كتب حسن عليّق: هذا تاريخ يُصنع أمامنا، مباشرة على الهواء، ليل ١٣-١٤ / نيسان ٢٠٢٤.
مقالات
كتب حسن عليّق: هذا تاريخ يُصنع أمامنا، مباشرة على الهواء، ليل ١٣-١٤ / نيسان ٢٠٢٤.
14 نيسان 2024 , 21:46 م

*ثَبْتٌ أوليّ لوقائع الليلة الطويلة*:

◾لأول مرة تُضرب "إسرائيل" من داخل الأراضي الإيرانية، وإنْ كان هذا الهجوم رداً على تدمير مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق. وبما أن الهجوم ردٌ على عدوان إسرائيلي، كانت لدى إيران مشروعية داخلية وخارجية للقيام بهذه الخطوة غير المسبوقة من قبلها.

◾كانت "إسرائيل" تتجهّز للضربة الإيرانية، ومعها الغرب الجماعي بطائراته ودفاعاته الجوية في الميدان. رغم ذلك، أغرقت إيران الأجواء الإسرائيلية بالمسيّرات والصواريخ، من كريات شمونه شمالاً إلى أم الرشراش ("إيلات") جنوباً. على مدى أيام، انشغل الصهاينة والغربيون برفع سقف التوقعات بشأن الرد الإيراني، لجعله يبدو ضعيفاً بعد تنفيذه، فإذ بصافرات الانذار تشتعل ٧٢٠ مرة في فلسطين المحتلة، لتضيف سبباً جديداً إلى أسباب تراجع ثقة المجتمع الإسرائيلي بأمنه في فلسطين.

◾هذا الإغراق هدفه من جهة إظهار القدرة، ومن جهة ثانية السماح للصواريخ الإيرانية بالوصول إلى هدفين محددين مسبقاً (قاعدتين عسكريتين، إحداها القاعدة الجوية التي استخدمها جيش الاحتلال للاعتداء على القنصلية الإيرانية في دمشق)

◾رغم الاستنفار الغربي والإسرائيلي والأردني، ومبادرة هذه الدول وغيرها إلى التصدي للهجوم الإيراني دفاعاً عن "إسرائيل"، أصابت صواريخ إيرانية قاعدتين على الأقل لجيش الاحتلال الإسرائيلي. الحرس الثوري الإيراني أعلن أن صواريخه أصابت قاعدة جوية إسرائيلية على الأقل، قبل أن يعترف جيش الاحتلال بذلك. هذه الإصابات تحققت رغم أن إيران لم تكن في مواجهة كيان الاحتلال وحده، بل في مواجهة الغرب مجتمعاً والأنظمة التابعة له. كل أجهزة الاستخبارات ومنظومات الرصد والإنذار والتصدي التي بناها الغرب على مدى عقود وُضعت في الميدان في هذه الليلة، دفاعاً عن "إسرائيل".

◾لم تستخدم إيران أفضل ما لديها من المسيّرات، بل ربما تكون هذه الجولة قد اقتصرت على أبطأ المسيّرات الإيرانية. كأن إيران تقول "هذا ما يمكنني فعله بأقل من مئتي مسيّرة من هذا النوع، وأنا مستعدة لاستخدام الأكثر تطوراً في حال تم الاعتداء على الأراضي الإيرانية، فلا تتمادوا".

◾الردع الإسرائيلي في أسوأ حالاته. ولن يرممه رد عسكري إسرائيلي على إيران، داخل الحدود الإيرانية. فأي رد إسرائيلي قاسٍ على الداخل الإيراني سيستدعي رداً إيرانياً أقسى من الذي شهدته فلسطين المحتلة اليوم، كماً ونوعاً. ثمة ما انكسر ولا يمكن جبره سوى بهزيمة تامة لأعداء "إسرائيل"، وهو ما ليس بمتناول يد محور الإبادة.

◾بعد السابع من أكتوبر، قالت "إسرائيل" إنها متجهة إلى تغيير "الشرق الأوسط". العدوان على القنصلية الإيرانية في دمشق كان في هذا السياق، نقلة نوعية تتجاوز كل الخطوط الحمراء. لكن الرد الإيراني على الداخل المحتل أحبط الهدف الإسرائيلي. صارت "إسرائيل" مضطرة إلى التراجع عما حاولت فرضه بقصف القنصلية.

◾أظهرت وقائع الليلة الماضية، كما طوفان الأقصى، هشاشة الواقع الإسرائيلي، وحاجة الكيان الحيوية للحماية الغربية، ولو للتصدي لأقل من ٤٠٠ مسيرة وصاروخ، رغم التباهي الإسرائيلي والأميركي بطبقات الدفاع الجوي في كيان الاحتلال. في مواجهة محدودة كالتي وقعت الليلة الماضية، كانت "إسرائيل" بحاجة إلى جيوش الغرب وعرب التطبيع، للدفاع عن نفسها، رغم أن كل طائرات سلاح الجو الإسرائيلي كانت في الأجواء للتصدي للصواريخ الإيرانية، كما لحمايتها من الضرر الذي قد يلحق بالقواعد الجوية في كيان الاحتلال.

◾بعد الرد الإيراني، ابتلع بنيامين نتنياهو الموسى. الرجل بنى مسيرته السياسية كاملة على قاعدة مواجهة الخطر الإيراني. وعندما أتت إيران لتوجه ضربة تاريخية للكيان (وصْف "تاريخية" صدر من "إسرائيل" نفسها)، كان يجب عليه أن يرد بقسوة على إيران، داخل حدودها، بلا تردّد. لكنه وجد نفسه أمام معضلة أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" تدركان تماماً أن أي استهداف للأراضي الإيرانية سيُقابَل برد أقسى مما شاهدناه الليلة الماضية. وبالتالي، بات من الصعب توقّع القرار الأميركي الذي سيصدر في الساعات المقبلة بشأن السماح لـ"إسرائيل" بالاعتداء على الأراضي الإيرانية او عدمه، علماً بأن ما تسرّب في الساعات الأخيرة يوحي بأن بايدن لا يحبّذ رداً إسرائيلياً، خشية ردود إيرانية وجولة من الردود المتبادلة التي قد تشعل كامل الإقليم. (الرد على القنصلية جعل إيران ترد بهذه الطريقة، فكيف سيكون الرد على أي هجوم على الداخل الإيراني؟)

-مسألة أخيرة: الرد الإيراني سيساهم في تدعيم موقف المقاومة الفلسطينية في غزة في المفاوضات التي تخوضها لتحقيق وقف لإطلاق النار. فالهجوم الإيراني يفاقم من التوتر الإقليمي الذي تسعى واشنطن إلى ضبطه منذ السابع من أكتوبر الماضي.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري