كتب حليم خاتون.. يسقط الدعم، لا يسقط الدعم،
حتى قبل انفجار الأزمة الاقتصادية كان معظم الخبراء على انقسام حاد بالنسبة للدعم الذي تقوم به الحكومة لما كان يسمى السلع الاستراتيجية كالطحين والخبز والدواء.
ولطالما اتُّهِمت الافران مثلا باستعمال الطحين المدعوم لصناعة الخبز، في صناعات أخرى، كالحلويات والكرواسون وغيرها.
جاءت الأزمة لتزيد في تفاقم المشكلة, فالفريق الذي يريد رفع الدعم، وهو بالمناسبة ليس مرتبط بالضرورة، بالمطلق، مع أيديولوجية اليمين المعادية بالفطرة للفئات الشعبية، وإن كان يلتقي مع شروط البنك أو صندوق النقد الدوليين.
يعتبر هذا الفريق، وهو محق، بأن الدعم هو نوع من استنزاف الخزينة العامة؛ لكنه، وبدلا عن المطالبة بترشيد هذا الدعم، يذهب إلى الأقصى في مطالبه، حيث لا يكترث لما سيعاني منه الفقراء.
في الجهة الثانية، يقف الخبراء القريبون فطرياً من اليسار، ليرفضوا أي نوع من وقف الدعم بحجة المحافظة على القدرة الشرائية للعمال والفلاحين وصغار الموظفين.
إلى أي مدى تبلغ صحة وجهة نظر كل فريق؟
في لبنان مثلا، تدعم الحكومة البنزين بنفس النسبة لكل المواطنين.
أي أن الموظف الصغير الذي يملك سيارة صغيرة
٤ سيلندر، يستفيد في كل كيلومتر بنصف ما يستفيد
منه مدير الشركة التي يعمل فيها، والذي يملك سيارة كبيرة، ٨ سيليندر.
ويستفيد عشرة أو عشرين مرة أقل من المسؤول السياسي أو الزعيم الذي ينتقل بسيارات كبيرة مع مرافقة تتكون كلها من سيارات كبيرة.
نفس الشيء يحصل حين لا يستفيد الفقير من دعم معاش الخادمة المنزلية، لأنه اساسا، لا يملك المال الكافي لتوظيف واحدة لبيته؛ في نفس الوقت، يتمتع الوزير أو مدير المصرف أو غيره من طبقة ال0.85٪، بتبديل ليراته على سعر ١٥١٥ للدولار لعدة خادمات.
هذا دعم صافٍ للأغنياء.
الأمثلة كثيرة؛ وربما أكثرها سطوعا، هو دعم الكهرباء في لبنان.
تدعم الحكومة شركة كهرباء لبنان بحوالي ملياري دولار سنويا لتغطية الفرق بين سعر بيع الكيلووات وبين كلفة إنتاجه. فيستفيد الفقير الذي بالكاد يملك عدة لمبات وبراد بأقل من عشرة بالمئة مما يستفيد الغني أو الزعيم الذي يملك فيلا او قصر أو شقة تزيد مساحتها ثلاثة أو أربعة مرات أكثر من شقة الفقير، وهو يملك أكثر من براد وأكثر من فريزر، ويملك مايكروويف وخلاطات وطابعات وسبليتات ويقيم الحفلات ...الخ.
هذا طبعا على افتراض أن حضرته يسكن في منطقة ينطبق عليها نفس قوانين التقنين في الكهرباء؛
أما إذا كانت أمه "داعية"له في ليلة القدر، وكان يسكن داخل بيروت الإدارية حيث التقنين لا يزيد على ثلاث ساعات
كحد أقصى...فإن هذا المسؤول سوف يستفيد من دعم الكهرباء أكثر من ثلاثين ضعفا أكثر من الفقير المسكين... ثم تضج بعض وسائل الإعلام لتتحدث عن هؤلاء الفقراء الذين لا يدفعون الفواتير أو يسرقون الكهرباء.
أما الإستفادة من الكهرباء المدعومة والذي يُعتبر سرقة بحماية القانون والحكومة، فلا يتحدث عنه أحد.
يقول رياض سلامة أن ما لديه، يكفي فقط لثلاثة أشهر من أجل الدعم.
وهو قرر مع وزير الإقتصاد المستقيل، وممثل المصارف في الحكومة على دعم أكثر من ثلاثمئة سلعة.
ثلاثمئة سلعة يعتبرها رياض سلامة ضرورية للحياة.
لا أعرف إذا كان الكافيار أو السومون فوميه بينها؟
في الخمسينات والستينات حين تعرضت مصر للعقوبات الأميركية في عهد عبد الناصر، خرج الزعيم المصري وطلب من الشعب المصري الزهد في الشاي والقهوة واللحم وغيرها، ولكنه رفض بكل الإباء أن تركع مصر.
نحن نتعرض للعقوبات الاميركية، بالتكافل والتضامن مع رياض سلامة وبقية جماعة اميركا.
نتعرض لكل أنواع الضغوط، ثم وبدل أن يقتصر الدعم على بضعة أساسيات في الحياة، يقوم سلامة بدعم ٣٠٠ سلعة.
لنعد إلى القضية الاساسية
ما العمل؟
فلننظر الى تجارب الشعوب، لنرى كيف تم التعامل مع هكذا وضع.
منذ بضعة سنين، وتحت وطأة المؤامرات الاميركية
المستمرة منذ قيام الثورة، أي منذ سنة ١٩٧٩، قررت حكومة احمدي نجاد في إيران إلغاء الدعم، لما كان يمثله من ضغط على خزينة الدولة؛ ولكي يحمي الفقراء قام بتخصيص مساعدات مقطوعة لهؤلاء الفقراء.
هل ممكن عمل الشيء نفسه في لبنان؟
في لبنان بلغت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر حوالي ٥٥٪ من اللبنانيين، أي ٥٥٪ من حوالي أربعة ملايين، أي ما يقارب المليونين ومئتي الف لبناني ولبنانية، كبير وكبيرة وصغير وصغيرة.
إذا ما تم دعم كل فرد من هؤلاء بخمسة وعشرين دولار شهريا، سوف يبلغ الدعم العام الشهري،
٢٢٠٠٠٠٠ × ٢٥=٥٥٠٠٠٠٠٠
خمسة وخمسون مليون دولار شهريا، ويكون الدعم وصل إلى مستحقيه فعلا،
وأقل بخمسة عشر مرة مما ينفقه رياض سلامة الذي يصرف شهريا ٧٥٠ مليون دولار دعم في الهواء.
بل يستطيع حتى مضاعفة الدعم إلى ٥٠ دولار لكل فرد من هؤلاء الفقراء،
فيصل الدعم المباشر إلى ١١٠ مليون بدل ٧٥٠ مليون دولار.
وهكذا بدل أن يتوقف الدعم الأهبل خلال ثلاثة أشهر، ممكن أن يستمر الدعم المباشر أكثر من سنتين.
وبدل أن يطبع ليرات ويزيد التضخم ويضرب الليرة أكثر مما هي مضروبة، يعطي الدعم بالدولار الحقيقي،
Fresh money
فيساهم هكذا، وعبر إنزال ١١٠مليون دولار إلى السوق، بتقوية الدورة الإقتصادية، وبتخفيض سعر الدولار في السوق السوداء.
هل رياض سلامة غافل عن هذا، أم هو متغافل؟