هذا ما كان يحدث قديما بين الفقهاء وزعماء المذاهب، ووصل في بعض مراحله للقتل والتنكيل وافتعال الفتن الطائفية التي ذهب ضحيتها ملايين القتلى من الأبرياء والضعفاء..
كنا نكشف هذه الحوادث ليس بغرض الهجوم على أحد، ولكن لإقناع المتدين العادي كي لا يقع فريسة لهؤلاء ويصبح عبدا مسخرا لخدمتهم، بينما هو أعظم منهم أخلاقا وأكثر علما ببساطته وزهده وتواضعه.
أين هؤلاء من قوله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" [الحجرات : 13]
فالأصل بين الناس هو التعارف والتفاهم والتواصل، وليس الضرب والشتم والتعنيف والتكفير والشلاليت..
أين هؤلاء من قول رسول الله "لا يؤمن أحدكم حتى يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه" (متفق عليه) ومن قوله أيضا "من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه" (صحيح مسلم 1844)
أين من هم قول ابن مسعود رضي الله عنه " من أحب أن ينصف الله من نفسه فليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه" (مصنف ابن أبي شيبة 7/ 108)
الإسلام يدين التطرف والعنف، و يحث القرآن المسلمين مرارًا وتكرارًا على معاملة الآخرين بلطف واحترام، بغض النظر عن معتقداتهم أو خلفياتهم الدينية والسياسية..إلخ.
قال تعالى "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" [النحل : 125] تخيل أن المسلم مأمور بمجادلة المسيحيين واليهود بأحسن ما لديه من أخلاق، وهناك فارق بين الحسن والأحسن، المسلم مأمور بالأحسن، أي بجمع الأخلاق الحسنة كلها واختيارها أحسنها على الإطلاق..
ما بالك بالمسلم..أخيك في الدين والإنسانية؟
الرسول بعث رحمة للعالمين، وجوهر رسالته في عدم إكراه أحد على الإسلام مطلقا بل التلطف معهم وحبهم وودهم، قال تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [الأنبياء : 107] وقال أيضا "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" [البقرة : 256]
فالله هو الذي يحاسب الناس على ذنوبهم ومعتقداتهم الخاطئة، وليس أنت، فأما الإنسان هو مأمور فقط بالدعوة والرشد وأن يكون قدوة في (الأخلاق والعلم) أما من يفقد كلاهما أو أحدهما فلا يحق له الدعوة أو يجعل من نفسه حكما على الناس فيصف هذا بالكفر ويصف هذا بالإيمان،..والله يعلم أنه لكذاب أشرّ.
قلنا أن التطرف ليس فقط مصدره عدم الفهم، بل الخوف من المجهول، والرغبة في السلطة، والذي يشتم ويسب ويكفر الناس على رأيهم يرغب في السلطة عليهم بالأساس، والتأمّر عليهم وعبادته قولا وفعلا، ولولا أن هؤلاء يروّجون لدولة شريعة وفقا لمذهبه ومذهب شيخه ما اندفعوا للتطرف والسباب بهذا الشكل، ولكانت مساحة العُذر أكبر وأوسع..
أخيرا: فالتسامح ليس مجرد ضرورة أخلاقية، بل له أيضًا أساس فلسفي وديني في الإسلام، حيث يشير مفهوم التوحيد (وحدانية الله) إلى أن جميع البشر مترابطون ومتساويون أمام الله، وهذا المبدأ يتجاوز الاختلافات في العرق أو الدين أو الجنسية. فالله واحد والبشر جميعهم بقيمة ومنزلة واحدة ، لا فضل لأحد على أحد، وأكرم الناس عند الله هو أحسنهم أخلاقا وليس أكثرهم حفظا لنصوص لا يعلمها ولا يفقهها وبالتالي لا يعمل بها على الإطلاق..