناه منذ السبعينات حتى اليوم، وهو سر من أسرار صعود الصين وتقبلها في المجتمع الأمريكي التي لو علمنا كيف كان ينظر الغرب عموما للصين حتى أوائل القرن 20 سنتسغرب..وكيف كان ينظر الصينيون أيضا لأمريكا سنستغرب..

يوجد مصطلح صيني شائع اسمه Century of humiliation ويعني 100 عام من الذل التي احتل فيها الأوروبيون هونج كونج ونشروا مخدر الأفيون في الصين، وسقط ملايين الصينيين ضحايا لهذا المخدر وانحط الصينيون بسببه للخلف عدة قرون على مستوى الوعي، مع ذلك بدأ هذا الرفض والازدراء الصيني للغرب يزول منذ السبعينات، وارتفعت أعداد المهاجرين الصينيين لأمريكا حتى وصلت لأكثر من 5 مليون مما يجعلهم قوة أو لوبي ثقافي صيني مؤثر داخل الولايات المتحدة بعد سنوات..

القصة أن السعودية بدأت تنافس مصر في تكريم واحتضان الفنانين، وهذا في حد ذاته شئ محمود يجب تشجيعه لا الغضب منه، لكن حاسة المنافسة وغريزة التدافع والسيطرة ستظل مسيطرة على من يتعصب قوميا ويفسر مفهوم الوطن بشكل محدود وضيق..

وبدلا من الانشغال بصب الغضب على المملكة في ذلك يجب الارتقاء بالفن المصري وتشجيعه بكافة الأدوات الممكنة وإعادة النظر في كيفية اختيار المواهب ومعايير تشغيل الممثلين، والأهم من هذا كله ثقافة الإنتاج التي هي لا تتعلق بالمال فقط ولكن بالمعرفة والحب والخبرات.

 وفي اعتقادي أن غلق أغلب مسارح وسينمات مصر إضافة لإطلاق يد المتشددين لتكفير الفنانين واليوتيوبر لإهانتهم أثر بشكل سلبي على الصناعة، وبالضغط الذاتي سوف يتولد إحساس بعدم أهمية الفن بعد جيل على الأكثر ويفقد الفن المصري موارده البشرية الذين يفضلون اللجوء إما لدول أخرى تقدرهم، أو للإعلام البديل على السوشال ميديا كمورد رزق وفرصة ظهور وشهرة لم يحصلوا عليها في ظل الوضع الحالي..
المصدر: موقع إضاءات الإخباري