"المفكر" الصهيوني ميخا غودمان في مقال تنشره صحيفة «يديعوت أحرونوت» في نهاية الأسبوع.. يقول "إن صورة إسرائيل تضررّت كثيراً في الغرب، حيث يتم توصيفنا في الجامعات وفي وسائل الإعلام الرئيسية وفي منتديات التواصل الاجتماعي، بأننا دولة وحشية تنتهك القانون، ويجب وضع حدّ لها من أجل تحقيق السلام العالمي. لكن الانطباع الغربي عن إسرائيل ليس الانطباع الوحيد الذي يهمّ الإسرائيليين، إذ أننا نهتم أيضاً بطريقة نظرة القوى الجهادية في الشرق الأوسط إلينا. هكذا تصبح لدينا صورتان نشعر بالحاجة إلى الحفاظ عليهما: فنحن نحتاج إلى أن يرانا الغرب دولة أخلاقية تعمل وفقاً لقواعد اللعب المعمول بها، لكننا نحتاج أيضاً إلى أن ينظر إلينا الشرق الأوسط على أننا دولة حازمة، وهجومية، وغير متوقعة، بل متوحشة أحياناً. ما يشغلنا شعوران: الحب والخوف. نحن نرغب في أن يحبنا الغرب، كما نرغب في أن يخشانا الشرق الأوسط. والمشكلة هي أن ما ينطبق علينا في هذه الحال هو مقولة (لا يفلح الساحر، حيث يفلح) لأنه لا يمكننا الإمساك بالعصا من طرفيها: فكل إجراء نتخذه بهدف ترميم الردع الإسرائيلي وخوف الشرق الأوسط من إسرائيل، يقوّض الدعم والتعاطف الغربيَين تجاه إسرائيل، وفي المقلب الآخر: فكل ما نمتنع من القيام به من أجل الحفاظ على تعاطُف الغرب تجاه إسرائيل، سيؤدي، بالضرورة، إلى تقليل رهبة الشرق الأوسط من إسرائيل. لو تسنى لكم اختيار شعور واحد فقط من هذين الشعورَين، فأيهما ستختارون؟ الخوف أم الرعب؟ فمَن يشهد الأجواء العامة في إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يدرك أننا نحن، كإسرائيليين، تهمنا معرفة أن الشرق الأوسط يخاف منا، أكثر كثيراً من محبة الغرب لنا. بالنسبة إلينا، إن صورتنا في الشرق الأوسط تمّثل أهمية أكبر من انطباع الغرب عنّا، لكن المشكلة كامنة في أننا لن نتمكن من ترميم صورتنا المرعبة في الشرق الأوسط، من دون دعم الغرب. نحن نعتمد على الغرب، وعلى الذخائر، وعلى التسلّح، وعلى المظلة القانونية والدبلوماسية التي يوفرها الغرب لنا، فإذا ما فقدنا تعاطُف الغرب معنا تماماً، فسنفقد القدرة على ترميم صورتنا الباعثة على الخوف في الشرق الأوسط. وبعبارة أُخرى، نحن في مأزق منطقي واستراتيجي: إذ إن مصائرنا معلّقة بانطباع الغرب عنّا، ومن دون هذا الانطباع، لا يمكننا شنّ حرب في المدى الطويل، من شأنها تقويض صورتنا في الغرب.
الآن، بعد مرور ثمانية أشهر، تحولت هذه المعضلة إلى فخ، ففي تشرين الأول/أكتوبر، قمنا بإطلاق حرب تهدف إلى استعادة المخطوفين، وكسر قدرات حماس العسكرية والسلطوية، وإعادة الأمن إلى مواطني إسرائيل، وقد انتهى ائتمان الشرعية الذي وفّره العالم لإسرائيل لكي تشن الحرب، قبل أن تحقق أهدافها، وقبل أن تنهي الحرب. لقد استنفدنا هذا الائتمان قبل أن نتمكن من القضاء على حماس، وفقدنا تعاطُف الغرب معنا، قبل إعادة ترسيخ صورتنا المرعبة في الشرق الأوسط. إن الوضع الذي وجدنا أنفسنا فيه، هو الأسوأ بكل المقاييس: إذ بات الغرب يعتبرنا غير أخلاقيين، وبات الشرق الأوسط يستخف بقدرتنا على الردع. منذ اندلاع الحرب، بلغت نسبة الإسرائيليين الذين يثقون بالحكومة مستوى منخفضاً يبلغ نحو 30 في المئة. لماذا نحن شعب مميز إذاً؟ لأن الإسرائيليين، على الرغم من أن معظمهم لا يثق بالحكومة، فإنه يدعم الحرب. إن الأغلبية العظمى من الإسرائيليين تدعم أهداف الحرب، وتؤيد الإجراءات الصعبة التي يتعين علينا القيام بها من أجل الانتصار. لا توجد سوابق كثيرة لهذه الظاهرة الغريبة: شعب يكون كثيرون من أبنائه وبناته على استعداد للمخاطرة بأنفسهم في حرب تعلنها قيادة لا يثقون بها. الجناح البراغماتي في الحزب الديمقراطي الأمريكي يواجه صعوبة في تقديم الدعم لاستمرار الحرب في المدى الطويل، ولا يثق بالقيادة الإسرائيلية التي تقود هذه الحرب، في آن معاً. المشكلة هنا هي أنه كلما مرّ الوقت، كلما بات الإسرائيليون أنفسهم يواجهون مصاعب في الحفاظ على هذا النموذج الذي يمثلونه، فقد بتنا شهوداً على بوادر انطلاق عملية يتحول فيها انعدام الثقة بالحكومة، إلى انعدام دعم للحرب. فإذا لم نفعل شيئاً في هذا الصدد، فقد نجد أنفسنا أمام وضع لن يكون فيه انهيار شرعيتنا في العالم، سوى نذير سوء لِما هو أكثر شراً، يتمثل في الشرخ آخذ في الاتساع، في إصرار الإسرائيليين وقدرتهم على الصمود. لعلنا نسأل هنا: ما هو النصر؟ إنه تحقيق معقول لأهداف الحرب. إن الطريق إلى تحقيق النصر طويلة، ونجاحها يعتمد على الوصول إلى موردَين بعيدَي المنال: تحقيق الوحدة الإسرائيلية وضمان الشرعية الدولية. فإن لم تكن إسرائيل موحدة وعاقدة العزم، فلن يتحقق النصر؛ وإن لم يدافع أصدقاء إسرائيل في العالم عنها في الساحة الدبلوماسية ويدعمونها عسكرياً، فلن يتحقق النصر.
في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، انطلقت آلة الحرب الإسرائيلية في وقت كان مخزونها من الشرعية الدولية مليئاً في خزاناتها، ومخزن الصمود والوحدة الوطنية فائضاً وبمرور الأشهر الثمانية من الحرب، انخفض مخزن الإرادة والوحدة، في حين استنفدت مخزون الشرعية الدولية بالكامل تقريباً. اليوم، إذا ما نظرنا إلى مؤشر وقود الصمود والوحدة الإسرائيليَّين، فسنكتشف أنهما على الرغم من أننا استنفدناهما إلى حد معين، فإن لدينا ما يكفي من إصرار على خوض هذه الحرب إلى آخرها، لكن، إذا نظرنا إلى مؤشر وقود الشرعية الدولية، فسنكتشف أن رأس عقارب التأشير تشير إلى الصفر. ان ماكينة الحرب الإسرائيلية، في جميع الحملات التي يخوضها الجيش الإسرائيلي الآن، سواء في غزة، أم في لبنان، تسير الآن على ما تبقى من بخار وقود الشرعية في تجويف الخزان. عشنا الحرب بطولها، ونحن ننتظر ونصلي من أجل حدوث خطوة عسكرية غير متوقعة، كاسرة للتوازنات، تقلب مصير المعركة. من المحتمل أن تكون الخطوة المفاجئة التي ستعيد إسرائيل إلى الذروة، سياسية، لا عسكرية. وهذه الخطوة ستعيد ملء خزانَي الموردَين الحيويَّين: الشرعية الدولية والوحدة الداخلية، وتقلص من المخاطر الاستراتيجية التي تواجه إسرائيل. المشكلة هنا هي أن مثل هذه الخطوة تُفاقم المخاطر السياسية المحدقة بشخصيات الزعماء الذين من المفترض أن يسعوا لها. إن حسم المعركة يتطلب من مقاتلي الجيش الإسرائيلي المخاطرة بحياتهم، لكنه يتطلب أيضاً من رؤساء الأحزاب الكبرى المخاطرة بحياتهم السياسية».