كتب الأستاذ سامح عسكر حول تناول الروايات الغربية للقضايا العربية
مقالات
كتب الأستاذ سامح عسكر حول تناول الروايات الغربية للقضايا العربية
سامح عسكر
4 شباط 2024 , 17:04 م

بالنسبة لمقال الأيكونوميست وهجومه الشديد على مصر..

بداية أطرح عدة نقاط توعوية لكيفية التعامل مع المجلات والصحافة الدولية

أولا: المقال المطروح هو مقال رأي لصحفي وليس لمؤسسة اقتصادية أو مجلة علمية أو موقف عام معبرعن سياسة دولية ، هذا رأي خاص لصحفي بريطاني تم تضخيمه والمبالغة في تناوله وفقا للسياق الذي تمر به مصر..

ثانيا: الأيكونوميست شأنها كشأن الجارديان، مجلة بريطانية يكتب فيها متعاونين مع الإخوان المسلمين أو خصوم للدولة المصرية، ويلحظ ذلك من عبارات الصحفي الحادة التي وصف فيها ثورة يونيو 2013 بالانقلاب العسكري، وشتمه للدولة المصرية في العنوان بقوله (مصر لا تستحق الإنقاذ) فيُفتَرض من الباحث الاقتصادي عدم الاستطراد للسياسي، ولو دعته الحاجة لذلك فهو محايد يستلهم أحداث السياسة كقرائن لأفكاره وليست قاعدة ينطلق منها بشكل منحاز، هذا خطأ مهني جسيم وقع فيه الصحفي بتعرضه لأحداث سياسية وانطلق منها للتحليل الاقتصادي..

ثالثا: الحكومات المصرية منذ 2013 تمر بأخطاء جسيمة ولا مبرر لهذه الأخطاء..بل يجري تقويمها ونقدها بشكل موضوعي يراعي فيها وحدة وأمن الدولة وسيادتها وأهم هذه الجوانب ملف الأمن القومي والاجتماعي، وهذا الصحفي البريطاني لم يناقش مشكلة الإرهاب والعنف الديني قبل وأثناء وبعد يونيو 2013 ولم يبحث في تداعياتها ومعطياتها على ملف الإقتصاد أصلا..!

رابعا: سبق للإيكونوميست الدعوة لتهجير سكان #غزة إلى سيناء، فكتبت بتاريخ 16 أكتوبر 2023 مقالا بعنوان "لإنقاذ حياة الفلسطينيين في غزة افتحوا العبور إلى مصر" وهذا الموقف من المجلة سياسي بحت من الدولة المصرية والقضية الفلسطينية بالعموم، مما يطرح صفة المقال المذكور من (تحليلي علمي) إلى (عدائي مختصم)..

أذكر في هذا السياق أن كاتبا في الإيكونوميست من أهم كتابها على الإطلاق كان عميلا للدعاية السرية في وزارة الخارجية البريطانية، وعميلا لوكالة المخابرات الأمريكية وهو "بريان كروزير" (1918- 2012) Brian Crozier واتهامات أخرى طالت "روبرت موس" Robert Moss بأنه كان عميلا لوكالة المخابرات الأمريكية المركزية..وأن هؤلاء وأمثالهم كانوا مكلفين بالهجوم على أنظمة لاتينية وعربية وأسيوية متورطة بالخصومة أو العداء مع الولايات المتحدة أو إسرائيل..

خامسا: قرأت المقال كاملا وهو على غير عادة الإيكونوميست بالتميز في الثراء المعلوماتي ودقة العبارات والرؤية الثاقبة الموضوعية ، فالمقال يعاني من فقر المعلومات والنظرة الحيادية والرؤية السطحية للشأن المصري، مما يرجح أن كاتبه لا يفهم الوضع السياسي المصري – لخوضه فيه دون علم – أو هو يفهم جيدا لكنه ينحاز لوجهة نظر معارِضة..

سادسا: وهذه النقطة فلسفية، فقد تأسست الإيكونوميست بالقرن التاسع عشر وفقا لثقافة أهل ذلك العصر وهي "الليبرالية الكلاسيكية" التي تطورت "لاجتماعية" بعد نكبة 1929 الاقتصادية، وتدور فلسفة المجلة حول محاور (السوق الحرة + التجارة الحرة + الهجرة الحرة + العولمة) وتحاول فهم الاقتصاد العالمي وفقا لهذه المحاور التي هي بالأصل معايير مما أوقعها في أخطاء كبيرة وساذجة في نفس الوقت لم تُراع فيها أدبيات واختلافات وتباينات المجتمعات، ولمن يريد الاستزادة لكيفية فهم الإيكونوميست فليقرأ كتاب د حازم الببلاوي عن الليبرالية الاجتماعية، وبالطبع لو لم تقرأ وتفهم فلسفة أو تهتم بها فلا تنشغل بهذه النقطة وضعها جانبا..

لكن يمكن تبسيط هذه النقطة ببضع كلمات وهي أن الإيكونوميست تعارض أي نظام غير ديمقراطي أو عدوّ لإسرائيل ولا يؤمن بالسوق والتجارة الحرة، والعكس صحيح أي أنها تدافع عن أي نظام ديمقراطي يؤمن بالسوق والتجارة الحرة..وفقا للفهم البريطاني (العملي والمادي) لهذه الأنظمة، وأبرز نموذج لأداء الإيكونومست بهذا الشأن موقفهم العدائي من ترامب، وتحليلاتهم العدائية ضده أثناء فترة حكمه، ثم التحذير من عودته قبل أيام، فهم يرون ترامب رئيسا غير ديمقراطيا بل النظام الأمريكي بالكامل ليست ديمقراطيا كاملا بل معيبا أو منقوصا ..وبذلك تكون المجلة (مؤدلجة) وتحولت الديمقراطية لديها من أسلوب حكم لمعيار أيديولوجي مقدس..

سابعا: من النقطة السابقة يتبين أن الإيكونوميست منحازة سياسيا وأيديولوجيا وتحليلاتها الاقتصادية متأثرة بهذا الانحياز، وهذا المبدأ مقصود في الفلسفة العملية البراجماتية بالعقل البريطاني واختصاره، أن الوضوح والانحياز للحقيقة شرط أساسي لبناء الجمهور والتفاعل، ومقصد الصحيفة منذ نشأتها هو التغيير الذي لن يتم سوى بالتفاعل وبناء الجمهور، فالتحليلات المحايدة والمتوازنة برأيهم ليست علمية ، وهي وإن كانت إنسانية عقلية لكنها لا تقول الحقيقة غالبا..لأن الحقيقة وفقا للإيكونوميست شرطها الانحياز..

ثامنا: من يريد أمثلة ونماذج لخطأ الإيكونوميست وانحيازاتها الفاضحة فليقرأ موقفهم الداعم لغزو أمريكا للعراق سنة 2003 بدعوى السلاح النووي، قرأت أنهم تراجعوا عن هذا الموقف الفاضح لاحقا لكني لم أعثر على تراجعهم، لكني متذكر جيدا أن تحليلات الأخبار والإعلام هذا التوقيت كانت تعزو كثير من النظريات المؤيدة للغزو إلى الإيكونوميست..

ومن يرد أمثلة أخرى فليقرأ اعترافات الإيكونوميست نفسها بخطأ كثير من توقعاتها الاقتصادية، فقد كتبت بتاريخ 16 ديسمبر 1999م مقالا بعنوان "لقد أخطأنا" We woz wrong وهذا الاعتراف المثير موجه للقارئ العربي والمصري أن لا تأخذك الهيبة والجلالة عند سماع الإسم، فوراء تلك الأقلام بشر يخطئون ولديهم أطماع وجشع وقصور لا يقل عن طمع وجشع وقصور شعوب العالم الثالث..لكن الذي يميزهم أحيانا هو القدرة على الاعتراف والتراجع..

تاسعا وأخيرا: هذا المقال ليس دفاعا عن أخطاء الحكومة المصرية وليس تصويبا لكل ما ورد في مقال الإيكونوميست، فالنقطة الثالثة عبرت فيها عن وجود هذه الأخطاء وكيفية التعامل معها بشكل علمي، وشخصيا أعتبر نفسي مستقل لا مؤيد أو معارض لكنني مهتم بالتقييم العلمي والتحليل على أساس واقعي وليس بالخيالات والأوهام..

المصدر: موقع إضاءات الإخباري