بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
سأبقى أكتب عن غزة وأهلها، وعن فلسطين وشعبها، وعن أطفالها ونسائها، وشيوخها وشبابها، وعن شهدائها وجراحها، وعن بيوتها المهدمة ومبانيها المدمرة، وعن معاناتها وآلامها، وعن شكواها وأنينها، وعن حاجتها وما يلزمها، وعن ظروفها وما ينقصها، وعن كل شيءٍ فيها يخصها ويتعلق بها.
وسأصر على مواصلة الكتابة تحت هذا العنوان، ولن أَمَّلَ الحديث عنها والتحريض على نصرتها، والتشجيع على مساعدتها والوقوف معها، حتى تضع الحرب أوزارها، وينتهي القتال ويتوقف العدوان، ويعود أهل غزة إلى شمالهم وجنوبهم، وبلداتهم ومخيماتهم، وشوارعهم وأحيائهم، يعمرون بيوتهم ومنازلهم، ويستعيدون حياتهم التي كانت وطبيعتهم التي غابت.
فغزة وأهلها، وفلسطين ومقاومتها، هم البقية الباقية من الثلة القليلة والفئة الشريفة، التي ما زالت على العهد باقية وبالوطن مؤمنة، تحافظ على الوعد، وتعمل بصدقٍ وكدٍ لاستعادة الحق وحيازة المجد، إلى جانب الشرفاء الصادقين من العرب والمسلمين، الذين ساندوا مقاومتها، وأشعلوا الجبهات تضامناً معها، ووحدوا الساحات التزاماً بسياستهم، ووفاءً بوعدهم، وأداءً للواجب المكلفين به، وبذلوا في سبيل ذلك الدماء وقدموا الشهداء، وضحوا ببيوتهم وممتلكاتهم واستقرارهم، وربطوا وقف مقاومتهم بانتهاء العدوان على غزة، وهددوا العدو بمواصلة القتال وتوسيع الجبهات ما لم يوقف عدوانه ويسحب جيشه ويوقف حصاره.
اليوم غزة وأهلها وفلسطين وشعبها، يستنصرون كل عربيٍ ومسلمٍ، ويستصرخون كل حرٍ وثائرٍ، وينادون أصحاب الضمائر الحية وبناة الحضارة ودعاة الإنسانية، ليقفوا معهم، ويؤيدوا حقهم، ويدافعوا عن قضيتهم، ويوقفوا العدوان عليهم.
فطوبى لمن كان له معهم دورٌ وقام بالواجب المطلوب منه، وقدم ولم يتأخر، وأعطى ولم يبخل، وصدح بالحق ولم يجبن، واتخذ قراراتٍ جريئة ولم يضعف، فالمرحلة جداً خطيرة، والعدو يتربص بفلسطين كلها وربما بالعرب أجمعين، وإذا تمكن -لا قدر الله- من المقاومة الفلسطينية في غزة، فإنه لن يقف عند حدود، ولن يلتزم بسياسات، ولن يعترف بسيادات، بل سيمضي قدماً في قضم المزيد من الأراضي العربية، ومصادرة حقوقهم وسلب خيراتهم، فلا يظنن أحدٌ من العرب والمسلمين، شعوباً وحكوماتٍ، مولاةً ومعارضةً، أنهم في منجاة من هذا السرطان القاتل والأخطبوط الخطير.
وليعلم الجميع أن نصرة غزة وأهلها شرفٌ وكرامةٌ، ورفعةٌ وشهامة، ومروءة ونبالة، وأنه لا يقوم بها ولا ينال شرفها سوى الرجال الأطهار، وأصحاب الفضل الأشراف، ذوو الهمم العالية والأخلاق الرفيعة، فمن قام بهذا الدور تزكو نفسه، وتسمو روحه، ويحسن ذكره، وتطيب سمعته، ويصبح قدره في الدنيا عالياً ومكانته بين الناس كبيرة، وفي الآخرة تكون له الدرجة العالية الرفيعة والمنزلة الكريمة والصحبة الشريفة، إذ يرضى الله سبحانه وتعالى عنه ويغدق عليه، ويوسع عليه ويكرمه، ويفتح عليه من واسع رحمته وعظيم عطائه، فنصرة فلسطين بوابة الخير ودرب العزة وعنوان الشهامة، وفاعلها يؤجر ويثاب، وتاركها يؤثم ويستحق العقاب.
أما الذين يجبنون ويخافون، ويتخاذلون ويمتنعون، ويخافون ولا يستطيعون، ويصمتون على الجرائم ويسكتون على ما يرتكب في حق أهل غزة من فظائع، أو يتآمرون مع العدو ويتفقون معه، ويساندونه في عدوانه أو يؤيدونه في سياسته، ويحاصرون أهل غزة ويضيقون عليهم، ويبتزونهم ويستغلون ظروفهم، وينظرون إليهم وهم يموتون جوعاً أو يقتلون غيلة وحقداً، فإن الله عز وجل كفيلٌ بأن يرسل عليهم قارعةً من السماء تدمر ملكهم، وتفتت سلطانهم، وتخرب بلادهم، وتهوي بمكانتهم وتضعف اقتصادهم، وتحرمهم البركة وتنزع منهم الخير والمنفعة، وتجعلهم يركضون ولا يلحقون، ويبذلون ويخسرون، ويحاولون ولا ينجحون، فويلٌ لهم من غدٍ قادمٍ ومصيرٍ محتومٍ لاحق، وتاريختا يشهد وسجلات الحياة تحفظ.
لن ينسى الفلسطينيون أبداً من وقف معهم وأيدهم، ومن ناصرهم وساعدهم، ومن ضحى في سبيلهم وقدم من أجلهم، وستبقى ذاكرتهم تحفظ لأهل الفضل حقهم، ولأصحاب السبق دورهم، فهؤلاء قاموا بواجبهم الإنساني والقيمي والديني، قربى إلى الله عز وجل وأملاً في رضاه، أما من غدر بهم وتخلى عنهم، وتآمر عليهم وخذلهم، فحسابهم سيكون عسيراً، وسينالهم الجزاء الأوفى بأيدي شعوبهم جزاء ما ارتكبوا بحق الشعب الفسطيني، طال الزمان أو قصر، وتأخر العقاب أو تأجل، فهذه سنة الله في خلقه التي لا تتغير، ونواميسه في الكون التي لا تتبدل.
بيروت في 20/3/2024