الوعي القومي والواجب الديني
مقالات
الوعي القومي والواجب الديني
م. زياد أبو الرجا
13 آذار 2024 , 20:47 م


كانت الجزيرة العربية قبل الإسلام واقعة بين الامبراطوريتين الفارسية شرقا والبيزنطية شمالا،اللتان تنازعتا على الجغرافيا السياسية في ذلك العصر.

قامت الإمبراطورية الفارسية بدعم النسطورية على شاطيء الخليج العربي وفي اليمن بشكل خاص نظرا لأهمية موقعه الاستراتيجي حيث قامت ببناء الكنائس النسطورية وتمويل حملات التبشير بهذا المذهب حتى امتد شمالا على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر.

لعبت جمهورية العرب الأولى في مكة ومقرها دار الندوة الملاصقة للكعبة دور عدم الانحياز وبقيت محايدة حفاظا على نظامها الاقتصادي التجاري مع هاتين الإمبراطوريتين. كانت مكة بمثابة السوق الحرة والمخازن العمومية للبضائع القادمة من الجنوب، ومن ثم تتجه القوافل محملة بالبضائع الى الشمال حتى مدينة ايلات حيث تسلم للبيزنطيين "الروم" ويقبضون ثمنها بالدراخما "الدرهم" البيزنطي. فيما تتجه قوافل اخرى الى بلاد الشام. كانت قبائل الغساسنة العربية تحمي هذه القوافل وتشكل محطات استراحة مقابل اجر معلوم، واعتنقت الديانة المسيحية. اما القوافل التي كانت تتجه الى الشمال الشرقي العراق الذي كان ضمن اراضي الإمبراطورية الفارسية كان التجار العرب يقبضون ثمن بضاعتهم بالدينار الساساني. كانت قبائل المناذرة العربية تقدم الخدمات والحماية لهذه القوافل. اصبح الدينار الساساني والدرهم البيزنطي العملة الصعبة المتداولة في مكة.

ارخ القرآن الكريم لهذه العملية بقوله تعالى " لايلاف قريش * ايلافهم * رحلة الشتاء والصيف "*فليعبدوا رب هذا البيت * الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف ".

ادت العلاقات التجارية بين الإمبراطوريتين والعرب الى إثراء اللغة العربية بمفردات فارسية ويونانية "كتاب المهذب في مجاهل القرآن المعرب " للطبري. وتعرض العقل العربي لما نسميه بلغة العصر "العصف الذهني " دينيا حيث تاق العرب الى دين خاص بهم وقوميا الى دولة تجمعهم. كانت موقعة ذي قار التي انتصرت فيها القبائل العربية على العجم اكبر دليل على التطلع القومي العربي حيث تفاعلت مع تداعياتها معظم القبائل العربية في الجزيرة العربية. كانت المسلمة الساندة في ذلك الوقت " الا ان مكة لقاح لا يدين لملك ".

ولهذا شكلوا مجلسا يدير شؤون مكة " دار الندوة " التي فاقت في تنظيمها ونفوذها "مجلس أثينا القديمة " عندما صدع سيدنا محمد بن عبدالله بالدعوة الاسلامية كدين للعرب وتأسيس دولة لهم اختار من كل فخذ من افخاذ قريش صحابيا وبشرهم بالجنة بديلا عن "دار الندوة" وهو الوحيد الذي جمع بين النبوة والرسالة "نبي ورسول" وعلاوة على ذلك كان قائدا عبقريا حين جمع بين العروبة والاسلام . لقد تباهى باصله حين قال " انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب ". بعد ان انتصرت دعوته وبلغ رسالته ما كان لها أن تتحول في قادم الأعوام الى إمبراطورية مترامية الاطراف الا عندما ارتبط الواجب الديني جدليا بالوعي والواجب القومي. كانت العروبة ولا تزال الشرط الحامل للإسلام الهادي والموجه الأخلاقي للعروبة.

عندما احتل العثمانيون القسطنطينية(اسطنبول) واسسوا إمبراطوريتهم على انقاض الإمبراطورية البيزنطية "الروم" وراحت تتوسع في البلقان وفي الوطن العربي تحول العرب في ظلها الى رعايا مفعول بها وغير حاضرة الا كاقطاعيات تدر عليها بالخيرات. طوال أربعة قرون تلاشت العروبة والوعي القومي. وحين قررت الدول الاستعمارية ان تقتسم إرث الرجل المريض اللقب الذي اطلق على الدولة العثمانية بعد ان خسرت في منتصف القرن التاسع عشر نفوذها في أوروبا وأفريقيا واسيا. استسلمت في نهاية الحرب العالمية الأولى وخضع المشرق العربي للانتداب البريطاني والفرنسي حسب اتفاقية سايكس-بيكو-سازانوف ١٩١٦م ووعد بلفور ١٩١٧م وللابقاء على السيطرة الاستعمارية قامت بريطانيا بالعمل على فصل الوعي القومي العربي عن الواجب او الفرض الديني، فشكلت تنظيم الاخوان المسلمين في الثلاثينيات من القرن المنصرم الذي دعا اليه العميل البريطاني حسن البنا تنظيم يحارب القومية والفكر القومي والانتماء الوطني ومنذ ذلك الحين ولغاية الآن يعتبرون الفكر القومي مقيتا وان هوية الانسان هي الدين فقط. في اربيعينيات القرن الماضي قامت بعض النخب العربية التي تأثرت بالفكر القومي الأوروبي الذي وضع حدا للصراعات المذهبية في القارة الاوروبية وفصل الدين عن الدولة واسسوا حزب البعث العربي.

وفي عام ١٩٥٢م تحول إلى حزب البعث العربي الاشتراكي. بعد نجاح ثورة الضباط الاحرار في مصر وتولي القائد الخالد جمال عبدالناصر رئاسة الجمهورية. تبنى النهج القومي لتلعب مصر دورها في الاقليم وأرسل الدعاة لنشر الإسلام في أفريقيا ووائم بين القومي والديني. انبرى تنظيم الاخوان المسلمين للناصرية بدعم من بريطانيا والرجعيات العربية التي دعمت الاخوان ماليا وسياسيا. ونزلت الى الساحة التنظيمات السلفية والتكفيرية التي حاربت البعث والناصرية. ما زالت الشعوب العربية منقسمة على ذاتها ففي الشعب الواحد اتاح التخلف والجهل والثبات على الموروث الثقافي الخائف من المجهول " الناس أعداء ما جهلوا " والعزوف عن المعرفة المتجددة إلى بروز النزعات المذهبية والطائفية والعرقية وشكلت مداخل لقوى الاستعمار ليكون له مواطيء أقدام مستدامة للتدخل في الشؤون الداخلية بذريعة حماية الاقليات الدينية والعرقية. شهد عقد الخمسينيات وبداية الستينيات مدا قوميا اجتاح الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. تحالفت قوى الاستعمار والرجعية العربية لضرب المشروع القومي وواده وجندت الأحزاب والتيارات الدينية للغايه نفسها. وسددت ضربة قاصمة للناصرية في مصر وللبعث في سورية

عندما شنت قوات الكيان/القاعدة المتقدمة عدوانها في حزيران/يونيو ١٩٦٧م. حينها خر الشيخ محمد الشعراوي ساجدا على الارض شاكرا وحامدا الله على نصر السلاح الغربي الكتابي على السلاح الشرقي الروسي الإلحادي. وتناسى ان ارض قيامة المسيح ومسرى محمد والاقصى ثالث الحرمين الشريفين والارض التي بارك الله حولها أنها أصبحت محتلة من بني صهيون بالإضافة إلى سيناء والجولان. ما زالت الجولان وفلسطين ارضا محتلة وما زلنا أمة وشعوبا مبتلاة ومعتلة ومنقسمين بين قائل بان الوحدة العربية هي الدواء وبين قائل بان الإسلام هو الحل. تنادت بعض النخب الدينية وعقدت مؤتمرات ومنتديات لتوحيد كلمة المسلمين تزامنت مع دعوات النخب العربية والقومية الى ندوات ولقاءات من اجل توحيد الجهود القومية واصتدمت مع النخب الدينية. ثم عقدت لقاءات وندوات لوضع حد للانقسام وراب الصدع بين القومي والديني. وبقيت القرارات طي الأوراق، وفشلت كل المساعي. اعتقد ان العلة تكمن في العقل العربي " The Arab Mind" الذي لا يبرح الثابت وترعبه الحداثة والمعرفة.

أردت من هذه المقدمة ان اجعلها مدخلا الى صلب الموضوع الذي يشغل بال الانسان العربي هذه الأيام حول ما يجري من الصراع الحضاري مع الكيان / القاعدة والذي اججه طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول /اكتوبر ٢٠٢٣م بقيادة حماس "كتائب القسام ومعها الجهاد "سرايا القدس". كلتاهما حركتان اسلاميتان واهدافهما وطنيه وجمعتا بين القومي والديني. الشعوب المحيطة بفلسطين عربية واسلامية. ودخلت معركة طوفان الاقصى شهرها السادس واشتد الحصار على غزة واتخذت الحرب اشكالا جديدة ضد الشعب من مجازر وتشريد وهدم للمستشفيات والمرافق العامة واخيرا الى التجويع والشعب في غزة يستغيث " وينكم يا مسلمين وينكم يا عرب" بالعامية الفلسطينية. غاب المسلمون ومشايخهم الذين لم يبرحوا الشاشات الفضائية وقد بحت حناجرهم وانتفخت اوداجهم وذرفوا دموع التماسيح على ما يتعرض له الشعب السوري واحلوا سفك دماء رجال الدولة السورية ومؤسساتها التعليمية والادارية ورجال الامن والجيش والدفاع الجوي وحتى مشايخ الاعتدال وتخريب المصانع وحرق وتفجير الانابيب التي تنقل النفط والغاز الخ. اختفى كل هؤلاء المشايخ لان محركهم كان البترودولار. ولا تعنيهم فلسطين ومقدساتها لا من قريب ولا من بعيد وصارت فلسطين وشعبها بلا بواكي لها ولا مفتيين يحرضون على الجهاد لتحريرها. سقطت أوراق التوت التي تستر عوراتهم وجزت شفرات الحلاقة شعر عاناتهم "زلط ملط" لان محركهم الدولار الاخضر. اما على الصعيد القومي الذي حاربته الانظمة والاحزاب الدينية ما زال على مقاعد الدرس فلن يطلع فجره ما دام يشارك الأحزاب الدينية أرضية الوقوف على الثابت كالماء الراكد الاسن الذي تنمو على سطحه الطحالب فيما العالم حولنا يعيش على المياه الجارية النقية،فلا عجب انه هو المتفاعل مع والمناصر الذي لا يكل ولا يمل في سعيه لنصرة قضية شغب مضطهد ومظلوم،فيما جواميسنا القومية والإسلامية تستمتع في المياه الاسنة وتجتر الماضي . كان الله في عونك يا أبا عبيدة فما زال عابد الحرمين الذي ناجاه المجاهد الامير عبد القادر الجزائري ايام ثورته على المحتل الفرنسي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. هذا العابد لم يتغير ما زال بشحمه ولحمه يستمتع في الماء الاسن غير ابه لا بالعروبة ولا بالاسلام.

لقد أسمعت لو ناديت حيا

ولكن لا حياة لمن تنادي.

الثبات الثبات يا غزة العزة

وانتظروا ما هو آت

يا خيلنا يا خيل الله التي تجر عربتنا

يا العاديات ضبحا ويا المغيرات صبحا

يا فرسان السرايا والقسام الذين اتخذتم من قذائف الياسين والشواط رماحا لن يرهبكم تكالب المتامرين والاعداء لستم وحدكم مادام رجال الله في لبنان وانصاره في أرض اليمان ومعكم حراب العراق وما بعد - بعد - بعد. هو الطوفان الثاني الذي يخشاه الكيان والامريكاني.

قضيتنا سترجع او سنغني مثلما نغنى

ونقصف مثلما قصفوا-- ونقتل مثلما قتلوا

فارهاب بعنف فوق ما الإرهاب ثوري يمينا هكذا العمل.

قضيتنا وان نفحوا الكلى وشرارهم جبل

وصاغوا من قرارات وان طحنوا وان نخلوا

لها درب مضيء واحد رب

فلا هبل -- ولا لات -- ولا نحل

قبيل ذهابكم للمسلخ الدولي وفدا أرسلوا السكين وفدا

أنها امل

سيسمع صوتها

ونشق دربا للرجوع

وينتهي الخطل.

م/زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري