بعد تَرحّمي على الفنان المصري جميل برسوم دخل أحد القراء معترضا أنه لا يجوز ذلك شرعا..
وفي هذه السطور رد على من يُحرمون الاستغفار والرحمة على غير المسلمين بالأدلة الشرعية، ولا علاقة للفنان الجميل برسوم بذلك، ولكنها لمحة على الهامش بهدف الوعي..
أرجو التركيز والقراءة بعناية، فالمقال طويل لكنه دقيق وبه زخم فكري يشترط صفاء الذهن لإدراكه فلا تحرمنا من عقلك ووجدانك هذه اللحظات:
في البداية يوجد مأزق منطقي كبير لمن يُحرمون الاستغفار والرحمة لغير المسلمين، وضربت مثال قديم على ذلك ..
(طبيب مسيحي أفنى عمره لخدمة الناس وعلاجهم مجانا، مقابل طبيب مسلم أفنى عمره في الجشع واستغلال مرضاه، من هو أحق برحمة الله؟..)
لو قلت المسلم لأنه مسلم فقد بطل شأن العمل الصالح الذي حرض عليه القرآن في مئات الآيات، وبات من حق أي مسلم أن يفعل الشر وهو ممطئن لمصيره، بينما يفقد غير المسلم ثقته فيك لعدم قيام دينك على أساس الأخلاقيات والمعاملات، والتشدد في ذلك ثمة المتعصبين وضيقي الأفق، بينما الحكماء من شيمهم التريث وعدم الإفتاء فيما لا يعلمون..
عدم الترحم على موتى غير المسلمين سببها 4 أشياء جمعها معظم المفسرين القدماء وصدقها المتشددون والمقلدون في العصر الحديث، وفي هذا المقال سنعرض هذه الأقوال عنهم بأمانة، ثم نعقبها بالشرح والرد..
أولا: يستدلون بقصة موت أبي طالب عم رسول الله، وأنه مع صلاح غير المسلمين أخلاقيا لكن عدم إيمانه ببعثة الرسول يجعله كافرا مخلدا في النار، وبالتالي فالقياس يحدث على موت أي شخص غير مسلم فورا ، أنه لو جاز الاستغفار والترحم على أبي طالب لجاز الترحم والاستغفار لغيره..
ثانيا: يستدلون بعموم قوله تعالى "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" [التوبة : 113] وهي مرتبطة بقصة أبي طالب وأبويّ الرسول عبدالله وآمنة بنت وهب، لكن يحملون معناها على العموم أن الخطاب هنا للنبي والذين آمنوا بشكل عام، وفيه نهي صريح عن الاستغفار للمشركين، علما بأن غير المسلم في العقيدة هو (مشرك كافر) عند الجمهور، وقصة التفريق بين هذه المصطلحات لم يجتهد فيها أحد منهم بعد..
ثالثا: يستدلون بعموم قوله تعالى "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم" [التوبة : 114] وفيها أن الاستغفار للمشركين جهل يجب التبرؤ منه حين العلم بأن الميت هو كافر عدو لله، وهنا يخلطون بين غير المسلم وأعداء الله، فيظنون أن كل غير مسلم هو عدو لله بالضرورة..
رابعا : يستدلون بعموم قوله تعالى "سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم " [المنافقون : 6] وقوله "ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون" [التوبة : 84] والآيات فيها نهي صريح عن الاستغفار وفقا لمذهبهم ولا حتى الصلاة على أمواتهم بما يؤدي لتحريم العزاء بالضرورة..
بالنسبة للسببين الأول والثاني فقد كتب شيخ الشافعية الحجازي "أحمد بن زيني دحلان" كتابا مشهورا ينصف فيه أبي طالب عم رسول الله اسمه "أسني المطالب في نجاة أبي طالب"، قال فيه أنه مؤمنا صالحا ومات على الإيمان خلافا للمشهور، وأن الذين وضعوا قصة كفر أبي طالب وحديث الجمرة التي سيغلي بها دماغه هم "الأمويون النواصب" الكارهين لآل البيت كيدا في الإمام علي، فالخلفاء الأمويون كانوا يستدلون على شرعيتهم السياسية ضد الهاشميين بأن جدهم الأكبر "أبو سفيان بن حرب" مؤمنا وصحابيا صالحا، لكن الهاشميين جدهم الأكبر "أبي طالب" كافرا مشركا، وظل هذا المعتقد طوال الفترة الأموية وضعت فيه كافة أحاديث كفر أبي طالب..التي ما زال يرددها السلفيون حتى اليوم ولا يدركون أبعادها السياسية..
ليس هذا فقط فاللإمام السيوطي كتاب.."التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله في الجنة"..بتحقيق الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار الأسبق..رد فيه كل الأحاديث القائلة بكفر أبويّ الرسول، وبالتالي سقوط كافة تفاسير آيات سورة التوبة التي تصرح بعدم الاستغفار للمشركين..علاوة على أن سورتي "التوبة والمنافقون" مدنيتان، بينما أبي طالب مات قبل الهجرة، وهذا غريب، كيف ينزل الله آيات في كفر أبي طالب بعد موته ب 10 سنوات على الأقل؟ ولماذا لم تنزل هذه الآيات في مكة وقت وقوع الحدث؟!
بالنسبة للسبب الثالث فالرد عليه سهل وميسور، فالله بسورة إبراهيم يقول على لسان نبيه إبراهيم " ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب" [إبراهيم : 41] ووالد إبراهيم كان مشركا، ورغم ذلك استغفر له إبراهيم، فالشيوخ قالوا أن آية سورة التوبة نسخت هذه الآية، وبالتالي صار قوله تعالى ""وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم" [التوبة : 114] نسخت دعاء ابراهيم لأبيه "رب اغفر لي ولوالدي"
وقولهم ذلك سببه الخلط بين الشرك والعداء مع الله، فليس كل مشرك هو عدو لله في الحقيقة، وبالتالي كل غير مسلم ليس بالضرورة أن يكون عدوّا لله، إنما فقه المعاملات مع الآخر مبني على القتال والجهاد بالعموم، فالفقهاء لم يتخلصوا بعد من سطوة الفتوحات والغزوات، وكل غير المسلمين هم أعداء مؤكدين أو محتملين..
بينما القرآن يفصل بين الاثنين بشكل واضح، ففي سورة إبراهيم (المكية) يدعو النبي لأبيه ويستغفر له رغم كونه غير مسلما، لكن في سورة التوبة (المدنية) يكون النهي عن الاستغفار بعلة واضحة في النص هي (فلما تبين له أنه عدو لله) وبالتالي تحقق الفارق بين عدو الله وغير المسلم، فالأول محارب أما الثاني مُسالِم..وكل فتوى بعدم الترحم والاستغفار على أموات غير المسلمين مصدرها الاعتقاد بأن كل غير المسلمين (محاربون)
هذا لا يعني إيماني بتقييد الرحمة أو عدم الاستغفار لأي شخص بدعوى أنه عدو الله، فالعداء نسبي، وحادثة تراجع ابراهيم عن الاستغفار لم تأخذ صفة الحكم الأبدي إنما هي تصرف شخصي منه كحادثة تحطيم الأصنام الشهيرة..وحكايتها في القرآن لا تعني وجوب (البراءة من الآباء والأمهات) فتبرؤ إبراهيم من أبيه ليس شرعا ولم يقال أنه شريعة..بل في المقابل نزلت آيات صريحة تأمر ببر الوالدين ومخاطبتهم بأحسن ما يكون حتى لو كان على غير الإسلام كقوله تعالى " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما" [العنكبوت : 8] وقال أيضا " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا " [لقمان : 15]
تخيل..فالمؤمن واجب عليه أن يصاحب أبويه المشركين ويعاملهم معاملة حسنة
أما بالنسبة للسبب الرابع فهو خاص بالمنافقين الذين كادوا للدعوة في يثرب، وسياق الآيات خاص بمواجهة هؤلاء والحذر منهم، وبالتالي هي آيات مقيدة لا تأخذ صفة العموم ولا يصح إسقاطها خارح ظرفها الزمكاني، فالنفاق عمل قلبي لا يعلمه إلا الله..وما ظهر من النفاق لا يكون حجة لإطلاق الصفة على الشخص بالعموم، حيث قيل أنه من آيات النفاق "إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر" وهذه الصفات الذميمة كلها (الكذب والخيانة والغدر) ليست دائمة في الإنسان، فالبشر يتقلبون بين كذب وصدق، بين خيانة وأمانة، وبين غدر ووفاء..وسبحان من له الدوام والكمال..
يبقى الدليل على جواز الترحم والاستغفار، ولي في ذلك أربعة أدلة ثلاثة منها شرعية والرابع أخلاقي:
الدليل الأول: قوله تعالى "تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض " [الشورى : 5] وفيها أن الملائكة يستغفرون لمن في الأرض جميعا، برهم وفاجرهم، كبيرهم وصغيرهم، مؤمنهم وكافرهم، مسلمهم وغير مسلمهم..إلخ، فلو قيل أن هؤلاء ملائكة ليسوا مكلفين، قلت أن الله تعالى في كتابه يقول "عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" [التحريم : 6] فالملائكة لا يعصون الله ولو كان الاستغفار للمشركين معصية لكان الملائكة من العصاة، وهذا محال ..
الثاني: قول المسيح في القرآن "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" [المائدة : 118] فالمسيح هنا يستغفر لمن يُحتمل عليهم العذاب، ويضع الفرضية التي لا يعلم نتيجتها ..وسياق الفرضية يقول بجواز الاستغفار والترحم للناس كافة، إذ لو علم المسيح حُرمة وامتناع الترحم والاستغفار للمشركين ما قال "إن تغفر لهم" على وجه الاحتمال، وقد حاول بعض المفسرين الخروج من هذه المعضلة بادعاء أن المسيح قال بالاستغفار لمن يترك النصرانية إلى الإسلام، وهذا تفسير مضحك لأن مضمون قولهم هذا أن المسيح قال ذلك في الدنيا، بينما الدين المسيحي لم يكتمل ولم توضع أساساته سوى بعد المسيح على أيدي الرسل أشهرهم "القديس بولس الطرسوسي"
وبالتالي قول المسيح بالاستغفار هنا يوم القيامة بدليل قوله تعالى في الآية قبل السابقة " وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب " [المائدة : 116] فلو علم المسيح بتأليهه لبعث في هؤلاء الناس برسالة الوحدانية خلافا لرسالته الأصلية الموجهة لبني إسرائيل الذين هجروا التوراة لصالح نصوص الأحبار والرهبان، ولجاء ذكر هذا البعث للسيد المسيح في القرآن باعتبارهم قوم عيسى الذين انحرفوا عن دينه مثلما ذكر القرآن في عدة مواضع قوم موسى وانحرافهم الشهير بعبادة العجل..
ويؤيد ذلك قول أحد المفسرين وهو الإمام السمرقندي المتوفي عام 373هـ " روى أسباط عن السدي قال: لما رفع عيسى، وقالت النصارى ما قالت. وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك، سأله عن قولهم. وقال الضحاك: يدعى بعيسى يوم القيامة، ويدعى بالنصارى، فيقفهم، ويسأله ليفضحهم على رؤوس الناس" (تفسير السمرقندي 1/ 431)
ولا يعنينا من ذلك عبارات السمرقندي الشديدة تجاه الدين المسيحي ونكف عن الخوض في مصائر الناس في الآخرة بناء على الإسم والعنوان، لكن السمرقندي هنا يعترف بوضوح أن استغفار المسيح كان يوم القيامة للعصاة والمشركين، فلو كان ذلك بالآخرة يوم نهاية الآجال وكل نفس وفيت ما كسبت وتحددت مصائر العباد فما بال القوم الذين يمنعون ذلك الترحم والاستغفار في الدنيا ونحن لم نعلم بعد الصالح من الطالح في الآخرة، ومن الذي سيدخل الجنة أو النار؟؟..أو حتى نعطي فرصة وفسحة للعصاة بالتوبة والعودة قبل الموت؟
وأختم في ذلك بقول الإمام فخر الدين الرازي المتوفي عام 606 هـ " يجوز على مذهبنا من الله تعالى أن يدخل الكفار الجنة وأن يدخل الزهاد والعباد النار، لأن الملك ملكه ولا اعتراض لأحد عليه، فذكر عيسى هذا الكلام ومقصوده منه تفويض الأمور كلها إلى الله، وترك التعرض والاعتراض بالكلية، ولذلك ختم الكلام بقوله فإنك أنت العزيز الحكيم يعني أنت قادر على ما تريد، حكيم في كل ما تفعل لا اعتراض لأحد عليك، فمن أنا والخوض في أحوال الربوبية، وقوله إن الله لا يغفر الشرك فنقول: إن غفرانه جائز عندنا، وعند جمهور البصريين من المعتزلة قالوا: لأن العقاب حق الله على المذنب وفي إسقاطه منفعة للمذنب، وليس في إسقاطه على الله مضرة، فوجب أن يكون حسنا بل دل الدليل السمعي في شرعنا على أنه لا يقع، فلعل هذا الدليل السمعي ما كان موجودا في شرع عيسى عليه السلام" (التفسير الكبير 12/ 467)
ومعنى كلام الرازي في وجهين:
1- الله هو الملك..وليس لشئ غير المالك أن يتصرف في غير ملكه، فالإنسان هنا ممنوع من الخوض في مصائر الناس في الآخرة وتعيين منازلهم وفقا لاجتهاده، لأنه تدخل في ما لا يعنيه ولا يدركه ولا يقدر عليه ولا يملكه..
2- غفران الله للذنب فيه مصلحة للمذنب..لكن ليس فيه مضرة على الله، تعالى سبحانه عن ذلك، فهو الذي يقول للشئ "كن فيكون" وأن ذلك الغفران للمشركين ربما ما وصل للسيد المسيح ولأجل ذلك طلب الغفران لغير المؤمنين..
الدليل الثالث الشرعي: قول النبي إبراهيم في القرآن " رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم" [إبراهيم : 36] وينطبق هذا على قول المسيح في الآية السابقة بطلب الاستغفار للعصاة والمشركين، ووجه الاستدلال هنا أن من اتبع إبراهيم كان مؤمنا موحدا بالإجماع، ومن عصاة فهو لا يؤمن بذلك التوحيد..بالتالي فقد بطل قول الذين يحملون دعاء إبراهيم بالغفران على أهل الكبائر من المؤمنين فقط..فالاستغفار هنا كان عاما وبالخصوص للعصاة والمنحرفين عن دعوة نبي الله إبراهيم..
الدليل الرابع الأخلاقي: في الترحم والاستغفار عموما أخلاق وتسامح ومودة مأمور بها المسلم والناس جميعا ، وفي ذلك اشتهر في الأُثر قول رسول الله عن أبي بكر الصديق " إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة , وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال {ومن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} , وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}"..والحديث مشهور في مسند أحمد ومصنف أبي شيبة وسنن البيهقي ..وغيرهم،
ومن القرآن ما يدل عليه أن الأخلاق ورقة القلب وصفاء النفس من أصول الدين وهي المحرض الأول على فعل الخيرات والمعاملة الحسنة، وفي تقديري أن قصة عدم الترحم ومنع الاستغفار أصلها اعتراض هؤلاء نفسيا على دخول غيرهم الجنة، برغم أن القرآن واضح بأن مصير الناس في الآخرة لا ينبغي أن يكون محل اجتهاد..
وهناك مفسر قرآني اسمه "ابن جزي الغرناطي" متوفي عام 741هـ له كتاب تفسير اسمه "التسهيل في علوم التنزيل" قال في تفسير قول عيسى إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (المعنى تسليم الأمر إلى الله، وأنه إن عذب أو غفر فلا اعتراض عليه، لأن الخلق عباده، والمالك يفعل في ملكه ما يشاء، ولا يلزم من هذا وقوع المغفرة للكفار، وإنما يقتضي جوازها في حكمة الله تعالى وعزته، وفرق بين الجواز والوقوع) (التسهيل 1/ 252) فلو كان الغفران جائزا..فكيف يمنعوه في حق المعين والأشخاص؟؟!!
أخيرا: فالترحم والاستغفار هو في جوهره عمل (أدبي) ليس دينيا أو سياسيا، ومعنى الأدب أي هو أخلاق رفيعة من الإنسان يقصد منها التواصل والمحبة مع الآخر، وفي القرآن عشرات الآيات التي تحض على حسن المعاملة واحترام المخالف، ومن ينكر هذه الآيات ويقدم عليها الروايات والأخبار سيصل به الأمر إلى قتال كل من يخالفه الرأي، وبرغم أنه أدبيا في الجوهر لكن له معانٍ دينيا باتصال الخلق مع العقيدة، ومعنى ذلك أنه لا عقيدة دون أخلاق وأدب..
فالمنظومة الأخلاقية في الإسلام مقدمة على العقيدة والفقه..ورأينا ذلك في أحوال الرسول قبل البعثة وكيف كان يسمى بالصادق الأمين قبل نزول الوحي، وأنه كان حسن الأخلاق واشتهر بذلك قبل أن يسمى مُسلما، فلعل دعوة الأخلاق بالاستغفار لغير المسلمين تكن أساسا لعقيدة صحيحة قوامها الرحمة مصداقا لقوله تعالى "رحمتي وسعت كل شئ" و "كتب على نفسه الرحمة" و "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" واعلم أن الجنة والرحمة ليست ملكا لأحد على الإطلاق..بل هي حق حصري للخالق جل وعلا، ومن يقيد هذه الرحمة فيحجبها عن من يكرهه ويعطيها لمن يحبه فقد تألى على الله ونسب إلى الدين ما ليس فيه..ودمتم