سقوط غرناطة وسقوط الغلاف
مقالات
سقوط غرناطة وسقوط الغلاف
م. زياد أبو الرجا
11 حزيران 2024 , 17:37 م


عندما اجتاحت جيوش الملك فردناند والملكة ايزابيلا غرناطة "المدينة الدولة" في الثاني من شهر كانون الثاني /يناير ١٤٩٢م شاهد جمهور المدينة الاعلام المسيحية مرفوعة على جدرانها وعندما انتشرت الاخبار دقت أجراس الكنائس في عموم أوروبا لان غرناطة كانت تمثل اخر قلاع المسلمين في العالم المسيحي انذاك. وكان سقوطها تعويضا عن فشل الحملات الصليبية ضد الإسلام في الشرق الأوسط. بعد ذلك وفي عام ١٤٩٩م خيرت السلطات الجديدة مسلمي المدينة اما اعتناق المسيحية او الابعاد واصبحت أوروبا بعد ذلك خالية من الوجود الإسلامي. الحدث الثاني كان توقيع المرسوم الذي أصدره فردناند وايزابيلا في ٣١ آذار/مارس ١٤٩٩م القاضي بالتخلص من اليهود في اسبانيا، الذين وضعوا بين خيارين اما التعميد واعتناق المسيحية او الابعاد. الاغلبية اعتنقت المسيحية وبقيت في اسبانيا بينما هاجر ثمانون ألفا الى البرتغال وخمسون ألفا الى العالم الإسلامي الإمبراطورية العثمانية. اما الحدث الاهم الذي حصل بعد ذلك هو اكتشاف كريستوفر كولومبس لامريكا.

كانت تداعيات سقوط غرناطة كبيرة الى حد انها غيرت وجه أوروبا.

في السابع من تشرين الاول /اوكتوبر ٢٠٢٣م اجتاحت كتائب النخبة من قوات القسام غلاف غزة واستولت على الحاميات العسكرية الصهيونية واسرت كبار قادتها العسكريين معلنة للعالم اجمع ان طوفان الأقصى ليس معركة محدودة الأبعاد والأهداف بل هي حرب تحرير فلسطين ومقدساتها وعلى راسها القيامة والاقصى وان هذه الحرب راس حربتها وطليعة قواتها المقاومة الفلسطينية التي تستند الى ظهير قوي متماسك يمتد من حدود فلسطين الى بحر قزوين ورهن إشارة سيد المقاومة والمقاومين ومحور المظلومين والمستضعفين السيد حسن نصر الله. وفي الثامن من تشرين الاول /اكتوبر ٢٠٢٣م دخل محور المقاومة في حرب الإسناد للجبهة الفلسطينية في غزة وقام محور المقاومة بتفويض حماس فلسطين والجهاد الإسلامي بإدارة المعركة السياسية والدبلوماسية، واثبتت أحداث ثمانية أشهر طوال من النضال والتضحيات والشهداء والدمار ان هذا المحور متماسك، ومن اهم تداعيات حرب الاستنزاف التي يقودها محور المقاومة أنها وضعت مجتمع المستوطنين امام خيارات ليس لها بديل لغاية الآن أولها تهجير سكان المغتصبات الشمالية في فلسطين من رأس الناقورة غربا وحتى الحدود السورية شرقا وبعمق عشرة كيلومترات هذه المساحة تم تحريرها عن بعد دون أن تطأ أقدام مقاتلي حزب الله الارض بعد، فما بالك لو ارتكب الكيان حماقة وقرر ان يخوض حربا شاملة على الجبهة الشمالية؟ الى اين ستصل فرقة الرضوان واخواتها في عمق الكيان؟ خيارهم ليس الهجرة الداخلية بل عليهم الاستعداد للرحيل النهائي لأننا لن نقبل إسلامهم ولن نقبل تعميدهم حتى يبقوا بيننا وكذلك الحال بالنسبة لمغتصبات غلاف غزة ليس أمامهم الا الرحيل عن أرض فلسطين حالهم حال مغتصبات الشمال. ان طوفان الاقصى الجاري الآن ليس إلا سيلا عرما بالنسبة للطوفان الثاني القادم الذي سيجرف الكيان ويمهد لزواله من الوجود. لان نوحا لن يعود ليبني سفينة النجاة وبايدن ليس بنبي والصهاينة ليسوا مؤمنين.

قد يقول لي القاريء انت تبالغ في التفاؤل ولا تقف على ارض الواقع اقول: تعالوا ندخل معا في العقل الصهيوأمريكي "الوجهان للعملة الواحدة" ونكتشف كيف يفكر؟ وماذا يريد؟ وكيف يقيم ما يجري؟

اجرت قناة الجزيرة الفضائية مقابلة مع توماس فريدمان المعلق والمحرر السياسي والحائز على جائزة بولتزر ثلاث مرات ويكتب عمودا أسبوعيا في النيويورك تايمز وهو قريب من صانعي القرار في البيت الأبيض والكيان وهو الذي كتب المبادرة العربية للأمير عبدالله آل سعود والتي تبنتها القمة العربية في بيروت عام ٢٠٠٢م. تم ترجمة النص من الانجليزية الى العربية حرفيا. التعديل الوحيد كان الذي ادخله الرئيس اللبناني اميل لحود. في هذه المقابلة يعبر فريدمان بوضوح وجلاء عما يتوقعه من تطورات الأحداث والحرب الدائرة الآن.

ومن اهم الأسئلة التي طرحتها القناة :

١) هل ترى ان نتنياهو معني بوقف الحرب في هذه اللحظة؟

لا يمكنني أن اقرأ ما يجول في خاطره، ولا نتحدث الى بعضنا البعض. ولكنني أشعر انه بين امرين بالنسبة له وقف الحرب تعني بداية الجانب السياسي الذي سيؤدي الى الانتخبات في الأشهر المقبلة وهذا يمكن أن يكلفه ويكون خطرا بالنسبه اليه. والاستمرار يؤدي إلى مواجهة مفتوحة مع امريكا.

٢) هل ترى فرصة لنجاح المقترح الذي أعلن عنه الرئيس جو بايدن ؟

الحقيقة من بين الأمور التي تثير قلقي في هذه المرحلة هو ان هذه القضية يقودها أسوأ الناس في اسرائيل نتحدث عن اليمين المتشدد في أقصى اليمين والجانب الاخر لا تقوده السلطة الفلسطينية وإنما حماس التي اضرت بالقضية الفلسطينية أرى أسوأ الناس وهم يقودون العملية، وهذا يثير قلقي.

٣) ربما افهم منك ان الامور تتجه نحو حرب شاملة؟

بالفعل اذا راجعنا الاحداث على جبهة اسرائيل ولبنان نرى ان هذه الجبهة سوف تفتح بشكل كبير وسوف تؤدي إلى دمار شامل في لبنان وإسرائيل. وان هذه الحرب لن تشبه حرب غزة. حماس ليس لديها صواريخ دقيقة وان هذه الحرب ان وقعت ستدمر اسرائيل ولبنان وربما تتوسع لحرب اقليمية والله يعلم ما بعد ذلك.

٤) هل هذا يعني ان ما يسمى بالردع، بمعنى ان يكون طرف يردع الاخر وهذا ما يدفع الطرفين الى عدم الدخول في حرب شاملة؟

نعم هذا هو الحال، ولكن يبدو ان معادلة الردع هذه تتآكل. بالنسبة للمنطقة ككل فأما ان نتجه في العام ٢٠٢٤م نحو حل الدولتين او نعود الى عام ١٩٤٧م مع أسلحة جديدة بشكل جذري، وهذا يكون فظيعا للجميع.

٥) ماذا تقصد بالعودة الى ١٩٤٧م، وباسلحة جديدة، ربما يتعلق الأمر بمسالة وجودية أليس كذلك؟

نعم،نعم بالضبط نحن لا نتحدث عن دولتين في هذا السيناريو نحن نتحدث عن نزاع من الجهة التي تسيطر على هذه المساحة وليس من آفاق للحل وبالتالي من لديه القوة الاقوى والسلطة الأقوى وبالتالي ما من اعتدال لهذه المعادلة التي تقوم بالنسبة للشرق الأوسط. المعتدلون عادة ما يهمشون والمتطرفون عادة ما يذهبون حتى النهاية. المتطرفون الآن هم في قمرة القيادة ولا يمكننا أن نتخيل حجم الدمار انذاك.

٦) الآن توماس فريدمان كيف يرى الامور وتوجه هذه الأمور بالاشهر المقبلة، الى اين سوف نصل في هذه الحرب؟

الحقيقة هذا سؤال وجيه للغاية، وانا تابعت هذا النزاع منذ أربعين عاما. طيلة مسيرتي المهنية لا أتذكر اي لحظة تاريخية كان لدي فكرة بمستوى اقل الآن نحن في وضع جديد وبالتالي كما سبق واسلفت ان القيادة هي الأسوأ في اسرائيل وفي المجتمع الفلسطيني. وايضا على المستوى الإقليمي الأسوأ في الاقليم وعندما يكون الأسوأ في قمرة القيادة يجب أن نخشى وان نخاف.

٧) انت خائف ومتشائم ولست متفائلا؟

ليس اليوم، ليس اليوم. ولكن إذا ما وصلنا إلى وقف إطلاق النار وبطريقة ما واطلاق سراح الرهائن وتبادل السجناء اتصلوا بي يوم غد،ولربما يكون لدي شعور أفضل.

٨) هل ستصل الى هذه النقطة كي نتصل بك؟

لا اعرف،لا أعرف ولكنني اصلي لكي نصل الى هذه النقطة.لاني حقا لا اريد ان أعود إلى عام ١٩٤٧م باسلحة من القرن الحادي والعشرين نكون نعيش في جهنم.

٩) عندما تتحدث عن عام ١٩٤٧م وكان الجميع اصبح امام مسألة الوجود. وجود دولة اسرائيل في المنطقة بمعنى انها في هذه الحرب ربما تتحول من الحرب الشاملة الى الحرب الكبرى التي تحدد هل ستبقى اسرائيل ام ستزول اسرائيل من الوجود. الى هذه الدرجة انت تنظر إلى الامور؟

نعم،نعم بالفعل اعتقد ان الإمكانية قائمة لهذا الخصوص والأمر سيان بالنسبة للمؤسسات الفلسطينية التي بنيت، اعتقد ان كل شيء يمكن أن يتهاوى ويسحق. واذا ما تم ذلك سوف يكون من الصعوبة بمكان بناء كل شيء.

١٠) ماذا عن الفلسطينيين هنا في الجانب الاخر كيف سيكون مستقبلهم؟

اعتقد ان المستقبل هو ان يكون لدينا دولتان وان نصل الى هذه النقطة واذا لم يتم ذلك فإننا لن نشهد سلاما. (انتهت المقابلة).

مادام ما يجري هو معركة وجود او زوال دولة الكيان فإن كل الجهود السياسية من وساطات ومؤتمرات وجولات مكوكية لن تنجح في وقف الطوفان وعلى الاقليم بحكامه ونخبه وجماهيره ان يرتقوا الى مستوى التحدي الوجودي فهل يصدق فينا قول الشاعر :

اننا أمة ما حنى الدهر قامتها ابدا

إنما تنحني لتعين المقادير ان سقطت ان تقوم تتم مهماتها الهادفة.

ردي الشجاعة للدهر تستيقظ الفلتات

وتعطي نبوءتها القاصمة

أجمعي أمة الحزن واستأمنيها المفاتيح

دهرا فدهرا

مهما بدت للوراء تسير بها النكبات

هي الأمة القادمة.

...........................................

ايها المقاتل انّا كنت في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن كم انت تشبه رأس الحسين الذي فوق رمح

ولا يستريح...

تأبى الذوائب مذ ثبتتها الدماء على غُرّة

ان تزيح...

ومن ثبتته الدماء محال يزيح...

م/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري