هل الولايات المتحدة جادة في حل الدولتين؟
مقالات
هل الولايات المتحدة جادة في حل الدولتين؟
منار الحافظ
20 نيسان 2024 , 14:38 م

أعاد الفيتو الأمريكي الرافض لتمرير مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي والذي يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضواً في الأمم المتحدة، مسألة جدية واشنطن في دعم حل الدولتين إلى الواجهة.

مشروع القرار الذي أفشلته إدارة بايدن ليلة الجمعة، وافقت عليه الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن والبالغ عددهم 15 دولة بما في ذلك دول حليفة للولايات المتحدة مثل فرنسا وكوريا الجنوبية واليابان، إذ صوتت 12 دولة بالموافقة، فيما امتنعت كل من المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت.

وفلسطين دولة غير عضو تحمل صفة مراقب في الأمم المتحدة بقرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012.

لدى الولايات المتحدة مبرراتها في رفض تمرير القرار، إذ قال نائب السفير الأمريكي روبرت وود إن الفيتو الأمريكي "لا يعكس معارضةً للدولة الفلسطينية، لكنه اعتراف بأنه لا يمكن أن تنشأ دولة فلسطينية إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الجانبين (الفلسطينيين وإسرائيل)".

وبين من يجد أن الولايات المتحدة ترغب بالتوصل لحل الدولتين ومن يرى نقيض ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس خطار أبو دياب لـ بي بي سي عربي إن الحديث عن دولة فلسطينية، أو حل الدولتين بدأ بشكل خاص منذ اتفاقية أوسلو، التي نصت على ما هو أكبر من كيان وأقل من دولة، لكنها نصت أيضاً على خطوات انتقالية "الكل يعلم أن هذا المسار الذي كانت الولايات المتحدة تشرف عليه، لم يصل إلى نتيجة لأن الولايات المتحدة كانت منحازة لإسرائيل"، بحسبه.

في حين تقول الدبلوماسية الأمريكية التي تترأس مجلس سياسة الشرق الأوسط جينا وينستانلي إن بلادها "تؤيد بشدة حل الدولتين".

لماذا لم توافق واشنطن على مشروع القرار؟

منذ بدء حرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحدث مسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مراراً عن ضرورة المضي قدماً في حل الدولتين كسبيل للوصول إلى السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وتبرر واشنطن الحليف الأبرز لإسرائيل، على لسان مسؤوليها عدم موافقتها على عضوية كاملة للدولة الفلسطينية دون موافقة إسرائيل بأن ذلك يجب أن يحدث "من خلال الدبلوماسية وليس من خلال الفرض"، وفق ما صرح وزير خارجيتها أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي بعد اجتماع لمجموعة السبع في كابري الإيطالية.

وقال بلينكن "نحن مستمرون في دعم الدولة الفلسطينية بضمان أمن إسرائيل"، لافتاً أيضاً إلى أنه بموجب القوانين الأمريكية فإن أي اعتراف من قبل الأمم المتحدة بعضوية كاملة لفلسطين يعني "قطع كل إمداداتنا لمؤسسات الأمم المتحدة وهذا سيضر حتى بالفلسطينيين"، بحسب قوله.

وكانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل كدولة مستقلة في 14 مايو/أيار 1948.

وينستانلي قالت لـ بي بي سي عربي إن الولايات المتحدة قاومت باستمرار أن تصبح "فلسطين عضواً كامل العضوية دون أن يكون هيكل الدولة واضحاً، وبموافقة إسرائيل".

ويوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس خطار أبو دياب أن العقدة الأساسية هي انتزاع موافقة إسرائيل، إذ منذ "اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين سقط حلم السلام بشكل أو بآخر، والبيئة السياسية الإسرائيلية تزداد تشدداً".

أما فيما يتعلق بالبيئة السياسية للفلسطينيين يقول أبو دياب، إن هناك مشكلة أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة، التي تريد أن يكون من ينتقل نحو الدولة مسيطراً على الأرض، وممارساً للسلطة بشكل فعلي.

هناك مشكلة الاستيطان، والجدار العازل الذي أنشأته إسرائيل في الضفة الغربية، وعدم وحدة الصف الفلسطيني "بالطبع سيبقى هناك مشاكل الحدود والاستيطان وتحديد مدى الدولة، لكن هذه هي العقد التي تتخذها الولايات المتحدة كنوع من التبرير لموقفها المنحاز لإسرائيل"، يضيف خطار.

إسرائيل بحكومتها التي يترأسها حالياً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ترفض إقامة دولة فلسطينية، ورحبت بالفيتو الأمريكي.

ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس المقترح الذي قدمته دولة الجزائر بـ "المخجل"، وقال إن "الاقتراح المخجل رُفض، ولن يكافأ الإرهاب"، وفق ما نقلته صحيفة هآرتس العبرية.

وشكر السفير الإسرائيلي جلعاد إردان، الرئيس الأمريكي جو بايدن على ما سماه بالوقوف "إلى جانب الحقيقة والأخلاق في مواجهة النفاق والسياسة" في استخدام الفيتو ضد مشروع القرار. واعتبر أن التصويت لصالح القرار"لن يؤدي سوى لتشجيع الرفض الفلسطيني "للحلول"، ويجعل السلام شبه مستحيل".

كما صرح نتنياهو في وقت سابق بأن "اتفاقية أوسلو كانت خطأ فادحاً يجب ألا يتكرر"، واعتبر أن منح الفلسطينيين سيادة كاملة فيه تهديد لحياة الإسرائيليين.

في المقابل أدانت السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس القرار الأمريكي وقالت في بيان صدر عنها إن الفيتو الأمريكي "غير نزيه وغير أخلاقي وغير مبرر، ويتحدى إرادة المجتمع الدولي الذي يؤيد بقوة حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة…".

وأضاف البيان أن "هذه السياسة الأمريكية العدوانية تجاه فلسطين وشعبها وحقوقها المشروعة تمثل عدواناً صارخاً على القانون الدولي، وتشجّع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وتزيد في دفع المنطقة إلى شفا الهاوية، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين ومواصلة سياسات العدوان وجرائم الحرب التي تتم برعاية ودعم الولايات المتحدة الأمريكية".

حركة حماس أيضاً أدانت الفيتو الأمريكي وقالت في بيان إن الولايات المتحدة أكدت "من جديد وقوفها ضد شعبنا الفلسطيني وحقه في تقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة…".

ماذا لو لم تستخدم الولايات المتحدة حق النقض؟

صرح بلينكن بأن القرار الذي صوّت عليه مجلس الأمن الدولي، "لن يكون له أي أثر على تقدم الأمور فعلياً والتوصل إلى دولة فلسطينية".

تجد وينستانلي أن الولايات المتحدة رغم تأييدها لحل الدولتين،" لكنها تشعر بالقلق بحق من أنه بدون موافقة إسرائيل، لن يكون لعضوية الأمم المتحدة أي معنى حقيقي، وربما يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر الإقليمي".

وتستدل بما يجري في قطاع غزة على أنه "دون موافقة إسرائيلية سيكون التعاون الثنائي اللازم لضمان استدامة دولة فلسطين مستحيلاً. بدون موافقة إسرائيلية، كيف يمكن تحديد الحدود أو تأمينها؟ يوضح الوضع الحالي في قطاع غزة مدى أهمية الاعتراف والدعم الإسرائيليين"، كما تقول وينستانلي.

حق النقض "الفيتو" حقائق وأرقام:

بينما ترى السلطة الفلسطينية أنه كان من الضروري تمرير مشروع قرار الاعتراف بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، وقالت في بيانها إن "تحقيق السلام والأمن والاستقرار في منطقتنا والعالم رهن بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".

ويقول خطار إن الموافقة على مشروع القرار قد تكون على أرض الواقع مسألة رمزية، "ولكنها مهمة من أجل تسجيل موقف للمستقبل، هذه خطوة يجب أن تستكمل الآن".

ويضيف أنه حتى في حال عدم موافقة مجلس الأمن "لو بدأت دول أوروبية وستبدأ قريباً مثل إسبانيا وإيرلندا…بالاعتراف بالدولة الفلسطينية بشكل أحادي، سيعني الكثير، سيعني التأسيس للمستقبل وأن هناك إرادة سياسية دولية لإيجاد حل ومخرج لهذا النزاع المزمن".

وبعد انتهاء التصويت، قال المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور "إن عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة ليست بالأمر الرمزي، بل إنها أمر في غاية الأهمية للفلسطينيين ولشعوب المنطقة في هذه المرحلة الدقيقة".

وأضاف منصور"هذه خطوة منتظرة منذ عام 1947، فهي خطوة ضرورية نحو العدول عن الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني منذ قرار التقسيم، مرورا بالنكبة، ووصولا إلى يومنا هذا، وليعود الإيمان بالشرعية الدولية والقانون الدولي، وبهذه المنظمة وميثاقها".

السفير الجزائري عمار بن جامع كان قد قال، إن قبول العضوية الكاملة لفلسطين يعد خطوة حاسمة "نحو تصحيح ظلم طال أمده...لا بد من معالجة هذا الظلم التاريخي وإعادة توازن ميزان العدالة".

تقول الأمم المتحدة إن "الاتفاق بين الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ضروري لقبول أي دولة عضو جديدة، يرسل طلب عضوية الأمم المتحدة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ثم يُحال لمجلس الأمن والجمعية العامة. ويقرر المجلس المكون من 15 عضواً، بقبول الدولة أم لا بعد أن تتداول لجنة قبول الأعضاء الجدد حول هذا الأمر، ثم يرسل قراره إلى الجمعية العامة المكونة من 193 عضواً".

ويرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش أن "الفشل في إحراز تقدم صوب حل الدولتين يزيد من التقلبات والمخاطر أمام مئات الملايين في أنحاء المنطقة، إذ سيواصلون العيش تحت تهديد مستمر بالعنف".

ورغم القرار الأممي 242، الذي يقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، إلا أنه لم يحصل الفلسطينيون على دولة كاملة السيادة على هذه الأراضي حتى اليوم، فيما يلفت خطار إلى الخلاف الناجم عن دقة صياغة القرار بلغات مختلفة، والتي جعلت إسرائيل تجادل بمسألة الإشارة إلى الأراضي، إن "كانت كل الأراضي أم جزءا منها".