كتب الأستاذ حليم الشيخ:
إذا كان محمد الضيف انضم إلى قادة الميدان التاريخيين من امثال عماد مغنية أو مصطفى بدر الدين أو غيرهم، فإن يحي السنوار أصبح أيقونة فلسطين...
تفوّق السنوار على كل القيادات التي سبقته في ساحات النضال الفلسطيني منذ القرن الماضي إلى يومنا هذا...
ساعة كاملة خصصتها قناة الميادين لأجل إلقاء الضوء على هذا القائد الذي تمرد على النظام العالمي بكل أركانه، غربا وشرقا، شمالاً وجنوباً... فحقق المعجزة...
فلسطين تحتاج إلى قيادات من طينة خاصة...
كل الساحات مهددة؛ لكن كل هذه الساحات تملك مجالات و" ظهر"...
وحدها الساحة الفلسطينية محاصرة من جميع الجهات...
وحده الفلسطيني يعرف أن لا مخرج أمامه سوى الذل أو الموت؛ لذلك اختار الموت بشرف أو النصر...
هو ينتصر كل يوم؛ رغم الآلام، هو ينتصر...
لذلك كان السنوار من طينة من يعرف أن الإمكانية الوحيدة أمامه هي إما الاستشهاد، وإما الإستشهاد...
خرجت المقاومة الفلسطينية تخرب هذا النظام العالمي الذي يتشدق بشعارات الديمقراطية والإنسانية دون أن يعنيها...
رغم الخذلان العربي الكامل، لم تخرج حركة حماس ولا حتى بكلمة تخوين واحدة منذ انتقال قيادة الحركة إلى رجال الأرض هؤلاء...
قد يقول قائل إن ما وفرته إيران للقيادة الحالية لم توفره، لا مصر عبد الناصر، ولا الاتحاد السوفياتي، ولا أي نظام عربي آخر لمنظمة التحرير الفلسطينية...
لكن منظمة التحرير ذهبت إلى أوسلو بعد حوالي خمسة عشرة عاماً من الثورة الإيرانية وبعد أن رأت بأم العين ما قدمته هذه الثورة للمقاومة الإسلامية في لبنان...
باختصار، نقف اليوم أمام عامل ذاتي رائع توفر أخيراً في فلسطين...
الاستيطان، الظلم، الهوان، الاستيلاء على الأملاك... كل هذا شكل ظرفا موضوعيا لقيام ثورة شعبية منقطعة النظير؛ لم يكن ينقص سوى الظرف الذاتي؛ لم يكن ينقص سوى ظهور قيادة تاريخية؛ قيادة من نوع جديد...
دون التقليل من قيمة أية قيادة اخرى على مدى تاريخ النضال الفلسطيني، إلا أن القيادة الحالية وضعت العالم كله امام نقطة اللاعودة...
حتى في المفاوضات، يذكرنا الأخ يحي السنوار ومعه الأخ محمد الضيف بقيادة الجنرال جياب أثناء معركة ديان بيان فو ضد الاستعمار الفرنسي قبل أن تهرع الإمبريالية الأميركية لنجدة الظالم، فإذا بها تقع في نفس المستنقع...
قد يعيب أحدهم على قيادة المقاومة في غزة أو الضفة أو لبنان عدم الدفع نحو الحرب الشاملة رغم معرفة الجميع أن هذه الحرب سوف تؤدي حتما إلى زوال الكيان...
من يجول على قرى الشريط الحدودي اللبناني مع فلسطين المحتلة، يرى دمارا يكاد يشابه الدمار الذي حصل في غزة...
اسرائيل ليست سوى الأداة التي نفذت المجازر...
لكن الفاعل الحقيقي هو جبهة كاملة من دول محور الشر الأميركي الغربي العربي...
يقف محور المقاومة في وجه جبهة عالمية تمتد من أميركا إلى بريطانيا إلى فرنسا إلى ألمانيا إلى كل حلف الناتو، ومعهم جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي...
وحدة الساحات لم يكن مجرد شعار...
سواء ابلغت حركة حماس بقية قيادات المحور بموعد عملية طوفان الأقصى، أم لم تبلغهم؛ كانت الأمور تقتضي الذهاب فورا إلى وحدة كاملة في المواجهة خاصة وأن الذي منع انهيار الكيان هو وحدة دول الإستعمار والهيمنة المذكورين أعلاه وراء هذا الكيان...
هل خافت إيران من التهديدات الأميركية التي تحدث عنها السيد نصرالله، حين تحدث عن التهديد بتدمير طهران؟
هل لجم حزب الله الاندفاع لمساندة غزة خوفاً من التهديدات الأميركية بتفجير حرب أهلية في لبنان؟
هل خافت سوريا من إعادة حريق الحرب الأهلية وجماعات التكفير والهجرة؟
نعم، إيران خافت...، ونعم، تم ردع حزب الله، على الأقل في الأيام الأولى من طوفان الأقصى...
لم يكن هذا عيبا...
الخوف ليس عيبا...
لكن الخوف من الحرب هو عين العيب...
هل كان محور المقاومة يعلم أن الطلبة في الغرب سوف يقومون بذلك الحراك الرائع؟
بالتأكيد لا...
في الأيام الأولى جرى في الغرب تطبيق حالة طوارئ غير معلنة...
صار مجرد ذكر كلمة فلسطين جريمة...
قبل طوفان الأقصى كان الناس يعتقدون أن هناك حرية تعبير وان هناك حرية رأي...
لكن الذي جرى لا يصدق...
جرى منع وزير اوروبي سابق من الدخول الى ألمانيا لمدة عام كامل رغم الحدود المفتوحة بين دول الشينغين...
في فرنسا، جرى التضييق على حزب فرنسي كبير هو حزب فرنسا الأبية فقط لأنه رفض حرب الوحشية والتدمير ضد الأطفال والنساء...
جرى التضييق على اي صوت... بالأخص اصوات اليهود المعادين للصهيونية...
كان من المضحك المبكي اتهام هؤلاء اليهود بمعاداة السامية وتقديمهم للمحاكمات وفق تلك التهم...
لم تعد أنظمة اوروبا الغربية تختلف عن نظام محمد بن سلمان أو السيسي أو مليك البحرين...
لم يجر هذا بفضل وحدة الساحات...
بل جرى بفضل قيادة المقاومة في غزة تحديداً، وبفضل صمود الغالبية العظمى من سكان القطاع...
لا يخلو الأمر من وجود جبناء أو انتشار الخوف من الموت بين السكان...
هذا أمر طبيعي في كل شعب...
لكن غزة أعطت نموذجا يختلف عن كل تاريخ العرب الحديث...
حتى العملاء، وهم موجودون بطبيعة الحال؛ حتى هؤلاء اختفوا من غزة...
لم يعد المرء يرى سوى بطولات تتراكم فوق بطولات...
كل هذا أدى إلى زيادة نسبة المساندة في لبنان والعراق واليمن...
هل يريد محور المقاومة وقف النار فعلا؟
سؤال تصعب الإجابة عليه...
المنطق يقول إن الكيان في حالة خسارة واستنزاف...
لذلك يجب الاستمرار في هذه الحرب حتى المواجهة الشاملة...
الشعب الفلسطيني في وضع بات يعلم فيه أن لا مستقبل دون استمرار القتال حتى النصر أو الشهادة...
حتى لبنان المخروق بأعداد كبيرة من عملاء أميركا والكيان والذي اعتاد شعبه رغد العيش؛ حتى لبنان هذا، ينضح كل يوم بعزيمة أكبر للقتال...
أهل جبل عامل لا يتذمرون...
يقفون فوق بيوتهم المهدمة، ويرضون بالمزيد شرط اقتلاع الكيان من الوجود...
"كل شيء في سبيل تحرير بيت المقدس..."
وتيرة الصراع في تصاعد...
كل يوم يتأكد الجميع أن أميركا عاجزة عن فعل أكثر كما فعلت...
الكل يعرف أن العدو الحقيقي موجود في البيت الأبيض، وليس في فلسطين المحتلة...
لكن أحدا لا يريد ضرب هذا الوجود...
لا تزال الضربات في سوريا خجولة...
مصالح الأميركيين والغرب يتم الحفاظ عليها في بلدان الشرق الأوسط والعالم الإسلامي...
حتى حركات أردوغان أو السيسي الخجولة ليست سوى محاولة تبرئة الذمة أمام هول الفظائع بتوقيع أميركي واضح...
الشركات الأميركية والغربية تزرع العالم الإسلامي دون أي خوف من أية ردة فعل على المجازر المرتكبة...
ما يفعله الطلبة في الغرب يزيد أضعافاً مضاعفة عن افضل ما يخرج في بلاد الأعراب أو
المسلمين...
لا بل تعود جريدة الشرق اللبنانية التابعة للسعودية إلى نغمة التكفير المذهبي لذر الرماد في العيون فلا يرى الناس بؤس هذا العالم الإسلامي الذي يخشى مساندة نساء فلسطين رغم كل الدلائل حول المس بالأعراض...
اليوم يقف كل العالم أمام مفاوضات يجب أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار لأن هذا يشكل الحد الأدنى لمطالب محور المقاومة...
لن تقبل اميركا واسرائيل وقف النار إلا في حالة واحدة فقط...
عندما تخسران الحرب...
هل يستطيع أي كان أن يقول لنا لماذا نقبل بوقف النار حين يخسر العدو!!!
مرة أخرى، لن تكون الأخيرة بالتأكيد...
المقاومة في غزة ربحت الحرب رغم كل القتل والجرائم...
التخلي عن أي مطلب مهما صغر هو تخلي مجاني عن حق من حقوق الشعب الفلسطيني...
ثم ماذا عن الضفة...
ماذا عن فلسطينيي ال ٤٨...
وقف الحرب لم يعد الشعار المناسب...
اليوم يجب رفع شعار جديد،
دولة واحدة وحقوق متساوية لكل السكان؛ وإلا نكون فرطنا بنصر الأرض على مذبح الخضوع لهذا النظام العالمي الجائر...
حليم الشيخ