حصل الغزو الامريكي للعراق مدفوعا بالحاجة الى الطاقة وتتويجا لاضطرابات اكثر من عقدين من الزمن بدأت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني؛ والثورة الاسلامية في ايران؛ والحرب العراقية الايرانية؛ والاجتياح الصهيوني للبنان واحتلال عاصمته بيروت؛ وتفكك الاتحاد السوفياتي؛ وانهيار جدار برلين؛ وانتصار المقاومة الاسلامية في لبنان وفرار جيش الكيان تحت النار في ايار / مايو ٢٠٠٠حيث سادت بعدها حالة ستاتيكو شملت الكيان الصهيوني؛ ومناطق السلطة الفلسطينية ؛ ودول الطوق ؛ لبنان وسورية ومصر والاردن.
ادى تفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين الى خلق ونشوء فراغات سياسية ومناطق ستاتيكو في العالم .فتقدمت امريكا التي صارت القطب الاوحد لملء الفراغ وتحريك الستاتيكو اينما وجد.عندما زارت وزيرة الخارجية الامريكية كونداليسا رايس مصر عام ٢٠٠٥ ادلت باعتراف لافت : (( طوال نصف قرن ، اختارت الولايات المتحدة السعي الى " الامن على حساب الديموقراطية" ولم نحقق ايا منهما ، سيختلف الامر من الان وصاعدا )).
طرحت رايس مشروع الشرق الاوسط الجديد وبوابته القضاء على حزب الله في لبنان ، واوكلت لجيش الكيان القيام بهذه المهمة الاستراتيجية في شهر تموز/ يوليو ٢٠٠٦ وحشدت شركاءها في الاقليم لتمويل هذه الحرب ووظفت محطاتها الفضائية لتسويق مشروع الشرق الاوسط الجديد. تم تحريك الستاتيكو لصالح المقاومة الاسلامية " حزب الله" في لبنان حيث انتصرت انتصارا ساحقا على جيش الكيان ، وسقط مشروع الشرق الاوسط الجديد بدعم واسناد من سورية وايران.وتراجعت عملية السلام في الشرق الاوسط.
تولت هيلاري كلينتون حقيبة وزارة الخارجية الامريكية في عهد الرئيس اوباما.وبعد انتهاء مهمتها الفت كتابا بعنوان " خيارات صعبة"، تقول:(( بقيت منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في معظمها حتى العام ٢٠١١ سجينة الركود السياسي والاقتصادي؛ خضعت دول كثيرة للاحكام العرفية طوال عقود.وتفشى الفساد في المنطقة على كل المستويات خصوصا اعلاها.كانت الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني شبه معدمة؛ او مقيدة في احكام؛ والانظمة القضائية غير حرة او غير مستقلة؛ والانتخابات؛ اذا اجريت؛ فمزورة غالبا.هذا الوضع المؤسف في ادارة شؤون الدول بلغ حدا مأساويا في تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٠؛ حين اجرت مصر انتخابات برلمانية معيبة قضت تقريبا على الرموز السياسية المعارضة.تعاملت كثيرا عامي ٢٠٠٩ و ٢٠١٠ مع الرئيس المصري حسني مبارك ، وملك الاردن عبد الله الثاني، لجمع الزعيمين الاسرائيلي والفلسطيني واجراء محادثات سلام مباشرة،لنشهد انهيارها بعد ثلاث جولات من المفاوضات المهمة. ابلغت الجانبين مرارا وتكرارا ان الستاتيكو غير مقبول وعليهما اتخاذ الخيارات اللازمة التي تؤدي الى السلام والتقدم.وكنت راهنا افكر في الامر نفسه فيما يتعلق بالمنطقة ككل.اذا فشل الزعماء العرب ومعظمهم شركاء امريكا، في استيعاب الحاجة الى التغيير ، فانهم يخاطرون بفقدان السيطرة على مواطنيهم الشباب والمهمشين ويشرعون الابواب امام الاضطرابات والصراعات والارهابيين.هذا هو الرأي الذي ساعلنه من دون المجاملات الدبلوماسية المعتادة التي تميع الرسالة.سئمت تكرار العبارات المعتادة كلما ذهبت الى هناك.اريد قول شيئ مُدَوّ فعلا هذه المرة .سيوفّر لي المؤتمر السنوي المقبل لِ" منتدى المستقبل" في الدوحة عاصمة قطر الغنية بالطاقة، فرصة لتوجيه رسالة الى الكثيرين من ذوي النفوذ في منطقة الشرق الاوسط، بما يشمل الاسر المالكة، والقادة السياسيين، وكبار رجال الاعمال، والاكادميين، ونشطاء المجتمع المدني.سيجتمع كثر منهم في قاعة واحدة، في الوقت نفسه.اذا اردت ان اطرح قضية الستاتيكو الراهن في المنطقة الذي لا يمكن تحمله، فهو المكان الامثل للقيام بذلك )).
نستنتج مما طرحته كونداليسا رايس وما طرحته بعدها هيلاري كلينتون، ان الولايات المتحدة الامريكية وضعت دول الاقليم المخدرة في غرفة عملياتها بدون تعقيم وامسكت بالمشارط لتقوم بالجراحة اللازمة للخروج من حالة الستاتيكو التي تؤرقها.تريد ان تضمن مرة والى الابد امن الكيان/ القاعدة لتتفرغ للصين ومنطقة الباسيفيك .فاطلقت ما يسمى بالربيع العربي في تونس وليبيا ومصر واليمن، وقذفت بكرة اللهب الارهابية التي دربتها واعدتها وبقيادة اردوغان والاخوان في وجه العراق وسورية ولبنان، التي اصبحت ميادين لداعش والقاعدة والنصرة وسائر القوى الارهابية في محاولة ثانية لتحريك الستاتيكو الذي استمر اكثر من عقد من الزمن.فشلت امريكا وعادت الى المربع الاول فلا امن وسلام تحقق ولا ديموقراطية انجزت .امتدت تداعيات هذا الفشل الى الكيان / القاعدة (( قيادة ومستوطنين)) وشركاء امريكا في الاقليم .سادت حالة من اليأس في الكيان بعد فشل القضاء على محور المقاومة الذي خرج اصلب عودا وتجربة غنية في السياسة وميادين القتال ، فانتشرت ظاهرة غلاة المستوطنين المتطرفين الذين اخذوا زمام الامور بايديهم ، وراحوا يعتدون على المقدسات بشكل مستمر وعمليات ارهاب وترويع للمدنيين الفلسطينيين.وبالرغم من زيادة عدد الدول العربية المطبعة مع الكيان الا انها لم تخرجه من هاجس التهديد الوجودي.ومع استمرار الستاتيكو ركزت امريكا والكيان الضغط على المملكة العربية السعودية لتطبع مع الكيان .في تلك الساعة من امنيات التطبيع واحلام االامن حملت قوات القسام وسرايا القدس سفينتهاوافاضت طوفان القدس ليكنس ويجرف الستاتيكو السائد .نزع طوفان الاقصى الروح القتالية لجيش الكيان.والروح ان خرجت لا تعود هذه المرة حتى لو عاد يسوع المسيح، لان المعجزات لن تتكرر.
دخلت عملية طوفان الاقصى الشهر السادس، والمحصلة الان فشل ذريع لامريكا والكيان.ولم يتحقق اي من الاهداف الاستراتيجية للعملية البرية التي اعلناها(( القضاء النهائي على حماس وتهجير المواطنين الى سيناء)) . اما حماس التي دخلت اللعبة غير المحددة بعقلية غير محددة والتي تقود الميدان بقوات القسام وسرايا القدس وتفاوض باسم فلسطين ، بقيت ثابتة على المطالب التي اعلنها ابو عبيدة في البداية ولكن بعبارات اخرى تماشيا مع العقلية غير المحددة.فكان اخر ما طرحه الامين العام لحركة حماس في كلمته الاخيرة ضمن الشروط التالية
١- انسحاب كامل وغير مشروط لجيش الكيان من غزة ٢- الوقف الكامل والدائم لحرب الكيان على قطاع غزة ٣- عودة المهجرين في الداخل الى مدنهم ومخيماتهم وبيوتهم حالا دون قيد او شرط ٤- تسوية مقبولة للاسرى لدى الجانبين. الواضح حتى الان اننا امام حالة استعصاء مزمن وحرب استنزاف الطرف الخاسر فيها الكيان.
اعلن الرئيس الامريكي جو بايدن في السابع من اذار/مارس في خطاب حالة الاتحاد الحرب على حماس، وانه يجب القضاء عليها وتحرير الرهائن المختطفين لديها، وان لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. كما قدم الوصفة السحرية " حل الدولتين" ليعطي المبرر والحافز للسلطة/ الجيتو وشركاء امريكا في الاقليم ليستمروا في جريهم وراء سراب الحل الموعود. كما قال انه سيعطي توجيهاته للجيش الامريكي لبناء رصيف عائم على شاطئ غزة لتفريغ المعونانت الانسانية.لو كان جادا وصادقا في ذلك كانت اشارة من بنانه لحاكم مصر ليفتح معبر رفح ويسمح بدخول الاف الشاحنات المصطفة امام المعبر والمحملة بمئات الاف الاطنان من المواد الغذائية والدوائية والخيام والوقود.ان الهدف من بناء المرفأالعائم هو ايصال بعض المعونات ولكن جوهره هو توفير محطة للتهجير الطوعي المشروع الذي طرحه نتنياهو قبل شهرين بديلا عن التهجير القسري.لقد اوضح بايدن بما لا يدع مكانا للشك ان الحرب على الشعب الفلسطيني هي حرب امريكا، لان الحرب صارت حرب الوجود بالنسبة للكيان/ القاعدة .وعليه فان امريكا ستقودها حتى نهايتها المنطقية.التي لا تنتهي الا بنصر مؤزر لطرف وهزيمة نكراء للطرف الاخر.وهذا يعني استخدام كل الاسلحة القتالية والسياسية.كل ما يجري الان من مفاوضات عبر الوسطاء ولقاءات اقليمية ودولية هو تقطيع للوقت واطالة امد حرب الاستنزاف حتى تتوفر الشروط الموضوعية والذاتية ويحين الوقت لقوى الاطلسي وعلى راسها امريكا ومعهما الكيان للقيام بعملية برية خاطفة مدعومة بغطاء جوي مكثف تشق طريقها شمالا لتفصل سورية عن لبنان، وتسديد ضربة قاصمة لمحور المقاومة، واخراج الكيان الى بر الامان.فهل يجرؤون على ذلك ويسيرون الى حتفهم؟.اتمنى ان يرتكبوا حماقة كهذه .لان تداعياتها ستفوق بمئات المرات تداعيات حماقتهم في اوكرانيا.
م/ زياد ابو الرجا