الحركة الطلابية في امريكا واوروبا.
مقالات
الحركة الطلابية في امريكا واوروبا.
م. زياد أبو الرجا
1 أيار 2024 , 18:22 م


ادى تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين الى انفلات الغول النيوليبرالي الامريكي من عقاله ، لم يعد يلتزم بمراعاة البعد الاجتماعي واحتياجات الفقراء اصبحت عبئا لا يطاق .وفرض دكتاتورية السوق والعولمة ، وفي ضوء تفرده في قيادة العالم راح يجمع بين مصالح اصحاب رؤوس الاموال بشكل لافت للنظر وبدل المقولة المشهورة " يا عمال العالم اتحدوا" ارسى دعائم نظام " اممية راس المال"ولسان حاله يقول: " يا راسماليي العالم اتحدوا" .فهم يهددون بهروب رؤوس اموالهم ما لم تستجب الحكومات لمطالبهم.مثل التنازلات الضريبية ، تقديم مشاريع البنية التحتية لهم مجانا، الغاء وتعديل التشريعات التي كانت تحقق بعض المكاسب للعمال والطبقة الوسطى، مثل قوانين الحد الادنى للاجور ومشروعات الضمان الاجتماعي والصحي ، واعانات البطالة.وخصخصة المشروعات العامة وتحويل الخدمات العامة الى القطاع الخاص.ان انتشار اممية راس المال نتيجة انهيار " النموذج الاشتراكي" وحل التعارض بين الديموقراطية والسوق محل تلازم السوق والديموقراطية .اما على الصعيد الدولي بدأ الغول الامريكي يزحف شرقا ، فضم دول حلف وارسو بعد تفككه الى الناتو والاتحاد الاوروبي واشعل حرب يوغوسلافيا واحتل افغانستان والعراق للسيطرة على منابع النفط والغاز.

كانت العقود الثلاثة التي تلت تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين زاخرة بحروب الفوضى الخلاقة التي جندت لها امريكا الاخوان المسلمين لاسقاط الدول التي لا تخضع لاملاءاتهاوخاصة سورية .واوكلت لاردوغان مهمة قيادة الحملة الارهابية العالمية لاسقاط الدولة السورية قاعدة الارتكاز لقوى المقاومة التي ارغمت جيش الكيان على الفرار تحت النار من جنوب لبنان في ايار / مايو ٢٠٠٠وهزيمة مشروع الشرق الاوسط الجديد في تموز/يوليو ٢٠٠٦.وقامت دول الببترو دولار بتمويل حروب الارهاب على الدولة السورية ، وسخرت اجهزة الاعلام بكل انواعها لشيطنة الدولة السورية.وكان لشيوخ الفتنة والارهاب المجندين من قبل المخابرات الامريكية والاطلسية اهم ادوات التعبئة والتحريض بدءأ من القرضاوي والعرعور وانتهاءا برهطهم المنتشر في بقاع العالم.

ان اخطر الحملات التي شنتها النيوليبرالية كانت موجهة ضد الثقافة الجمعية للشعب الامريكي القائمة على التعددية الثقافية في الداخل الامريكي والعالمية في الخارج. ارادت ان تَسم الثقافة الامريكية بالتزمت والعنصرية ، لكنها جوبهت بالرفض الجماهيري والمظاهرات الحاشدة المنددة بالجرائم العنصرية والخداع والغش والتعذيب والتسلط. الامريكيون اكثر شعوب العالم التي تعرضت للعصف الذهني والتلاقح الحضاري والثقافي بحكم نسيجهم الاجتماعي المنحدر من الشعوب الاوروبية وانتشارهم في معظم اقطار العالم.هذا بالاضافة الى ملايين الطلاب الاجانب الذين يتلقون العلم في الجامعات والمعاهد الامريكية.ان الديموقراطية الامريكية هي الضامن الرئيسي لتماسكهم وتحت ظلها يمارسون حرية التعبير والمعتقد دون سقوف او حدود.ان الطفل الامريكي الذي نشأ وترعرع على القيم الانسانية السامية (( لا تكذب، لا تسرق، لا تغش، لا تقتل الخ)) صار يدرك وهو شاب في الجامعة ان الدولة العميقة الامريكية هي التي تكذب على الشعب الامريكي وتسرق وتنهب ثروات الشعوب وتقتل مناضلي الحرية والاستقلال الوطني .واكبر كذبة تلك التي خدع بها كولن باول مجلس الامن وبيده عينة في قارورة صغيرة عن سلاح العراق الكيماوي.ان ادمان الادارة الامريكية على الكذب دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى القول : امريكا امبراطورية الكذب.

كثيرة هي القضايا والتساؤلات التي اثيرت في العقود الثلاثة الاخيرة مثل مفهوم الحضارات ، مسألة الحضارة العالمية ، العلاقة بين السلطة والثقافة، انزياح ميزان القوى بين الحضارات ، توطين الثقافة في المجتمعات غير الغربية، البنية السياسية في الحضارات ، النزاع المتولد عن العالمية الغربية ، التشدد الاسلامي، الحزم الصيني،التوازن وعدم اللحاق بصعود القوة الصينية ، اسباب ومحركات حروب الصدع، مستقبل الغرب وعالم الحضارات، التأثير الحاسم للنمو السكاني على عدم الاستقرار وميزان القوى.ان صراع الحضارات هو اكبر تهديد للسلم العالمي.

للاجابة على كل هذه القضايا والتساؤلات المثيرة للجدل ساقدم للقارئ رأي المفكرين الامريكيين والروس وغيرهم

١-في صيف ١٩٩٣ نشرت مجلة " الشؤون الدولية" فورين افيرز مقالا لي تحت عنوان (( صراع الحضارات)) ذلك المقال الذي اثار جدلا ونقاشا على مدى ثلاثة اعوام اكثر من اي مقال تم نشره منذ عام ١٩٤٠.لقد اثار بلا شك جدلا وحوارا على مدار ثلاثة اعوام اكثر من اي شيئ كتبته.جاءت الاستجابات والتعليقات عليها من كل قارات العالم ومن اقطار عديدة.حيث كان الناس اما معجبين او مفتونين، غاضبين او مرتعبين او متحيرين من دعواي القائمة على " ان القضية المركزية ذات البعد الاكثر خطورة على السياسات الدولية المستجدة .القائمة على الصراع بين المجتمعات من حضارات مختلفة.مهما يكن ما احدثه هذا المقال فانه ضرب على عصب الشعوب من كل الحضارات.

صموئيل هنتنجتون.مقدمة كتابه صراع الحضارات.

٢- ذكّر هنري كيسنجر ان اليابان وروسيا ومن المحتمل الهند وعدة دول متوسطة وضغيرة الحجم .والدول الست الكبرى تنتمي الى خمسة حضارات مختلفة، بالاضافة الى دول اسلامية مهمة التي تشكل مواقعها الجغرافية وكثافتها السكانية و / او منابع النفط تجعلها مؤثرة في الشؤون الدولية.في هذا العالم الجديد السياسات المحلية هي سياسة القوميات، اما السياسة الدولية هي سياسة الحضارات.

هنري كيسنجر

دبلوماسية هنري كيسنجر( نيويورك سايمون وستوشر) .١٩٩٤

٣-الدكتور جورج فريدمان في كتابه " الاعوام المائة القادمة استشراف القرن الحادي والعشرين يقول: لا تحتاج الولايات المتحدة الى الانتصار في الحروب، ما تحتاجه بكل بساطة هو اغراق الاخريين في الفوضى، بحيث لا يمكن لهم اعادة انتاج ما يكفي من القوة بحيث تشكل تحديا لها.سوف يشهد القرن الحادي والعشرين في احد مستوياته سلسلة من المواجهات تخوضها قوى اقل شأنا وذلك في معرض محاولتها تشكيل ائتلاف يهدف الى احتواء السلوك الامريكي وعمليات الولايات المتحدة الامريكية العسكرية الهادفة الى التشويش عليها .سوف يشهد القرن الحادي والعشرون حروبا اكثر مما شهده القرن العشرون، الا ان هذه الحروب سوف تكون اقل كارثية وذلك بسبب المتغيرات التكنولوجية وايضا بسبب طبيعة التحديات الجيوسياسية.

٤- الجغرافيا السياسية.اكتشفت روسيا الاتحادية رجحان كفة الجغرافيا السياسية على كفة الايديولوجيا بصورة جلية في تسعينيات القرن العشرين .(( اكد الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين على اهميتها في صنع المستقبل ، وركز على المقاربة المكانية والمكان في حده ثابت لا يتغير ، لذلك نجد ان المقاربة الجيوسياسية تعامل تلك الحقائق التي تعد من ناحية نظرية بحتة مستقرة وثابتة غير مرتبطة بالتقلبات التاريخية، وكما هو الحال في الروزنامة الفلكية ، حيث يوجد قسم ثابت واخر متبدل.بينما يشير الاول الى مواقع النجوم التي لا تتحرك في قبة السماء.يؤشر الثاني الى دينامية الانتقال الذي تخضع له النجوم المتحركة.كذلك هو الامر في التحليل السياسي الكامل للعلاقات الدولية ، اذ يمكن تصويره مكونا من جزئين ثابت ومتحول.والجزء الثابت هو الجغرافيا السياسية.وهي تنطلق من مبدأ يقول ان الدول والحضارات تعكس في سياساتها خصوصية المشهد الطبيعي الذي نشأت وتطورت في اطاره..لقد اهتم دوغين اهتماما خاصا بالجغرافيا السياسية وخاصة الجزء الثابت والذي على اساسه طرح مشروع اليوراسيا لمستقبل تلك المنطقة.

٥-يتساءل الفيلسوف والناقد الثقافي السلوفيني سلافوي جيجيك في كتابه فلسفة الفوضى الصادر في نيويورك ٢٠٢١ : هل ينقذ الدمار البشرية؟ هل يمكن ان تكون كوارث اليوم حافزا للتقدم ام انها تحولت الى شيئ فظيع لا يمكن اصلاحه؟ يستمر في القول: نحن وسط عدوان صهيوني عالمي يندرج ضمن ضحاياه كثيرون من اليهود الذين ينتقدون السياسة الاسرائيلية. تْطلق على احدهم تسمية " المروج الدعائي لحركة حماس" وهو جدعون ليفي الذي كتب في صحيفة ها اريتز Haaretz في ٨ كانون الاول/ ديسمبر : يتم باغلبية ساحقة اقرار قوانين تسِم معاداة الصهيونية بمعاداة الساميةوحركة مناهضة الاحتلال بمعاداة السامية .ورغم خضوعها الان لاهواء اسرائيل والمؤسسة اليهودية، لكنها عْرضة لاشعال نار معاداة السامية.حين تطرح اسئلة حول مدى تدخلها.

ارى ان ليفي " اسرائيلي وطني " حقيقي، مثلما اطلق على نفسه ذات يوم.لقد تنبأ محقا بان الخلط المتهور بين انتقاد السياسة الاسرائيلية وبين معاداة السامية سيفضي الى موجة جديدة من معاداة السامية.كيف؟ ترتكب دولة اسرائيل خطأً فادحا كي ترسي اسس سياستها الصهيونية،اذ انها قررت التقليل من شأن ما يْدعى معاداة السامية " القديمة" ( الاوروبية التقليدية)، وركزت عوضا عن ذلك على معاداة السامية " الجديدة" التي يْزعم انها " تقدمية" ، وتتقنّع مطالبها بانتقاد الصهيونية.على هذا المنوال ادّعى برنارد هنري ليفي في كتابه اليسار في الازمنة المظلمة The Left In The Dark Times الصادر في ٢٠٠٨ ان معاداة السامية في القرن الحادي والعشرين ستكون " تقدمية" او لن تكون، اذا ما مضينا في هذه الاطروحةالى نهاياتها، فهي تدعو للعودة للتفسير الماركسي القديم لمعاداة السامية بوصفها معاداة غامضة او مزاحة عن مكانها للرأسمالية( ينصب غضبا على جماعة اثنية محددة متهمة بافساد النظام بدلا من القاء اللوم على النظام الرأسمالي) .تعد معاداة الرأسمالية اليوم من وجهة نظر هنري ليفي وانصاره شكلا مقنعا من معاداة السامية.ما اجده مقلقا على وجه الخصوص هو جمع المحافظين المسيحيين في الولايات المتحدة بين موقف قوي مؤيد للرأسمالية وبين ولع مكتشف حديثا ؟ في مستطاع هؤلاء الاصوليين المسيحيين ، الذين هم بحكم الطبيعة معادون للسامية ، ان يؤيدوا بحماسة حاليا السياسة الصهيونية لدولة اسرائيل؟ هنالك طريقة واحدةللاجابة عن هذه الاحجية: ليس الامر ان الاصوليين المسيحيين قد تغيروا، بل ان الصهيونية نفسها ، في كراهيتها اليهود الذين لا يتماهون كليا مع سياسة دولة اسرائيل،اصبحت على نحو مفارق معادية للسامية))

.قال ابو الاسود الدؤلي:لا يصلح فوضى لا سراة لهم

ولا سراة اذا جهالهم سادوا

والبيت لا يبتنى الا له عمد

ولا عماد اذا لم ترسى اوتاد

السراة هم الانتليجانسيا ((الفلاسفة والمفكرون والحكماء والادباء وذوي الرأي السديد)) .تبقى الدولة كفاعل اساسي في شؤون العالم وسلوكها محكوم في السعي الدائم من اجل السلطة والثروة.لكنها تتقولب بالاداء الثقافي الذي تبدعه الانتليجانسيا والقواسم المشتركة والخلافات.لكن الثقافة لن يكتب لها النجاح الا بشرطين الاول الديموقراطية الحقة والثاني شغف شعبي للقراءة وهضم واستيعاب ما تقدمه الثقافة.في امريكا والغرب الاوروبي يتهافت القراء على شراء الكتب التي يؤلفها فلاسفة العالم ومفكروه وعلى الروايات التي يؤلفها الادباء .ويتم اعادة نشر الكتاب عدة مرات في العام الواحد.وكذلك الافلام والمسلسلات ذات الطابع التاريخي .الكل منا يتذكر مسلسل " الجذور"وشخصيته كونتا كينتي للكاتب اليكس هيلي والعصف الذهني الذي احدثه على العقل والضمير الامريكي.كذلك الافلام التي القت الضوء على الهنود الحمر وحروب الابادة الجماعية التي مورست ضدهم.اما التمييز العنصري الذي مورس ضد السود وعصابات الكلو كلوكس كلان ما زالت حاضرة في الوعي الامريكي ويجسدها غلاة المستوطنين الصهاينة في ممارساتهم اليومية في فلسطين .وتعذب ضمائر الاجيال الحالية.

لم يعد المجتمع الامريكي ونخبه الانسانية تحتمل ممارسات عنصرية او ابادة جماعية حتى لو كانت خارج حدوده. جاء طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول / اوكتوبر٢٠٢٣ وحرب الابادة الجماعية التي يمارسها الكيان وجيشه ضد الفلسطينيين ليعيد احياء الذاكرة الامريكية .وان حكومتهم باجهزة اعلامها وسياسييها الذين يدافعون عن النيوليبرالية المتوحشة التي سيكون اول ضحاياها الشعب الامريكي والديموقراطية الامريكية.وهي التي توفر الغطاء السياسي والدبلوماسي والدعم العسكري للكيان العنصري في فلسطين وحرب الابادة التي يشنها الجيش الاسرائيلي.لقد هيّأ صمود الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته ومضلوميته التي اخفاها الاعلام الامريكي الصهيوني الارضية والمنطلق لثورة شباب وطلاب الجامعات والمعاهد الامريكية احتراما لعقولهم وذواتهم اولا، وانتصارا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ثانيا.

تحية اجلال واكبار للعقل الذي تخصبه الديموقراطية الحقة والتفكير الحر والخزي والعار للعقل العربي الغائب والمغيب الذي لديه مناعة صلبة ضد الفلسفة والفلاسفة، وضد الثقافة والمثقفين.وفوق كل ذلك يمتدح الكذب ويمجده، والمثل الدارج عندنا (( الكذب ملح الرجال)).لذلك نجده غير مكترث بما تمارسه الحكومات من كذب وخداع.مثله كمثل السبحةحباتها الجماهير وشاهدها الحكومة.

بمناسبة الاول من ايار الذي يحتفى به كعيد للعمال الذين هم فئة من المستضعفين وليس كلهم نوجه النداء العالمي الجديد

يا مستضعفي العالم اتحدوا

م/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري