كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: اليوم التالي، نبض ثورة عالمية
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: اليوم التالي، نبض ثورة عالمية
حليم الشيح
28 كانون الثاني 2024 , 20:48 م


كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: 
انتظر الكثيرون من بسطاء العالم المخدوعون بالشرعية الدولية؛ انتظر هؤلاء خروج موقف واضح من محكمة العدل الدولية يدين بشكل لا لبس فيه حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني...

حرب الإبادة تلك بدأت منذ أكثر من قرن من الزمن على يد الانتداب البريطاني الذي طمس هوية أصحاب الأرض من السكان الأصليين حين لم يذكر الشعب الفلسطيني بالإسم في وثيقة وعد بلفور وما رافقها من وثائق ...

شاركت في جريمة الإبادة ضد هذا الشعب هيئة الأمم التي خططت وعملت لحدوث هذه الكارثة التي سوف تفجر، ويجب أن تفجر  الهيكل على رؤوس كل تلك الشرعيات الدولية المزيفة...

انتظر الكثيرون أن لا يخضع قضاة هذه المحكمة لابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية واتباعها من الدول الغربية كما تجري الأمور في مجلس الأمن...
لكن تبين أن المداولات بين القضاة في هذه المحكمة توصلت إلى نفس معادلات مجلس الأمن الشهيرة التي يمكن اختصار جوهرها بالتخلي عن المبادئ من أجل الوصول إلى إجماع أو شبه إجماع لا يشبع ولا يغني عن جوع...

بحجج شكلية لا تمت إلى الحقيقة بصلة، صار ما ينطبق على أوكرانيا لا ينطبق على فلسطين، وما ينطبق على ميانمار لا ينطبق على الكيان الصهيوني...

لعل افضل من عبر عن الخيبة من هذه العدالة الدولية هي بالأخص منصات أميركية معارضة للإمبريالية الأميركية في عقر دارها، على الشبكة العنكبوتية في حين هلل بعض العرب للقليل القليل من الغبار الذي بالكاد لطخ ثوب الجلاد الصهيوني المستند إلى رعاع النظام الدولي الذي يسود فيه الاستعمار الغربي...

باسم الإجماع في الأصوات، تم وضع خطوط فاصلة بين الإبادة  من جهة، وبين جرائم الحرب، وجرائم التطهير العرقي والديني، وجرائم العقوبات الجماعية وغيرها الكثير من الجرائم التي يقوم بتنفيذها الكيان الصهيوني من جهة أخرى... وكأن هناك فرق بين الإبادة وبين هذه الجرائم...

ما كان لكل هذا السكوت عن هذه الإبادة أن يحصل لولا وجود غطاء شبه كامل من اميركا وبريطانيا وألمانيا مع دخول كندا واستراليا وحتى إيطاليا وفنلندا وفرنسا على الخط عبر النيل من الأونروا بحجج واهية وهدف محدد هو النيل من حق العودة المكرس في قرارات صادرة عن الشرعية الدولية التي يتغنى بها الغرب متى يشاء، ثم ينكرها متى يشاء... 
حتى لو صدق أي من اتهامات هذا النظام الاستعماري في الغرب ضد بعض موظفي وكالة الأونروا وهي كاذبة جملة وتفصيلاً، فإن ما أقدمت عليه كندا واستراليا وإيطاليا وفنلندا وألمانيا وفرنسا بعد بريطانيا وأميركا من وقف تمويل وكالة الأونروا، يوضع بكل بساطة ووضوح تحت بند العقاب الجماعي الذي تمارسه اسرائيل في كل مسألة صغيرة ام كبيرة دون خوف بفضل الحماية الأميركية المطلقة عسكرياً وسياسيا و قضائيا...

هذه الدول المذكورة أعلاه التي تتغنى بالحرية وحقوق الإنسان تقوم في احسن الأحوال بتنفيذ عقاب جماعي ضد الشعب الفلسطيني بذريعة أن بعض موظفي الأونروا شاركوا في طوفان الأقصى...

والعقاب الجماعي في شرعة حقوق الإنسان جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي...

لكن محكمة العدل الدولية بالكاد تسمع أو ترى أو تتفوه بالحق...

عودة إلى هذه المحكمة الزائفة التي تخضع لنظام عالمي غير عادل... 
من رئيسة المحكمة التي تربطها علاقات مع هيليري كلينتون، إحدى راعيات الإرهاب الصهيوني، والتي غطت جرائم اميركا في نيكاراغوا، إلى القاضي الأوغندي الذي باع شرف إفريقيا مقابل وعود بمناصب في هياكل الشرعية الدولية التي يسيطر عليها الغرب، إلى القاضي اللبناني الآتي من رحم ١٤ آذار التابعة روحا وجسدا للغرب إلى قضاة اليابان وأوروبا الذين يدورون جميعاً في فلك بروباغندا معاداة السامية المزعوم...

من كل هؤلاء خرج شيء واحد ظاهر بقوة... 

موت الأخلاق ونهاية العدالة في  محكمة أقل ما يقال فيها إنها تفذلك الأمور وفق الهوى الغربي ودون أي احترام للقانون الدولي الإنساني... 

فلسطين كما يقول الإعلامي نصري الصايغ لم تعد مجرد حركة تحرر تضاف إلى حركات التحرر الوطنية الأخرى...

بعد حركة الشوارع العالمية في كل البلاد التي لديها هوامش من الحرية، صارت فلسطين قلب العالم ووجدانه بغض النظر عن خيانة النظام الرسمي العربي، وخنوع الشعوب العربية التي لم تتجرأ على إحراق السفارات الاسرائيلية فيها؛ بل لم تتجرأ على مهاجمة خطوط الإمداد الآتية عبر السعودية والأردن على متن شاحنات شركات مصرية تلتف على حصار أنصار الله في اليمن للعدو إسنادا لإخواننا في غزة...

دون قصد، دق هؤلاء القضاة المسمار الأخير في نعش هذه المحكمة...

كما في كل المجتمعات والحضارات، عندما يعجز النظام الرسمي عن حماية القانون، تنتقل هذه الصلاحية إلى الشعوب التي هي مصادر كل السلطات...

لقد آن الأوان لاستبدال محكمة العدل الدولية القائمة اليوم، بمحكمة عدل دولية شعبية تستند إلى سلطات الشعوب وليس الأنظمة...

محكمة لا تخضع لبنية النظام الدولي القائم؛ بل تقوم على أساس الشرعية الشعبية...

كذلك الأمر بالنسبة إلى الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى...

يجب إيجاد من يقوم بالقاء القبض على كل هؤلاء المجرمين بحق العدالة مهما كانت جنسياتهم والحكم عليهم في هذه المحاكم الشعبية وتنفيذ أحكام الإعدام الثوري بهم...

الكل يتحدث عن اليوم التالي...

إسرائيل تتحدث على لسان نتنياهو عن دولة من النهر الى البحر لا وجود فيها لأية شرعية فلسطينية لها مقومات، دون أن يرف جفن أي من المتفلسفين في حل الدولتين...

ألمانيا وبريطانيا وفرنسا الذين قاموا باعتقال كل من يجرؤ على مجرد لفظ كلمة من النهر الى البحر في الأيام الأولى بعد عملية طوفان الأقصى البطولية بحجة أن هذا يخالف حل الدولتين ويهدف للقضاء على اسرائيل؛ هذه الدول ابتلعت ألسنتها واكتفت بالتعبير عن القلق من تصريحات نتنياهو دون ايقاف امدادات السلاح والعتاد والذخيرة التي بها يقوم الكيان بكل جرائم حربه الموصوفة على غزة والضفة...

اميركا والغرب والنظام الرسمي العربي الذين يتحدثون عن حل الدولتين ليلاً نهاراً لا يقولون لنا كيف يمكن أن يتحقق هذا دون ارتكاب جرائم حرب، وجرائم تطهير عرقي وتثبيت سرقة اراضي فلسطين التاريخية، والسيطرة على طريقة رعاة البقر الأميركيين على أملاك وبيوت الفلسطينيين وقراهم والمدن...

حتى دعاة الدولة الديمقراطية الواحدة حيث يتساوى جميع السكان مضطرون إلى انتزاع كل ما نهب وإعادته إلى السكان الأصليين بعد تحقيق حق العودة؛ حتى هؤلاء سوف يواجهون صعوبات لا يمكن التغلب عليها بسهولة...

يبدو حل الدولة الواحدة صعب التحقيق لكنه يبقى في الوقت نفسه الاكثر بعدا عن كل زيف الدعوات الغربية التي تريد تطبيق التطهير العرقي تحت عنوان التقسيم، ويهودية الدولة...

هل يمكن لهذا الحل أن يتحقق؟
لقد أثبت مجاهدو حماس أثناء تبادل الأسرى في الهدنة السابقة عن أخلاق رفيعة في التعايش والمسامحة، وهذا ما لم يظهر لا عند الإسرائيلي، ولا عند رعاته الأميركيين والبريطانيين والألمان الذين أظهروا عبر إعلامهم مدى الكراهية التي يحملون تجاه العرب والمسلمين بشكل خاص...

هل يبقى هذا الحل على الطاولة، وحتى متى ؟

في الحقيقة، وفي ظل التعنت الأميركي الغربي والدعم الذي لا حدود له لمجرمي الحرب الصهاينة، وبغض النظر عما سوف تسير عليه الأمور في الأشهر القليلة الآتية، فإن الفصائل الفلسطينية سوف تتطور قوتها في الفترة القادمة عبر انضمام الآلاف اليها ممن عايش فظاعة ما حصل مع أهله وإخوانه وجيرانه...

الأرجح أن تزيد اعداد المجاهدين  في فلسطين، وفي غزة تحديدا عدة أضعاف ويصل اعداد المقاتلين إلى أكثر من عشرين في المئة من عدد السكان، أي حوالي ٥٠٠ ألف مقاتل...
كما أن عدد مقاتلي حزب الله سوف يزداد بنفس النسبة وبدل ال ١٠٠ ألف مقاتل، سوف نجد عدد المحاربين في صفوف الحزب يرتفع إلى مستويات مشابهة...

نفس الأمر سوف يحصل في اليمن والعراق وسوريا...

سوف تكون هناك منظمات مقاومة مليونية على طول جبهات هذا المحور...

ومع ازدياد نسبة الذين اكتشفوا زيف الدعاية الغربية وقصص الكذب اللامحدود حول خرافة أرض الميعاد وشعب الله المختار في الغرب، سوف نجد تحولا كبيراً جدا سوف يقلب موازين القوى الشعبية في الكثير من هذه البلدان مما سوف يؤدي إلى تغيير جذري في بنية النظام العالمي الحالي...

يذهب بعض هؤلاء إلى الحديث عن نهاية اساطير الأساطيل والتفوق الجوي أو البحري أو البري عند الغرب...

أنصار الله في اليمن مثلاً قد فرضوا أنفسهم قوة إقليمية تستطيع تخريب كل المخططات الغربية...

إذا كانت الزيادات على الأسعار في الغرب لا تتجاوز ١٠ إلى ٣٠٪ هذه الأيام، فإن وصول الأحداث إلى البحر الأبيض المتوسط وهذا بدأت تباشيره تظهر بفضل الحشد الشعبي ودون حتى دخول إيران في الصراع مباشرة؛ إن هذا سوف يزيد نسبة التضخم إلى درجات خيالية وترتفع معها الاسعار إلى حدود سوف تهدد الاقتصاد العالمي...

كل هذا قد يحصل دون حساب أن يقرر الروسي أو الصيني التحرك، وهذا طبعا مرجح الحصول...

الروسي الذي ضاعف إنتاج الأسلحة والذخائر عنده إلى حوالي أربعة أضعاف الوضع السابق سوف لن يلبث أن يعود إلى تحريك الجبهة في أوكرانيا عبر إتمام ضم كل المقاطعات التي تتحدث باللغة الروسية بما في ذلك مدينتي خاركوف وأوديسا مما سيحرم اوكرانيا من أية اطلالات على البحر الأسود ويحوّل هذه الدولة إلى عبء دائم على الاقتصاد الغربي...

هل تستمر أوروبا في هذه الحالة في الحرب أو العقوبات على روسيا ومعظم الإنتاج العالمي من الغذاء والطاقة صار إما في أيدي الروس أو تحت ضربات محور المقاومة...

ماذا اذا قررت الصين إضافة مضيق تايوان إلى مضيق باب المندب، وقامت إيران بالسيطرة النارية على كل مرور في مضيق هرمز...
الى اي مدى سوف تقبل شعوب أوروبا بهذه الأوضاع قبل أن تثور على طبقتها الحاكمة...؟

الى اي حد سوف تقبل النقابات العمالية بزيادة الاسعار دون أن يرافق ذلك زيادة في الرواتب؟

لقد ضربت المقاومة الفلسطينية أسس النظام العالمي...
بعمل بسيط، قامت "بتخريب الديكور"، وفقا لتوصيف السيد محمد حسين فضل الله...

الديكور في حالة يرثى لها...

أسس النظام الدولي تهتز...

لم يبق سوى الصمود حتى زوال الكيان وهو سوف يسقط حتماً...
              
المصدر: موقع إضاءات الإخباري