كتب الأستاذ حليم خاتون:
٢٦/٦/٢٤
"يا واقف ع(حيادة) تحرك، ما بيسوى تضلك ع(حيادة)"...
هذا كان أحد شعارات مظاهرات الطلاب قبيل الحرب الأهلية في لبنان سنة ٧٥...
شعار استمر خلال الحرب أيضا...
موضوعية الإعلام مسألة حساسة جدا...
كثير من الإعلاميين يتغنى بالموضوعية...
منهم من يحرص على ابراز الموقف الشخصي من قضايا وطنية وقومية مصيرية رغم هذه الموضوعية، ومنهم من يتغطى بالموضوعية لتمرير شوكة هنا، او خازوق هناك...
من اكثر هؤلاء الذين يحرصون على التقيد بالموضوعية مع عدم التنكر للمبادئ التي يؤمن بها يحضر في ذهني الآن الأستاذ قاسم قصير...
ومن الذين بعثوا فيّ الحيرة احيانا كثيرة دون الانتقاص من احترامي لما يقولون حتى ولو كان ذلك عكس أرائي وقناعاتي وأفكاري، يحضرني هنا الاستاذ سامي كليب، الاستاذ نقولا ناصيف، الأستاذ سركيس نعوم وإلى حد ما الاستاذ جوني منير...
هنا لا يهم اذا كان الإعلامي من ٨ آذار أو من الرابع عشر منه او قد يعبر في مواقف ما أحيانا عن هذا المحور وأحيانا أخرى عن المحور الآخر...
هؤلاء يقولون او يتصرفون على اساس انهم موضوعيون رغم ان الأفكار التي يعبرون عنها تقربهم بشكل من الأشكال من أحد المحاور التي تزداد في المدة الأخيرة صعوبة الوقوف في الوسط منها...
لهذا يمكن كثيرا لأي قارئ ذي عقل ومنطق أن يستمع او يقرأ لهؤلاء لما يحملونه من أساس منطقي في التحليل، أو في احيان ما، ما يمكن أن يملكونه من معلومات بفضل صلات ما، مع مواقع قرار أو سلطة...
لكن بين الموضوعية والانتهازية خيط رفيع جدا يصل إلى حد التشبيه بشعرة معاوية التي يجب عدم تخطيها...
هناك فرق بين الإعلامي وبين الداعية...
قاسم قصير إعلامي مثلا، بينما شارل جبور او مي شدياق مجرد دعاة أو ابواق دون نفي أن لدى ٨ آذار أبواقا أيضا...
الاستماع إلى الأبواق من أية جهة كانت لا يغني المعرفة، لذلك ليس من المهم الاستماع إلى هؤلاء لأن كل كلامهم لا يختلف عن كلام الدعاة...
بالنسبة لي، كثيرا ما لا أهتم لقراءة هؤلاء سواء كانوا ممن أصنفهم عملاء موضوعيين في أحسن الأحوال كشارل ومي، او أغبياء نرجسيين كديما صادق، او مباعين لمن يملك المال كنديم قطيش...
لكن كثيرا ما يحيرني موقف هيام القصيفي في جريدة الأخبار...
أحيانا كنت أظن إنه أو (إنها) كما الاستاذ نقولا ناصيف ينطلق من أساسيات اقرب إلى ما يسمى الاعتدال مع كل ما يمثله هذا الاعتدال من مساوئ الوقوف على الحياد في المسائل المبدئية...
لكن القصيفي كثيرا ما يحاول التعبير عن الموضوعية هذه عبر تمرير عنوان لا يمت إلى الموضوعية بشيء؛ خاصة حين يتعلق الأمر بحزب الله أو إيران...
دائما هناك غمز ولمز وتشكيك...
المعروف عن جريدة الأخبار إنها أكثر الجرائد في لبنان تأييدا لنهج المقاومة ضد الامبريالية والكيان المصطنع ربما؛ لكن مع كثير من التحليل المنطقي بعيدا عن العواطف...
في مقالته ليوم ٢٦/٦/٢٤، يضع او تضع هيام القصيفي إيران وإسرائيل في سلة واحدة تحت تعبير تقاطع المصالح...
القول أن لإسرائيل مصلحة في استمرار الحرب من موقع الافتراض إن هذا الكيان سوف ينجح في حرب الغاء القضية الفلسطينية شيء، والقول إن إيران تريد استمرار الحرب لأنها مستفيدة من هذه الحرب بغض النظر عن استفادة الفلسطينيين منها، شيء آخر...
الأمر هنا قابل للجدل بين أكثر من منطق، وأكثر من تحليل...
لكن هناك ايحاء من القصيفي بالتفريق بين مصلحة إيران ومصلحة القضية الفلسطينية...
إذا كانت إيران تؤمن بأن
استمرار الحرب هو من مصلحتها في الوقت الحالي، وهو ما تنفيه إيران لأنها كما حزب الله تدعو لوقف إطلاق النار والانسحاب الكامل من غزة ورفع الحصار مع مطالب أخرى لصالح القضية الفلسطينية، فهذا يناقض عنوان مقالة القصيفي...
واذا كانت مصلحة إيران فعلا في استمرار الحرب فهذا في واقع الحال هو المصلحة الفلسطينية بالمطلق لأنه لا يوجد أمام شعب فلسطين الا القتال ثم القتال ثم القتال حتى الوصول إلى تفجير العالم عبر تفجير النظام الرسمي العربي بالكامل ونشر اللا استقرار في الشرق الأوسط وفي العالم...
إيران، كما حزب الله يريدان وقف الحرب لانهما يريدان تجنيب الشعب الفلسطيني المآسي التي يتعرض لها وفق نظرية تراكم الكم للوصول إلى النصر ( نظرية الفوز بالنقاط)...
الفرق ربما بين موقف القصيفي وبين ما يؤمن به الكثير من المناضلين هو أن القصيفي يتهم او تتهم إيران لمجرد الإتهام، والوصول في هذا الاتهام لاحقا إلى حزب الله...
بينما يؤمن المناضلون الشرفاء في هذه الامة أن سقوط عشرات ومئات الآلاف وربما أكثر من ذلك، مع استمرار هذه الحرب حتى سقوط الكيان ومَن وراء هذا الكيان هو أقل ضررا من وقف الحرب وانتظار فرصة تاريخية أخرى قد لا تأتي في المستقبل المنظور...
(ي)تضع القصيفي إيران في موقف ليس لها...
نعم يختلف الكثير من المناضلين مع إيران ويتمنون عدم وقف الحرب لأن قدر الفلسطيني أن يقاتل حتى يعيش...
عندما يتوقف الفلسطيني عن القتال سوف يموت موتا رخيصا...
الاختلاف مع إيران وحزب الله شيء، و(تقويل) او إلباس إيران موقفا آخر شيء آخر...
في مطلق الأحوال، لا يمكن تشبيه موقع القصيفي في جريدة الأخبار مع موقف الاستاذ بيرم او الاستاذ عقيل مثلا في جريدة الأخبار لأن الفرق بين جريدتي النهار والأخبار يزيد على الفرق بين الارض والسماء...
تماما كما أن الفرق بين الأستاذ ناصيف والقصيفي كبير جدا، ولا يمكن نسب موضوعية الأول مع شخصانية الثاني...