ثقافة
"سلع تباع وتشترى وتعار"
د. علي حجازي
1 أيار 2024 , 10:53 ص

كتب د. علي حجازي:

"قصّة قصيرة ردًّا على موقف شخص يحتلُّ منصبًا مُهمًّا في الصحافة".

بعد الزلزال الكبير الذي قلب موازين الصبر الاستراتيجي، الذي نفد لدى أصحاب الحكمة والاقتدار، فشرعوا بالردِّ على الجرائم العديدة التي ارتكبها جزارو الكيان اللقيط، احتشد العديد من الإعلاميين الأبواق، وشرعوا يدلقون ما سُكب في جماجمهم الخاويةِ،إلّا من عبادة الدولار، والمجهّزة لمثل هذه الحالات من كتابة، وإصدار بياناتٍ وتصريحاتٍ معدّةٍ لهم سلفًا، بقصد تبخيس مفاعيل الحدث العظيم الذي ضرب الوحش الموغلَ في دماء الأطفالِ والنساء والعجائز المقصوفةِ أعمارُهم في قطاع غزّةالحبيب وفي أماكن عزيزة أخرى.

ذلك المتلبّسُ المختلسُ زورًا منصبًا إعلاميًّا مرموقًا جاهلٌ بالتاريخ، لدرجة أنّه لا يعرف الرئيس العراقيَّ الذي كان حاكما في تللك السنة .

عيناه ترقبان باهتمام كبير تلك النيران التي أضاءت ليل هذه الأمّة النائمة منذ زمن ، المتهالكة والمسارعة إلى الِانبطاحِ تحت أقدام الكيانِ المِسخِ الذي كشف عورتَه طوفانُ ليلة السبت المباركة من اليوم السابع من الشهر العاشر من العام ألفين وثلاثة وعشرين.

أجل ، عيناه تدوران فتُخفيان خلفهما النِّفاقَ، والِارتباطَ الرخيصَ بِذَنَبِ ذلك المحورِ الغربيِّ الشيطانيِّ المُعادي الذي تقوده تلك الأفعى السَّامةُ أمريكا، أفعى الهيدرا برؤوسها التسعة.

تنحنح ذلكَ الإمّعةُ، ثم شرع يدلُقُ تلكَ السمومَ التي زوّدتْهُ بها تلك الأفعى، التي فتكت ولا تزال بآلاف الضحايا في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، وفي غير مكان من هذا العالم، قبل التهامها ما تحويه الأرض من ثروات ، وبعد تهوين الحدث العظيم الذي انتظره أولئك المستضعفون طويلًا ، شرع يَكيلُ المديحَ لِمُشَغِّليهِ الغربيين ، ويُعدِّدُ مواقعَ القوةِ التي يمتلكها ذلك الكيان وقادته الذين لم يوفروا وسيلةَ قتلٍ واحدة إلّا وأبدعوا في اِستخدامِها والتفنُّنِ بها ، حتى وصلت بهم إلى استخدام التجويعِ وسيلةً مضافةً لقتل الضحايا المحرومين من الخبز والماء والدواء ، ومن أبسطِ وسائل العيش الإنساني وحقوق الإنسان.

لمّا توقّف قليلًا ليمسحَ العرقَ الذي زخّه ،ظنَنْتُ أنّ دمَ الضحايا المُراقَ بفعلِ تلكَ المجازرِ المرتكبةِ بفعلِ ذلك الكيان ليل نهار، ستدفع به إلى التقليل من ذلك الِاندفاعِ الهائج ، ولكنَّ ظنّي خاب، إذ أبصرته يَمدُّ لسانًا طويلًا يتجاوز أرنبة أنفه، ليتناول الشُّرفاءَ المدافعينَ عنِ العرض والأرض والمقدَّسات، وشرع يُسوّغ أفعال الكيان الشيطاني ومساعديه في إطفاءِ النورِالقادمِ من الشرقِ، ليكشف إجرامَ العتاةِالقادمينَ من شتّى أقطارالأرض الذين عاثوا في أرضِ فلسطينَ التي اغتصبوها واستباحوا محرّماتها؛ مع محرَّمات الأرض المباركة المحيطة بها.

والأنكى من كلِّ ذلك أنّه ينفي قيام أكبر ثورة في هذا العصر ، قام قائدها بطرد الشاه، وإقفال سفارة الكيان واستبدالها بسفارة فلسطين، زاعماً أنّها صناعة أمريكية.

◦ إنّه يرى بعينين زجاجيتين أنّ أميركا هي من طردت الشاه، وأنَّها هي من نصَّب الإمام الخمينيّ العظيم قائداً لتلك الثورة المباركة، ويضيف بكلِّ صلافة أنَّ الضربة الضخمة الحاصلة تمثيليّةٌ مدبّرةٌ مِنْ قَبْلُ، مع الكيان وأميركا.

أغمضت عينيّ، ورحت استعيد موقف الشاعر الجواهريّ الشجاع الذي يلسع بسياط كلماته الحادَّة هذه الدُّمى الإعلاميّة، حيثُ يقول:

"وصحافةٍ صِفْرِ الضميرِ كأنها

سِلَعٌ تُباعُ وتُشترى وتعار".

صدقت أيّها الشاعر النبيل، فهذا الإعلاميُّ و أمثالُهُ المتعامون عن إبادةِ شعبٍ كاملٍ وتجويعِهِ وتهجيرِه؛ صامتون عن قول الحق كارهون له.

أجل فهؤلاء الإعلاميونوأشباههم كُثر، وهم مِمّن نالوا من العطايا والهِباتِ أثماناً بخسةً لضمائرَ ماتت، وباتوا ينتظرون من يدفنهم ويدفن ضمائرهم، ويسدأفواههم إراحةً للناس منهم ومن أبواقهم النّافرة،

قلت ذلك وأخذت اردّد:

صحافةُ آخرِ زمن ! آخرِ زمن ! 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري