الميدان، تراكم الكم والتحول النوعي
مقالات
الميدان، تراكم الكم والتحول النوعي
حليم خاتون
14 حزيران 2024 , 19:46 م

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

١٤/٦/٢٤

في البدء كانت الكلمة...

رحلة الألف ميل بدأت بالخطوة الأولى... على حد قول ماو تسي تونغ...

لن نعود إلى حروب الاستيطان والنهب الأولى التي جاءت مع الحروب الصليبية إلى بلاد الشام باسم "تحرير" الاراض المقدسة من أيدي المسلمين...

بدأت هذه المرحلة المعاصرة من الصراع العربي الصهيوني في السابع من أكتوبر هذه السنة، ٢٠٢٤...

كما يبدو، هي المرحلة الأخيرة او على الأقل، جسر العبور إلى المرحلة الأخيرة من هذا الصراع...

مع اقتحام المقاومة الفلسطينية أسوار سجن قطاع غزة الكبير، وجه القائد محمد الضيف نداءه الشهير يطلب تحويل شعار وحدة الساحات من النظرية إلى التطبيق...

لم يكن الأمر سهلا...

يفرض الواقع الكثير عند تطبيق النظريات...

لكن وحدة الساحات تجاوزت هذا القطوع وصارت اليوم واقعا يفرض نفسه من البحر المتوسط إلى بحر العرب مرورا بالبحر الأحمر...

لم تفاجئ عملية السابع من أكتوبر الكيان الصهيوني وحده، ولا حتى حلفاء المقاومة الفلسطينية في محور المقاومة وحدهم؛ فاجأ قادة الداخل في حركة حماس، حتى اقرب الرفاق والأخوة في الداخل والخارج...

التاريخ وحده من سوف يحكم على كيفية التخطيط...

لكن الأهم من كل ذلك، هو أن التاريخ وحده من سوف يحكم على كيفية اتخاذ القرار والملابسات التي احاطت به...

هل كان قرار السابع من أكتوبر على طريقة هجوم القبائل كما كان يفعل الهنود الحمر..؟

هل سبق تعطيل هذا القرار اكثر من مرة بحجة انتظار الزمان والمكان المناسبين..؟

هل جرى ما جرى على طريقة، "عليهم يا عرب!"...

بانتظار كتابة تاريخ ما حصل يمكن القول أن المقاومة الفلسطينية وجدت نفسها على حافة الهاوية عشية السابع من أكتوبر...

النظام الرسمي العربي لا يقوم فقط بالتطبيع مع الكيان؛

لقد وصلت الأمور إلى حد خيانة القضية الفلسطينية بشكل مطلق...

سقطت كل شعارات القومية العربية حول أن ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة...

لاءات الخرطوم الثلاثة لم تكتف بالانهيار، بل سحبت معها إلى الحضيض مدينة الخرطوم نفسها...

كاد محمد ب سلمان يوقع على كل صكوك أميركا ويعلن اختزال القضية الفلسطينية من قضية وطن سليب كما كانت مع الملك فيصل، إلى مجرد قضية تحسين ظروف عيش الفلسطينيين داخل الدولة اليهودية، بانتظار التطهير العرقي والتطهير الديني الجاريين على قدم وساق...

لم تَسْلَم المقاومة الفلسطينية حتى من ما بقي من وطنيين في بلاد المحور...

بدا وكأن الاحباط قد تملك المناضلين خاصة بعد استفراد الكيان الصهيوني بمنظمة الجهاد الإسلامي في غزة...

وصل الأمر بكاتب هذه السطور إلى التقريع المباشر بحق القائدين يحي السنوار ومحمد الضيف عبر الاستهزاء من تهديدات وشعارات المقاومة حول الزمان والمكان المناسبين، وترداد ما كان يردده ليبرمان من أن الكلب الذي ينبح كثيرا، لا يعض...

كم من المرات تمت الإشارة إلى أن الفلسطيني يملك على الأقل القدرة على حشر الجميع في الزاوية عبر دفع المنطقة إلى حرب إقليمية، الجميع، بما في ذلك الحلفاء في المحور...

كنا نعيش جميعا في عالم التنظير إلى أن خرج السنوار والضيف بالمفاجأة الكبرى...

قرر الفلسطينيين انهم لن يدعوا العالم يعيش على حطام الشعب الفلسطيني...

"لا نريد تمجيدنا بعد ابادتنا"، كما رددت رحمه الزين في أميركا...

اذا صدقت التحليلات والايحاءات التي ظهرت في الأيام الأولى لطوفان الأقصى؛ فإن المحور بالكامل كان على وشك الحراك الفعلي الكامل إلى أن جاءت التهديدات الأميركية بالدخول المباشر في هذه الحرب إلى جانب الكيان، ووصل هذا التهديد إلى حد الاستعداد لتدمير طهران وقصف قم المقدسة...

بدا وكأن المحور اراد الإنحناء لتجنب قوة العاصفة؛ لكنه أصر على رفع شعار طلب وقف إطلاق النار وإجراء عملية تبادل أسرى بين المقاومة والعدو...

وصل الأمر بالسيد نصرالله إلى خلاصة أن القضاء على الكيان لا يمكن أن يكون بالضربة القاضية وإنما بالنقاط في حرب طويلة لم يعلن بدءها...

من حسن حظ القضية الفلسطينية أن لا الكيان الصهيوني ولا أميركا ولا الغرب ولا كل الذين يقفون بحزم وقوة خلفه ارادوا إيقاف ما يجري...

بل، وتحت شعار حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، تم اعطاءالكيان رخصة مفتوحة بارتكاب كل ما يريد من مجازر بما في ذلك مجزرة إبادة الشعب الفلسطيني في غزة بشكل جماعي، وفي الضفة بشكل أقل بالكم، ولكن بنفس الوحشية...

دخل النظام الرسمي العربي ومنظمة ما يدعى بالتعاون الإسلامي على نفس الخط عبر تعيين موعد بعيد لعقد قمة عربية كان يُرجى أن يستطيع الكيان تحقيق الابادة قبل الوصول اليها؛ وعندما حان موعد القمة وبدا واضحا فشل الكيان في تطويع هذه المقاومة؛ كما بدا اضحا أن محور المقاومة خرج من حالة الخوف والردع التي أصابته مع وصول الاساطيل الغربية، وبدأ عملية إسناد قوية لغزة؛ قامت هذه القمة الهزيلة بإصدار ما لا يسمن ولا يغني عن جوع...

كاد النظام الرسمي العربي يبكي وهو يرجو الاميركيين الرأفة به، واعطائه شيئا،... أي شيء...

بدأت دول كثيرة تتراجع أمام الضغط الأميركي الغربي الهائل...

اكتفت الصين وروسيا بأقل ما يمكن من إجراءات لم تتعد المناكفة السياسية ضد الغرب في مجلس الأمن...

وصل الصلف بهذا الغرب إلى رفض حتى أضعف القرارات التي حاولت بعض الدول غير العربية وغير الإسلامية تقديمها مثل البرازيل مثلا...

وسط هذا الخضوع العربي الكامل، أنظمة وحتى شعوب غلب على أغلبها الخضوع الدوني لمنطق الاستعمار الغربي؛ خرجت وحدها جمهورية جنوب اقريقيا تحمل راية الدفاع عن حق الفلسطينيين بالعيش وتسمية الإبادة الجارية باسمها دون لف ولا دوران...

كانت خطوة جنوب أفريقيا تلك إلى جانب النخوة والشعور الإنساني الذي بدأ يظهر في عواصم الغرب عبر مظاهرات عارمة هو ما بدأ يفك القيود المفروضة من قبل النظام العالمي على حرية التعبير وحق العيش الكريم للشعب الفلسطيني...

تطور الأمور على الساحة العالمية أعطى محور المقاومة دفعا جديدا من الأمل جعل قائد هذا المحور المتمثل بالسيد نصرالله في لبنان يقرر أن الميدان وحده هو من سوف يقرر مدى وكيفية تطور شعار وحدة الساحات وانتقاله من البدائية التلقائية في المرحلة الأولى إلى مراحل أعلى وأكثر فعالية...

وقد كان لهذا القرار بترك الميدان يحكم أكبر الفعل فعلا...

بدا واضحا أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت فعلا...

ثم تطورت الأمور إلى أن أظهر الحوثيون بشكل لا لبس فيه أيضا صدق مقولة قائد الثورة الصينية من أن الامبريالية الأميركية ليست اكثر من نمر من ورق...

ظلت أميركا ومن حولها بريطانيا وفرنسا والمانيا وإيطاليا يؤمنون بنظرية ارتكاب المجازر لاخضاع الخصم ودفعه للاستسلام...

فعلها الاميركيون مع الفيتناميين حتى اضطرت القيادة في هانوي إلى بعض التنازل للتخفيف من عدد وقوة المجازر الناتجة عن القصف الأميركي للمدنيين الفيتناميين...

اضطرت حماس للتخلي عن شعار تبييض السجون...

لكن للتنازل حدود لا يمكن تخطيها...

لذلك سمح الأميركي للكيان بمزيد من المجازر...

أجبر الاميركيون مصر على ابتلاع اجتياح رفح وكأن ما يجري يحدث في كوكب آخر...

رد الشعب الفلسطيني بمزيد من الصبر على القتل والمجازر؛

ردت المقاومة الفلسطينية بمزيد من العمليات النوعية مع تصميم جعل محور المقاومة يتخطى كل الخطوط...

اشتعل جبل عامل بعمليات فاقت كل ما سبق حتى ظهرت إسرائيل بنفس الموقف الذي كانت عليه في ١٤ نيسان حين وقفت عاجزة عن التصدي للرد الإيراني الذي لم ينقذها منه سوى اساطيل الغرب وتآمر النظام الرسمي العربي المخزي...

مرة أخرى، قرأت أميركا ومعها بريطانيا وبقية عصابة الاشرار في الغرب؛ قرأوا التاريخ بالمقلوب...

ظنوا أن إغتيال احد أهم قادة الميدان في جبل عامل، الشهيد ابو طالب ورفاقه سوف يضعف عزيمة حزب الله...

غباء الاستعمار لا حدود له...

صحيح ان الفيتناميين تنازلوا في فترة ما؛ لكن قوات الفيتكونج لم تلبث ان اجتاحت سايغون وهربت آخر فرق الأميركيين من على سطح السفارة الاميركية هناك في منظر يشبه كثيرا ما حدث لهم في كابول حيث حاول العملاء التعلق بطائرات الهاربين وتساقطوا كما اكياس الزبالة دون ان يذرف الاميركيون ولو دمعة على كلابهم الساقطة...

لم يتعلموا من التاريخ أن السيد نصرالله خلف السيد عباس وكان أشد وطأة على إسرائيل...

كما لم يتعلموا أن السنوار والضيف جاءا بعد قافلة طويلة من الشهداء على رأسهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس والشهيد فتحي الشقاقي مؤسس الجهاد

والشهيد ابو علي مصطفي امين عام الجبهة الشعبية...

أمس، خرج احد محللي الجيش الصهيوني يتحدث عن قصف حزب الله وكأنه انتقام من اجل شهداء غارة جويا...

صحيح ان الشباب أرخوا حبال القصف انتقاما؛ لكن ما يحصل هو تراكم كمي في الميدان لن يتوقف الا في حالة واحدة فقط... وقف الحرب على غزة...

لكن هل سوف تقف الحرب على غزة؟

هل شعار وقف الحرب هذه قابل للتنفيذ؟

ماذا عن اليوم التالي؟

ماذا عن الضفة التي سقط فيها مئات الشهداء منذالسابع من أكتوبر؟

ماذا عن فلسطين ٤٨ القابعة تحت القمع البوليسي والتي زاد عدد المعتقلين فيها في الأشهر القليلة الأخيرة على ال٥٠٠ معتقل...

في طرح بايدن يتحدث عن مفاوضات تؤدي إلى هدوء مستدام...

هدوء على أي أساس؟

إذا كانت أميركا والكيان يعتقدان أن الفلسطيني سوف يعود الى وضعية السادس من أكتوبر فهما اكثر غباء مما يمكن التصور...

واذا كانا يعتقدان أن بإمكانهما خداع الفلسطينيين كما اكثر من مرة، وخداع المحور عبر بيع اليمن تسوية صارت تحت أقدام مقاتليه، او خداع العراقيين ببناء احلام وردية ثبت بطلانها، او خداع حزب الله بنقاط الاختلاف على الحدود ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا وفك أسر الترسيم البحري والثروة البحرية فهما اكثر من مجرد أغبياء... هما في قمة الغباء...

خلاص، إسرائيل سقطت...

وسوف يسقط معها كل الكلاب الذين تحكموا بمقدرات هذه الامة...

اليمن صار ملك البحر الأحمر...

العراق عاد ملكا على الخليج والى جانبه إيران هذه المرة...

اما لبنان...

مسكين كميل شمعون...

مسكين سامي الجميل...

أما سمير جعجع، من الأفضل تحويل معراب إلى دير والتنسك فيه وطلب شفاعة مار شربل عند الرب...

لبنان قام، حقا قام...

من لا يصدق...

سوف تثبت الأيام أن هذا البلد صار عملاق شرق البحر المتوسط...

حليم خاتون 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري